الفيتامين د ضروري ليس فقط لصحة العظام ولكن أيضًا للوظيفة المناعية الطبيعية، وقد يرتبط نقص الفيتامين د في عمر صغير بزيادة خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية فيما بعد، ولكن الآليات الكامنة وراء هذا الارتباط غير مفهومة جيدًا. وقد أظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science Advances أن تعطيل إنزيم رئيسي يشارك في تحويل الفيتامين د إلى شكله النشط بيولوجيًا يمكن أن يؤثر سلبًا على نمو الخلايا المناعية التائية. وينتج عن ذلك إنتاج مفرط للخلايا التائية التي يمكن أن تهاجم أنسجة الجسم، وهي ظاهرة تعرف باسم التفاعل الذاتي.
كما أظهرت هذه الدراسة التي أجريت على نموذج من الفئران أن هذه الزيادة في الخلايا التائية ذاتية التفاعل تتوسطها الآثار الضارة لنقص الفيتامين د على الخلايا في الغدة الزعترية (أو الصعترية)، وهو العضو المتخصص الذي يؤثر على نضوج الخلايا التائية وقدرتها على التمييز بين الخلايا السليمة والمصابة أو الغريبة.
ما الدور الذي تلعبه الخلايا التائية في تنظيم الجهاز المناعي؟
بالإضافة إلى دوره في صحة العظام، يعمل الفيتامين د أيضًا على تعديل وظيفة الجهاز المناعي. على سبيل المثال، تشير البيانات القائمة على الملاحظة إلى وجود صلة بين نقص الفيتامين د وارتفاع خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي تنطوي على إنتاج استجابة مناعية ضد أنسجة الجسم نفسه. وتلعب الخلايا التائية، وهي نوع متخصص من خلايا الدم البيضاء، دوراً حاسماً في تنظيم هذه الاستجابة المناعية الذاتية. وتشارك الخلايا التائية في تسهيل الاستجابة المناعية ضد الميكروبات والقضاء على الخلايا التي قد تكون مصابة بالسرطان.
وتعتمد هذه الوظائف للخلايا التائية على قدرتها على تمييز بروتينات الجسم، المعروفة باسم البروتينات الذاتية أو المستضدات الذاتية، عن البروتينات الغريبة. وتُعرف قدرة الخلايا التائية على التعرف على المستضدات الذاتية وتجنب الاستجابة ضد أنسجة الجسم نفسها باسم تحمّل الخلايا التائية.
ينشأ تحمّل الخلايا التائية أثناء نضوج الخلايا التائية من الخلايا الجذعية المشتقة من نخاع العظم في الغدة الصعترية، وهي غدة تقع في منطقة الصدر العليا من الأمام. وعلى وجه التحديد، يتضمن تحمّل الخلايا التائية اختيار سلائف الخلايا التائية التي تنتج رد فعل قوي ضد البروتينات الغريبة ولكن ليس ضد المستضدات الذاتية.
خلال المراحل المبكرة من تطور الخلايا التائية، يحدث الانتقاء الإيجابي لسلائف الخلايا التائية القادرة على إنتاج تفاعل قوي ضد المستضدات الغريبة في الجزء الخارجي من الغدة الصعترية الذي يُسمى القشرة. وتحدث المراحل اللاحقة من تطور الخلايا التائية في المنطقة الوسطى من الغدة الصعترية التي تسمى النخاع. ويتم التخلص من الخلايا التائية التي تنتج استجابة لأنسجة الجسم السليمة في نخاع الغدة الصعترية بعملية تسمى الانتقاء السلبي.
كيف يؤثر نقص الفيتامين د في عمر صغير على وظيفة الخلايا التائية؟
تعبّر مجموعات فرعية من الخلايا في النخاع عن جزء بسيط من الجينات الموجودة في الجينوم البشري، والتي تعبّر مجتمعة عن معظم الجينات في المادة الوراثية. ويسمح التعبير عن كامل ذخيرة البروتينات الذاتية تقريباً في الغدة الصعترية بتطوير تحمّل الخلايا التائية لجميع أنسجة الجسم.
ويتم التعبير عن مستقبلات الشكل النشط للفيتامين د في الغدة الصعترية، ويرتبط نقص الفيتامين د بانخفاض حجم الغدة الصعترية. والجدير بالذكر أن العمل السابق للمؤلفين أظهر أن الفيتامين د يمكن أن يعزز التعبير عن جين منظم المناعة الذاتية Aire، وبالتالي فهو أمر بالغ الأهمية لتطوير تحمل الخلايا التائية ومنع الاستجابة المناعية الذاتية، ويكتمل نمو مجموعة الخلايا التائية في الغدة الصعترية أثناء حياة الفرد بحلول سن البلوغ.
ويشير هذا، إلى جانب التأثير الأقوى للفيتامين د على وظيفة المناعة في الحياة المبكرة، إلى أن الفيتامين د يمكن أن يؤثر على نمو الخلايا التائية في الغدة الصعترية خلال الحياة المبكرة للتأثير على نشوء تحمّل الخلايا التائية.
ما هو الرابط بين نقص الفيتامين د في عمر صغير وأمراض المناعة الذاتية؟
في هذه الدراسة، فحص الباحثون المسارات التي يحتمل أن يعدل من خلالها الفيتامين د وظيفة الخلايا التائية في الحياة المبكرة، وبالتالي خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. إذ يتم تحويل الفيتامين د إلى شكله النشط بيولوجيًا في الجسم بواسطة إنزيم Cyp27b1.
ولفهم تأثير الفيتامين د على وظيفة المناعة، استخدم الباحثون نموذجًا لفئران معدلة وراثيًا لتحمل طفرة في نسختي الجين الذي ينظم صنع الإنزيم Cyp27b1، مما أدى إلى عدم القدرة على إنتاج الشكل النشط من الفيتامين د. وأظهرت هذه الفئران التي لا تحتوي على الفيتامين د النشط بيولوجيًا انخفاضًا في حجم الغدة الصعترية وانخفاضًا في عدد الخلايا التائية في الدم، مما يدل على شيخوخة أسرع للغدة الصعترية. كما كان لدى هذه الفئران أيضًا جزء أقل من الخلايا في النخاع التي تعبّر عن جين منظم المناعة الذاتية مقارنة بفئران التحكم من النوع البري الطبيعي.
وعلاوة على ذلك، كان هناك انخفاض في عدد الخلايا النخاعية في الغدة الصعترية التي تقدم المستضدات الذاتية للخلايا التائية النامية.
وقد أظهرت دراسة سابقة أن عدد الخلايا النخاعية التي تقدم مستضدات ذاتية معينة يرتبط بمدى تحمل الخلايا التائية لهذا المستضد، وقد ترافقت هذه التغيرات في الغدة الصعترية لدى الفئران غير القادرة على إنتاج الفيتامين د النشط بيولوجيًا مع زيادة في العلامات التي تشير إلى انخفاض تحمل الخلايا التائية، أي زيادة في الخلايا التائية التي تنتج استجابة قوية للمستضدات الذاتية في الجسم.
وأخيرًا، أظهرت هذه الفئران أيضًا زيادة في مستويات الأجسام المضادة الذاتية في أنسجة معينة، مثل الرئتين والغدد اللعابية، في أواخر مرحلة البلوغ. ومع ذلك، كانت هذه المستويات المرتفعة من الأجسام المضادة الذاتية غائبة في الأنسجة الأخرى.
هل يمكن أن يؤدي نقص الفيتامين د في عمر صغير لزيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول؟
أظهرت الفئران الأكبر سنًا، وليست الأصغر سنًا، التي لا تحتوي على الفيتامين د النشط، ضعفًا في تنظيم الجلوكوز (سكر الدم). وتلخيصًا لهذه النتائج، قال القائمون على الدراسة: ”وجدنا أن تطور تجمعات الخلايا الظهارية في نخاع الغدة الصعترية المهمة في عملية الانتقاء السلبي للخلايا التائية كان ضعيفًا في الفئران المتحولة وراثياً. وعلاوة على ذلك، لوحظ ضعف الانتقاء السلبي للخلايا التائية نفسها. وأضافوا أن ”الفئران المتحولة وراثياً والمتقدمة في العمر ظهرت عليها أيضًا علامات أمراض المناعة الذاتية، وفي بعض الحالات، مرض السكري من النوع الأول“. وقالوا: "ومن المثير للاهتمام أيضًا، وجدنا أنه في غياب الشكل النشط للفيتامين د، تسارعت شيخوخة الغدة الصعترية بشكل كبير"، مما قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
في الختام، يمكن أن يكون لنتائج الدراسة تأثيرات على فهم التدهور المرتبط بالعمر في وظيفة المناعة. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون التدخلات التي تهدف إلى استعادة إشارات الفيتامين د استراتيجية محتملة للوقاية من أمراض المناعة الذاتية أو علاجها، خاصة لدى الأفراد الذين يعانون من نقص الفيتامين د في عمر صغير.