دائما كان طلب خدمات المساعدة النفسية والصحة العقلية مرتبطاً بالوصمة، ورغم أن الأجيال الشابة أصبحت أكثر قبولا لفكرة العلاج النفسي؛ إلا أن نظامنا الصحي ما زال لا يعتبر خدمات الصحة النفسية والعقلية رعاية أساسية أو مهمة أو وقائية. ورغم احتياجنا لهذه الخدمات فقد نتصور أنه يكفينا أن نتحدث للأصدقاء أو أحد أفراد العائلة، أو حتى نشارك ما نشعر به على وسائل التواصل الاجتماعي.. فهل تصلح هذه الوسائل كبديل لطلب المشورة المتخصصة؟ وما المزايا التي تتوافر في العلاج النفسي ولا يمكن أن يوفرها الأصدقاء؟
* أسباب هامة تدفعك للتحدث إلى المعالج، بدلا من الأصدقاء والعائلة
1. المعالجون لن يحكموا عليكم
واحد من أكبر امتيازات وجود معالج هو أنه يمكنك التحدث معه عن أي شيء حرفيا دون الحاجة إلى تصفية نفسك خوفا من الحكم عليهم؛ فعدم الحكم في الأساس هو أحد المتطلبات الأساسية لهذا العمل، أما الأصدقاء وأفراد العائلة فلم يحصلوا على التدريب المكثف الذي يمكنهم من تحجيم حكمهم مهما كان ما مررت به.
2. المعالجون لا يعملون من خلال أجندتهم الخاصة
المعالج هو طرف ثالث غير متحيز، مهمته أن يكون موجودًا لتقديم أفضل توجيه ممكن لك أنت وحدك، والمشكلة مع الأصدقاء هي أنهم يهتمون بك وبعلاقتهم معك، لذا فهم يتفقون معك في أغلب الأحيان لجعلك تشعر بالتحسن، ومن ناحية أخرى، تميل الأسرة إلى تقديم النصح لك بطرق هدفها حمايتك وتقليل المخاطر، أو لكي تناسب معتقداتهم حول الأخلاق، وكيف يعتقدون أن الحياة يجب أن تعاش.
هذه هي أفضل السيناريوهات، والأسوأ من ذلك أن صديقك أو أحد أفراد عائلتك قد يرغب بالفعل في السيطرة عليك أو إبقائك في حالة مرضية لمصلحته.
أما مع المعالج، فإنك تكون مع شخص محايد وليس لديه علاقات تربطك به، بحيث يمكن أن يكون معك صادقًا وموضوعيًا تمامًا.
3. المعالجون مطالبون بالحفاظ على أسرارك
عندما تختار أن تستعين بأصدقائك، فلا توجد أي ضمانة أنهم لن يخرجوا أسرارك، أما مع المعالج، فلا داعي للقلق من أن شيئاً قلته سراً سوف يتحول إلى نميمة أو يتكرر إلى الشخص الخطأ.
4. المعالجون لديهم سنوات من التدريب لمساعدتك على معالجة المشكلة
في حين أن صديقك قد يكون قد درس كورس علم نفسه، إلا أنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لمساعدتك، وحتى لو فعل فإنه سيكون متحيزاً، نعم يمكن لأصدقائك وعائلتك الاستماع وتقديم الدعم، ولكن الطبيب والمعالج يحصل على تدريب يمكنه من فهم سلوكياتك النفسية، وما وراءها من أسباب، والأهم من ذلك، أن المعالج يمكنه أن يوفر لك أيضا استراتيجيات مواجهة صحية، حتى تتمكن من تغيير سلوكياتك، وحتى تتجاوز الأفكار المختلة أو المشاعر الصعبة.
5. مع المعالج، لا يجب أن تشعر بالذنب تجاه الشعور بـ "المحتاجين"
يمكن لأي علاقة أن تتحول إلى علاقة مسممة إذا شعر أحد الأشخاص وكأنه "يستخدم" باستمرار للحصول على الدعم، ولكنه لا يحصل على دعم في المقابل، وهذا الأمر يختلف تماما مع المعالج، فالعلاقة مع المعالج ليست شارعًا ذا اتجاهين، والمعالج لا يتوقع أي شيء من العملاء، باستثناء حضور الجلسات فقط، وهذا غير متاح في أي علاقة أخرى في الحياة، فدائما هناك شيء في المقابل.
6. المعالج لن يقلل أو يستهين بمشاكلك
لا يوجد شيء أسوأ من أن تعايش تجربة مؤلمة، ويتم إخبارك من قبل صديق أو أحد أفراد العائلة أنه يجب عليك "تجاوزها الآن"، والحقيقة هي أن الجميع يختبر ويدير أحداث الحياة بشكل مختلف، وفي هذا السياق فإن المعالج أقدر على فهم أن كل شخص له جدوله الخاص عندما يتعلق الأمر بالتجاوز، أو الاستقرار في وظيفة جديدة، أو معالجة أي عقبة أخرى.
وعندما يتعلق الأمر بمسائل أخرى خطيرة تتعلق بالصحة العقلية مثل الاكتئاب أو القلق - أو حتى المشكلات السريرية الفرعية مثل الشعور بالوحدة أو القلق الاجتماعي - فإن المعالج لن يقلل، ولن يعتبر أن قضاياك ليست خطيرة بما فيه الكفاية أو تستحق الاهتمام مثلما قد يفعل أصدقاؤك أو عائلتك.
7. التحدث إلى الأشخاص الخطأ قد يجعلك تشعر بالأسوأ
بعض الناس لديهم عائلات صعبة للغاية، وقد لا يكون من المأمون مشاركة ما تشعر به معهم، والبعض الآخر غير مجهز بالقدرة على سماع قصتك، وغير قادر على التعاطف معك، وكم هو مؤذٍ أن تتحدث وتشارك أشخاصا غير قادرين على الاستماع لك، أو الذين يحكمون عليك أو يهملونك.. فالحديث لهؤلاء ضرره أكبر بكثير من نفعه.
وبالطبع، فإن التحدث إلى الأصدقاء وأفراد العائلة الأقدر على فهمك قد يكون مفيداً، ولكنك أحياناً قد تحتاج للعلاج ليساعدك المعالج على معرفة أي من أصدقائك وعائلتك هو الأفضل للتحدث معه.
8. المعالج مدرب على مساعدتك على النمو
المعالج مجهز بشكل فريد لإعطائك فكرة عن تصرفاتك التي يمكن أن تساعدك على النمو بطرق قد تكون مستحيلة بمفردك، وعلى سبيل المثال، في حالة الانفصال والطلاق، يعتقد معظم الناس أن اللجوء لمعالج هو رد فعل مبالغ فيه، ولكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، ويعتبر اللجوء للمعالج في هذه الأحوال من أفضل الأشياء الصحية التي يمكنك القيام بها، فالانفصال هو أرض خصبة للنمو الشخصي، حيث يكون الشخص عاطفيًا وضعيفًا جداً، ولكن هناك الكثير من الإمكانات والفرص في هذه التجربة المؤلمة، إنها فرصة للناس أن يدركوا أشياء عن أنفسهم لم يكن في إمكانهم إدراكها لو أنهم تحدثوا ببساطة مع الأصدقاء والعائلة.
* كيف تجد المعالج المناسب لك؟
الوصول للمعالج المناسب بك يمكن أن يكون عملية تستغرق وقتا طويلا، ومع ذلك فالأمر يستحق أن تجد شخصًا يدعمك، ويمكنك أن:
- تسأل طبيب الرعاية الأولية، أو أحد الأصدقاء.
- تبحث عن قائمة الممارسين في الشبكة على موقع شركة التأمين الخاصة بك، أو تبحث على شبكة الانترنت بشكب عام، على أن تأخذ في الاعتبار التخصص الذي تريد أن تلجأ اليه، وهل هم تابعون للنظام التأميني الخاص بك أم لا، وساعات عملهم، ومكان عياداتهم، ومدى بعدها عن مقر سكنك أو عملك.
- بعد أن تضيق قائمة المعالجين اقرأ سيَرهم للحصول على انطباع شخصي، ثم اطلب مكالمة أولية، ويقدم معظمهم استشارة مجانية عبر الهاتف لمدة 15 دقيقة، واسأل نفسك عما إذا كنت تشعر بالدفء عند التحدث إلى هذا الشخص، وإذا كنت لا تشعر بالارتباط، فلا بأس.. انتقل إلى الاسم التالي في قائمتك.
- يمكنك أيضا أن تفكر في الحصول على الخدمة عبر الإنترنت.
ومن المهم أن تدرك أن العلاقة العلاجية هي الفاعل الرئيسي في العملية العلاجية، ومن ثم فمن المهم أن تختار المعالج الذي ترتاح له.