غادرنا في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، 22/1/2017، بدمشق الأستاذ الدكتور سامي القباني.
كان القباني، رحمه الله، أستاذاً فاضلاً من خيرة الأساتذة والمربين في جامعة دمشق العريقة، تخرجتْ على يديه أجيال من الأطباء الذين يحملون له في قلوبهم أطيب الذكريات وأجلّ الاحترام والتقدير. ولا عجب في ذلك، فهو سليل أسرة دمشقية عريقة، فوالده هو الأستاذ الدكتور صبري القباني، الذي كان أيضاً أستاذاً في كلية الطب بجامعة دمشق، ونشر كتباً عديدة في الثقافة الطبية، كما أسس مجلة طبيبك التي تابع الدكتور سامي من بعده تحريرها ونشرها.
ولد الدكتور سامي القباني بدمشق سنة 1937، وحصل على شهادة الطب من الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1962، ثم تابع تخصصه في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على شهادة البورد الأميركي في الجراحة العامة، ثم البورد الأميركي في جراحة الصدر، وعاد إلى دمشق سنة 1969، وانضم إلى الهيئة التدريسية في كلية الطب.
قام بإجراء أول عملية قلب مفتوح في سورية سنة 1971، وبذلك يُعدّ المؤسس الحقيقي لجراحة القلب في سورية.
أذكر جيداً ذلك الإنجاز العظيم الذي شعرنا فيه بالفخر والاعتزاز. كنت آنذاك طالباً في كلية الطب بجامعة حلب حين سمعنا ذلك الخبر. كما أذكر احتفالنا به في المؤتمر السنوي للرابطة السورية لأمراض وجراحة القلب سنة 1996 بمناسبة مرور ربع قرن على ذلك الإنجاز الكبير.
أسس الدكتور سامي القباني المركز الوطني لجراحة القلب في جامعة دمشق، وخلال إدارته للمركز استطاع أن يطوره ويزيد إمكانياته الفنية والبشرية حتى أصبح من أهم مراكز جراحة القلب في الوطن العربي.
تدربَ تحت إشرافه كثير من جراحي القلب والممرضات والفنيين في سورية. وظلّ مركز جراحة القلب بجامعة دمشق فترة طويلة المركز الوحيد الذي يقدم خدمات التشخيص والعلاج لمرضى القلب في سورية، وقام فيه بإجراء كثير من العمليات الجراحية وعلاج كثير من مرضى القلب، كما وضع القواعد الأساسية التي اعتمدت عليها جميع المراكز الأخرى التي أُنشئت في الخدمات الطبية العسكرية ووزارة الصحة والمستشفيات الخاصة. وعندما بدأنا بتأسيس جراحة القلب المفتوح في حلب سعدنا بالمساعدة الكريمة التي قدمها لنا الدكتور سامي القباني من خلال تدريب بعض العناصر في المركز الوطني بدمشق على مسؤوليته الخاصة متجاوزاً جميع العقبات الروتينية. وقد حصل الدكتور سامي القباني على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى تقديراً لإنجازاته العظيمة في الطب.
ربما لا يعرف بعض الأطباء سوى ذلك الجانب العلمي الصارم والالتزام المهني التام للدكتور سامي القباني، فبالإضافة إلى كثير من المقالات العلمية والأبحاث التي نشرها في المجلات العلمية العالمية، كانت له إنجازاته الأدبية التي نشرها بشكل مقالات وكتب راقية، وقد عرفتُ أنه كان يعمل على تأليف كتاب حول الإنجازات العلمية الطبية العربية والإسلامية قبل أن يحل قضاء الله وقدره المحتوم.
عندما أسعدتني الظروف بالتعرف عن قرب أكثر إلى الدكتور سامي القباني تأثرتُ بالجانب الإنساني النبيل في شخصيته الراقية، كما سعدتُ أيضاً بالتعرف إلى زوجته الأميركية سالي التي بهرتني بلطفها وكريم أخلاقها وإسلامها الواعي ورعايتها المحبة لزوجها وأولادها. كما سعدتُ بالتعرف إلى ابنه نادر، الدكتور في الاقتصاد، وابنه لؤي، الدكتور في جراحة القلب والأوعية، وسررتُ بأن تلك الشجرة الدمشقية الباسقة ما زالت تعطي ثمارها الرائعة. لم تسعدني ظروف الحياة بالتعرف إلى ابنته السيدة ندى القباني ولكنني كنت أرى في عينيه مدى محبته وتقديره لها.
قضت الظروف والمقادير القاسية التي حلّتْ ببلدنا العزيز أن يضطر الدكتور سامي القباني للسفر كثيراً خلال السنوات الفائتة، وتنقَّل لزيارة أولاده في أميركا ولبنان وقطر، ولكن لطف القضاء قضى أن يتوفاه الله إلى جواره في البلد الذي أحبه، وأن يدفن في دمشق أعز البلاد على قلبه. رحم الله أستاذنا الدكتور سامي القباني، الإنسان النبيل والمربي القدير، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسكينة والرضى بقضائه.