لكن هل كانت هذه الحملات على صواب في هذه الدعوات؟ وهل يتسبب فيتامين د حقا في هذه المشاكل الصحية؟ هذه هي الأسئلة التي نسعى للإجابة عنها في هذا المقال.
* لكن علينا أولا أن نتساءل: ما هو فيتامين د؟
مبدئيا لا يوجد مركب واحد يسمي فيتامين د، فما يعرف بفيتامين د هو في واقع الأمر عائلة من المركبات المهمة والضرورية لنمو الأسنان والعظام، وهناك شكلان من الفيتامين يمكن قياسهما في الدم؛ الأول يسمي هيدروكسي فيتامين د 25-hydroxyvitamin D، والثاني يعرف بثنائي هيدروكسي فيتامين د 1,25-dihydroxyvitamin D.
الأول يعتبر الشكل غير النشط، لكنه الأكثر وجودا في الدم؛ لذا فهو يستخدم بصورة أكثر شيوعا لتقييم مستوى الفيتامين من خلال التحاليل.
يمكن الحصول على الفيتامين من مصدرين:
1. الأول من خلال الجلد عن طريق التعرض لأشعة الشمس.
2. عن طريق الغذاء.
على الرغم من أن فيتامين د يتم تعريفه دوما باعتباره فيتاميناً، لكنه يعتبر اليوم نوعا خاصا مما يعرف بما قبل الهرمونات، نظرا لتصنيعه في الجلد عن طريق التعرض لأشعة الشمس.
* تحليل فيتامين د
وكما ذكرنا أصبح تحليل قياس فيتامين د وتناول جرعة منه شيئا شائعا في الممارسة الطبية حديثا، ليس فقط في الدول العربية، ولكن أيضا في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، حيث تضاعف الطلب عليه بنسبة تصل إلى 83 مرة بين عامي 2000 و2010، حتى صار التحليل هو الخامس ضمن أكثر التحاليل التي يتم طلبها في عام 2014.
لكن هناك مشكلة ترتبط بعمل هذا التحليل، حيث يتم التعرف إلى مشكلة النقص فيه من خلال قيم المعمل فقط، وليس عن طريق تقييم وجود مشاكل صحية حقيقية ترتبط بنقص الفيتامين أو تتحسن مع تناول الجرعات من الخارج. بالإضافة إلى ذلك، وطبقا للجمعية الأميركية للباثولوجيا الإكلينكية لا يؤدي عمل التحليل عادة إلى تحسن في نتائج العلاج، فالكثير من الأشخاص قد يظهر لديهم نقص في مستوى الفيتامين، لكن قلة منهم فقط لديهم معدلات منخفضة للغاية قد تؤدي إلى مشاكل صحية.
كما تتأثر قيمة هذه التحاليل بشدة باختلاف التقنيات التي تستخدم في قياسها وكذلك بدقة القياس. يمكن القول إنه إذا كانت قيمة التحليل أقل من 12 ng /ml فهذا يعني أن الشخص الذي قام بالتحليل يعاني من نقص كبير في الفيتامين من شأنه أن يؤثر على صحة العظام، أما إذا كانت قيمة التحليل أكثر من 20 ng /mL فهي كافية في حوالي 97.5% من البشر.
* هل من فوائد صحية لتحليل وتناول مكملات فيتامين د؟
ترى الجمعية أن أغلب الأشخاص لا يحتاجون بالفعل إلي عمل التحليل، لكن إلى القيام بتغييرات بسيطة في نمط الحياة من أجل الحصول على قدر كاف من الفيتامين، وهذه التغييرات تتمثل في التعرض للشمس للحصول على قدر كاف من الفيتامين، وتناوله في الغذاء.
أما الجمعية الأميركية لطب الأسرة فيؤكد الأطباء فيها أن التجارب السريرية لم تثبت فائدة صحية للقيام بقياس مستوى الفيتامين والحصول على جرعة مكملة منه من الخارج، ولا توجد أدلة علمية على أن الحصول على مكملات فيتامين د يمكن أن يطيل العمر، أو أن يقلل من خطر الإصابة بالسرطان أو أمراض القلب. كما أن مسح الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل صحية تتطلب قيامهم بهذا التحليل وإعطاؤهم علاجا إذا أظهرت التحاليل نقصا فيه لا يقلل أيضا من خطر السرطان أو النوع الثاني من السكري، أو حتى احتمالات الكسور في الأشخاص الذين لا يوجد لديهم احتمال كبير للإصابة بها.
أما بالنسبة للتجارب ثنائية التعمية التي أجريت باستخدام فيتامين د لعلاج الاكتئاب، والإرهاق، والتهابات العظام والمفاصل وكذلك الألم المزمن لم تثبت فائدة لهذا الاستخدام.
حتى إذا كان لديك خطر للإصابة بأمراض أخرى مثل السكري أو أمراض القلب، فتحليل فيتامين د قد لا يكون مفيدا، ولن يغير من نصيحة الطبيب لك شيئا، فالتعامل مع هذا الخطر يتم أيضا من خلال تغييرات في نمط الحياة من خلال الامتناع عن التدخين والحفاظ على الوزن الصحي وممارسة الرياضة.
* لماذا حدث هذا الاهتمام من قبل الأطباء والعامة؟
هناك عدة أسباب لذلك؛ ففيتامين د هو ببساطة فيتامين يحتاج إليه الجسم، وبالنسبة للكثير من الناس تبدو العلاقة بين فيتامين د ومشاكل الصحة علاقة منطقية، فهم يقضون معظم أوقاتهم داخل الغرف المغلقة دون التعرض للشمس، وينصحهم الأطباء أحيانا بعدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة لأنها قد تؤدي إلى حدوث سرطان الجلد، وبالتالي يربطون بين النقص الناتج عن هذه المشكلة وبين العديد من المشاكل الصحية. لكن هذا الاعتقاد ليس وهميا تماما.
في فترة سابقة كانت الدراسات والأبحاث تشير إلى آثار إيجابية بالفعل لتناول فيتامين د كمكمل غذائي، وأن هناك ارتباطا بين انخفاض مستواه وبين بعض الحالات المرضية مثل أمراض القلب، وهو الدليل الذي يتبعه بعض الأطباء حتى اليوم، لكن الدراسات التالية الأكثر دقة نفت ثبوت هذه العلاقة.
هناك سبب آخر، وهو المستوى الذي يجب اعتباره منخفضا للفيتامين، فكما ذكرنا لا يعد مستوى الفيتامين بين 20 و30 ng/ mL قليلا، ذلك أن 97.5% من الأشخاص يمكنهم الحياة بشكل طبيعي بمستويات أعلى من 20 ng / mL. لكن بعض الأطباء قد يعتبر هذا المستوى منخفضاً ويعطي العلاج على هذا الأساس.
* ما المشكلة إذا كنت أريد أن أحصل على التحليل لأطمئن على نفسي؟
القيام بتحليل غير مطلوب عادة ما يؤدي إلى الحصول على علاج غير مطلوب ومكلف كذلك، وقد يكون هذا العلاج ضارا في بعض الأحيان، فالحصول على جرعات زائدة من فيتامين د قد تتسبب في ضرر للكلى وارتفاع مستوى الكالسيوم وتكلس الأوعية الدموية.
* متى إذاً يجب أن أقوم بالتحليل؟
تحدث مع طبيبك المعالج؛ فإذا رأى الطبيب أن عليك أن تجري التحليل، فاسأله عن احتمالات الخطورة لديك، وكذلك عن التحليل الأكثر فائدة بالنسبة لك، حيث سيستخدم هذا التحليل في المتابعة فيما بعد.
هناك بعض الحالات التي تتطلب القيام بهذا التحليل وهي تشمل التالي:
1. إذا كان لديك هشاشة في العظام
هذا المرض يجعل عظامك أضعف، واحتمالات الكسر فيها أكبر.
2. إذا كان لديك مرض يمنع جسمك من الاستفادة بفيتامين د
هذه الأمراض عادة ما تؤثر على الجهاز الهضمي على المدى الطويل، وهي تشمل مرض التهاب الأمعاء Inflammatory bowel disease، مرض سيلياك Celiac disease، أمراض الكلي وكذلك الكبد والبنكرياس.
بناء على هذه المعلومات، ربما يجب إجراء مراجعة وتقييم للدور الذي يمكن أن يلعبه فيتامين د في الصحة العامة، وكذلك مراجعة الحملات الداعية إلى قياس نسبة الفيتامين من أجل تجنب دواء مكلف قد لا يكون له الفائدة المرجوة.
المصادر:
Vitamin D Tests
Vitamin D Tests
Vitamin D Screening and Supplementation in Primary Care: Time to Curb Our Enthusiasm
Vitamin D Screening and Supplementation in Community-Dwelling Adults: Common Questions and Answers