التدهور المعرفي هو تراجع تدريجي في القدرات العقلية، وهو من التحديات الصحية الشائعة التي تتزايد مخاطرها مع التقدم في السن، وتؤثر هذه الحالة على جودة الحياة، وقد تؤدي إلى الإصابة بمرض الخرف. يمكن أن يحدث التدهور المعرفي نتيجة مجموعة متنوعة من العوامل. وفي هذا السياق، كشفت دراسة فرنسية حديثة عن وجود علاقة بين فقدان السمع والتدهور المعرفي وأظهرت أن فقدان السمع يمكن أن يزيد من مخاطر الإصابة بالتدهور المعرفي لدى البالغين في منتصف العمر. نُشرت هذه الدراسة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية JAMA Network Open في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2024.
ما هو التدهور المعرفي؟
التدهور المعرفي أو التدهور الإدراكي هو مصطلح عام يشير إلى تراجع في الوظائف والقدرات العقلية التي تؤثر على الذاكرة والتفكير، والانتباه والذاكرة والتركيز، والتحليل المنطقي وحل المشكلات. يمكن أن يكون هذا التدهور بسيطًا أو شديدًا لدرجة تؤثر على جودة حياة الشخص، وكذلك في قدرته على أداء مهامه وأنشطته اليومية. ويعد التدهور المعرفي أمرًا شائعًا مع تقدم العمر، لكنه قد يظهر في أعمار أصغر نتيجة لأسباب وعوامل مختلفة، بعضها قابل للتعديل والبعض الآخر غير قابل للتعديل، بما في ذلك الشيخوخة والأمراض المزمنة والأمراض العصبية.
فقدان السمع والتدهور المعرفي.. تهديد لصحة الدماغ
في السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام العلمي بفهم تأثير فقدان السمع على صحة الدماغ، لا سيما في ظل تزايد حالات الإصابة بالتدهور المعرفي والخرف مع التقدم في العمر. وفي هذا السياق، أجرى باحثون فرنسيون دراسة لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقة بين فقدان السمع والتدهور المعرفي لدى البالغين في منتصف العمر، وكشفوا عن وجود علاقة فعلًا بين فقدان السمع ومرض الخرف.
وأشار الباحثون إلى أنه نظرًا للعبء الكبير الذي يمثله التدهور المعرفي وعدم توفر علاجات فعّالة له، فإن تحديد العوامل المرتبطة به القابلة للتعديل أمر في غاية الأهمية. وأوضحوا أن المهارات الفكرية قد تتراجع لدى الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع، ليس فقط بسبب العزلة الاجتماعية التي قد يعانون منها، ولكن أيضًا بسبب قضائهم لفترات طويلة دون مُدخلات سمعية. وبالإضافة إلى ذلك، أشاروا إلى أن فقدان السمع مرتبط بتقلص حجم مناطق حيوية في الدماغ.
دراسة تكشف عن العلاقة بين فقدان السمع والتدهور المعرفي لدى البالغين
لدراسة العلاقة بين فقدان السمع والتدهور المعرفي قام الباحثون بتحليل بيانات تم جمعها من أكثر من 62000 شخص في فرنسا خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 2012 إلى كانون الأول/ديسمبر 2020 بمتوسط عمر للمشاركين بلغ 57 عامًا، وقد خضع المشاركون الذين تبلغ أعمارهم 45 عامًا فأكثر لاختبارات إدراكية في بداية الدراسة.
ووجدت النتائج أن 49% من المشاركين كانوا يتمتعون بسمع طبيعي، بينما كان يعاني 38% منهم من فقدان سمع خفيف، وكان 10% منهم يعانون من فقدان سمع شديد لكنهم لا يستخدمون أجهزة السمع، في حين أن 3% من المشاركين كانوا يرتدون أجهزة السمع.
أجرى جميع المشاركين اختبارات للسمع والإدراك، وأظهرت النتائج أن 27% من المشاركين الذين يعانون من فقدان سمع خفيف و37% ممن يعانون من فقدان سمع شديد كانت لديهم درجات إدراكية تشير إلى أنهم يعانون من ضعف في الإدراك، وذلك بالمقارنة مع الأشخاص الذين يتمتعون بسمع طبيعي والذين بلغت نسبتهم 16%.
فقدان السمع والتدهور المعرفي.. هل يمكن أن تساهم أجهزة السمع في الحد من التدهور المعرفي؟
لم يجد الباحثون فرقًا جوهريًا في مخاطر التدهور المعرفي لدى الأشخاص الذين يعانون من فقدان سمع شديد، سواء كانوا يرتدون أجهزة سمع أم لا يرتدونها. كما أظهرت تحليلات أخرى أن أجهزة السمع قد تساعد في تقليل خطر التدهور المعرفي لدى الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع الشديد بالإضافة إلى الاكتئاب.
وأوضح الباحثون أن المساعدات السمعية أو أجهزة السمع ينبغي أن تُوصَف للأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع الشديد بناءً على فوائدها المحتملة لتحسين جودة حياتهم، وليس بالضرورة للتخفيف من التدهور المعرفي. وبالرغم من أن استخدام أجهزة السمع قد يساهم في تحسين نوعية حياة الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع، فإن دورها في الحد من التدهور المعرفي ما يزال موضوعًا للبحث، ما يفتح آفاقًا جديدة لإجراء المزيد من الدراسات المستقبلية في هذا المجال.