ما تفسير المواقف غير المنتهية ؟
يوجد تفسيرات كثيرة ونظريات أكثر للعديد من الأمراض والأعراض والصعوبات النفسية، منها تفسيرات بيولوجية، وأخرى بيئية، وغيرها تربوية. من أهم وأحدث هذه التفسيرات ما يسمى بالمواقف غير المنتهية، والتي أضافها لعلم النفس العالم الألماني الشهير (فريتز بيرلز) مؤسس مدرسة الجيشتالت في العلاج النفسي.
ولتوضيح الصورة، يضرب (بيرلز) مثلاً برجل في حالة شديدة من العطش، وفي اللحظة التي يقترب فيها من تناول جرعة ماء، يقبل عليه أحد أصحابه للسلام والكلام، فيسلم الرجل على صاحبه ويخوض معه في الحديث، لكن يبقى داخله موقف غير منته من (العطش)، يفقده تركيزه، وطاقته، وربما أعصابه.
كم لديك من المواقف غير المنتهية؟
كم يوجد لديك من مواقف غير منتهية؟ مع والدك؟ مع والدتك؟ مع صديقك؟ مع زوجتك؟ مع زملائك في العمل؟ وغيرهم. هل تعلم كم الوقت والجهد الذى تبذله لمحاولة كبت هذه المواقف غير المنتهية؟ هل حاولت قبل ذلك حلها بأي طريقة؟ هل جربت التعبير عما بداخلك كما هو؟ هل تعلم أن كثيراً من أحلامك هي في الحقيقة محاولات حثيثة من وعيك لإنهاء بعض المواقف غير المنتهية مع أحد الأشخاص في حياتك؟
كثير من أعراض الاكتئاب والتوتر واضطرابات الشخصية وغيرها من الأمراض النفسية يوجد في أعمق أعماقها بعض المواقف القديمة غير المنتهية، والتي ظلت كامنة ومكبوتة داخل صاحبها سنوات طويلة، قبل أن تظهر وتعبر عن نفسها في صورة أعراض مرَضية.
بعض الضلالات والهلاوس والوساوس هي أيضاً محاولات مرَضية للتعامل مع بعض المواقف غير المنتهية ، بل إن الرغبة في تكرار بعض التجارب المؤلمة، والدخول المتكرر في علاقات مؤذية (التكرار القهري) هو في حقيقته محاولات بائسة لحل بعض المواقف غير المنتهية القديمة، لكن في صور جديدة، ومع أشخاص جدد.
كل احتياج نفسي غير مشبع هو موقف غير منته.
كل عاطفة أو شعور لم يتم التعبير عنه هو موقف غير منته.
حتى القلق وفقدان القدرة على النوم هو تعبير واضح عن موقف نفسي غير منته.
كيف تتعامل مع المواقف غير المنتهية ؟
ماذا نفعل إذن؟ ما الطريق لإنهاء تلك المواقف؟ ما الحل لهذه الصعوبات المتراكمة؟ في الحقيقة، يوجد أكثر من حل، وأكثر من طريق.
الطريق الأول
هو أن تقوم بحل تلك المواقف، والتعبير عن تلك المشاعر، ناحية أصحابها الأًصليين، اذهب له، اذهبي لها، وقل ما بداخلك، اطلب تفسيراً، أو توضيحاً، أو اعتذاراً، عبر عن ألمك، أو خوفك، أو احتياجك، وحتى لو لم تحصل عليه، فمجرد التعبير عما بداخلك يكفي ويصلح ويؤدي وظيفة نفسية مهمة جداً.
الطريق الثاني
فى حالة عدم سهولة أو إتاحة الطريق الأول، هو التوجه إلى أحد المعالجين النفسيين، لمحاولة إنهاء وحل تلك المواقف بشكل علاجي صحيح، حتى لا تترك أثراً نفسياً سيئاً يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية مرضية، أو إلى اضطراب فى علاقتك بنفسك أو علاقتك بالآخرين، ويلجأ بعض المعالجين هنا إلى طريقة علاجية شهيرة تسمى (السيكودراما).
يطلب المعالج من مريضه أن يقوم بإعادة تمثيل الموقف غير المنتهي بالتعاون مع بعض زملاء مجموعته العلاجية (هذا النوع من العلاج النفسي يتم عادة في مجموعة). ويستعيد كل ما بهذا الموقف من تفاصيل ومشاعر وكلمات، ويجري حواراً جديداً مع الطرف الآخر، يعبر فيه عن كل ما لم يعبر عنه سابقاً، ويقول فيه كل ما لم يقل وقتها، بكل صدق وشجاعة، ثم يضع نفسه مكان الطرف الآخر، ليرى الأحداث من وجهة نظر جديدة، قد تضيف أو تغير استقباله ورؤيته ورد فعله، ثم يعود مكانه مرة أخرى، وهكذا حتى يتم حل هذا الموقف، وإعادة تخزينه في صورة نفسية مختلفة تماماً عما كانت عليه.
وبعدها تبدأ مرحلة العفو والصفح والسماح، بعد التعبير عما بداخلك، ليكون خطوة كبيرة في طريق النمو النفسي، ودرجة عالية فى سلم السمو الروحي. ويأتي عادة بعد رحلة هائلة من النضج الإنساني، والجهاد النفسي، وهو أن تقوم ليس فقط بالعفو والصفح والسماح، لكن أيضاً بالإحسان، بأن تحسن فيه لمن أساء إليك.
يوجد بالطبع طرق أخرى، واختيارات أكثر تعدداً، لكن هذه أكبرها وأهمها.
أخيراً, المواقف غير المنتهية هو بمثابة الحجر الثقيل الذى يمنع قدميك من الحركة، ويحرمك من كثير من طاقاتك وإبداعاتك، فلا تترك داخلك موقفاً غير منته. لا تدع حدثاً معلقاً فى حياتك بلا نهاية حقيقية تضع النقاط فوق الحروف. لا تعش حالة من الدراما الداخلية التى تهترئ بها نفسك من الداخل. نقِّ نفسك من المواقف غير المنتهية أولاً بأول, فهي تستحق.