رحلة التغيير أو التغيير الشخصي هي عملية شبيهة بالإبحار في مياه مجهولة، ورحلة التغيير هذه تتطلب شجاعة مع وعي ذاتي والتزام. وعليك أيضًا أن تفهم نفسك وتفهم الفروق الدقيقة في هذه الرحلة، فهذه الفروق الدقيقة في شخصيتك خلال رحلة التغيير هذه هي أمر محوري لأي شخص يسعى إلى تغيير حياته بطرق ذات معنى.
رحلة التغيير سفينتك للنجاة
خلال كل سنوات تدريبي وممارستي للطب النفسي والعلاج النفسي ببعض أنواعه؛ تعلمت درساً مهماً وأساسياً للغاية، وهو أن ما يعالج المريض النفسي ليس هو أبداً ما يقوله له الطبيب أو المعالج، ولا المدرسة العلاجية التي يتبعها، ولا الطريقة أو الأدوات العلاجية المستخدمة، ولا النظرية التي يبني عليها عمله، ولا حتى مدى نباهته وذكائه وتعليمه وتدريبه، لا شيء من كل ذلك على الإطلاق.
ما يعالج ويغير ويساعد المريض النفسي في الحقيقة هو (شخص المعالج)، ونوعية علاقته به.
ليست هذه خبرتي ورؤيتي التي خبرتها ورأيتها وتعلمتها ومارستها فقط، بل هي أيضاً خلاصة مجموعة هائلة من الدراسات والأبحاث التي قام بتحليلها الباحث البريطاني وامبولد سنة 2001.
ما الذي يساعد المريض النفسي على التغيير؟
كان وامبولد يحاول الإجابة عن سؤال بسيط جداً، لكنه هام جداً، وهو: ما الذي يساعد المريض النفسي على التغير أثناء العلاج النفسي؟ ووجد وامبولد بعد سنوات من البحث والدراسة والتحليل أن المدرسة العلاجية التي يتبعها المعالج ليست عاملاً في التغير، وكذلك التقنيات العلاجية المستخدمة، ولا النظرية التي تقبع خلف تلك التقنية أو غيرها. وإنما ما يساعد المرضى على التغير هو أولاً مدى صدق وتصديق المعالج فيما يفعله، وشخص المعالج، ونوعية العلاقة العلاجية التي يبنيها المعالج مع مريضه.
لو لم يحب المعالج النفسي نفسه فلن يستطيع أبداً أن يساعد مريضه في أن يحب نفسه، لو لم يقبل المعالج نفسه بكل ما فيها، فإنه من المستحيل أن يساعد مريضه على أن يقبل نفسه بكل ما فيها في يوم من الأيام، لو لم يسامح المعالج نفسه على أوقات فشله ونقاط ضعفه ومناطق تقصيره، فلن يفعل مريضه ذلك مع نفسه أبداً، لو لم يصدق المعالج أنه يستحق أن يحيا ويفرح ويُحب ويُرى ويحترم ويُقبل، فلن يصدق مريضه ذلك عن نفسه حتى لو أظهر عكس ذلك.
مهما كان كلام المعالج حلواً ومرتباً ومبنياً على أحدث وأمهر نظريات وطرق العلاج النفسي؛ فإن ما يصل للمريض هو (شخص المعالج)، من أعمق أعماقه، من داخل خلاياه، من جدران شرايينه وطرقات أوردته.
رحلة المعالج النفسي في الحياة هي أفضل دليل لعلاج أي مريض، وحقيقة المعالج الداخلية هي أعظم نظرية على الإطلاق، وعلاقته بنفسه ونوعها ودرجتها وشكلها هي أمهر تقنية علاجية، وقدرته على التغير والتعلم والنمو الشخصي هي البوصلة التي لا تخطئ وسط طرقات النفس ومتاهاتها، وما لم يصل له المعالج شخصياً فلن يستطيع مريضه الوصول إليه، مهما تظاهر وأظهر المعالج غير ذلك. من أجل ذلك، وقبل أن يمارس المعالجون النفسيون مهنتهم، فإنهم يتلقون كثيراً من التعليم والتدريب (والعلاج) في رحلة لا نهاية لها طول العمر.
رحلة التغيير.. ما دخلي أنا كقارئ بهذا الكلام؟
لماذا أقرأ عن المعالج النفسي وشخصه ورحلته وأنا لست معالجاً نفسياً؟ وربما لست مريضاً نفسياً أيضاً.
دعني أخبرك بكل بساطة أن كل الكلام السابق (والآتي) لا يخص الأطباء أو المعالجين أو المتخصصيين، هذا الكلام يخصك أنت، نعم، أنت يا سيدي، وأنت يا سيدتي، ويخص أي شخص يريد أن يبني علاقة إنسانية ناجحة مع أي شخص آخر، فالعلاج النفسي في أوله وآخره ليس سوى (علاقة إنسانية)، مثله مثل التربية والصداقة والحب والزواج وغيرهم.
لو أردت تغيير أي أحد فغيّر نفسك أولاً، ودعه يراك، ويصدقك، ويؤمن بك، ثم ستجده يتغير وحده، بكل بساطة وتلقائية.
قبل أن تطلب من ابنك أو ابنتك أو صديقك أو زوجتك أن يتغير، ويصبح كما تريد أنت، قبل أن تنطق كلمة واحدة، قبل أن تنتقده، قبل أن تأمره، قبل أن ترفع حتى عينيك في عينيه، انظر إلى المرآة ووجه كلامك لنفسك.
قبل أن تعيب في مكان عملك، أو مجتمعك، أو حتى بلدك، انظر داخلك.
رحلتك هي البوصلة.
هي التغيير الذي تريده في الناس، وهي الطريق لمن أراد أن يكون رفيقك.