الوحدة هي مشكلة متزايدة يعاني منها كثير من الأشخاص في مراحل مختلفة من الحياة، وتؤثر بشكل مباشر على حياتهم وصحتهم النفسية والجسدية. يمكن أن تكون الوحدة تجربة مؤقتة أو حالة دائمة، وقد تنشأ نتيجة لعوامل اجتماعية أو نفسية عديدة، بما في ذلك العزلة الاجتماعية، أو فقدان علاقات مهمة، أو حتى بسبب ظروف شخصية. أشارت عدة دراسات إلى أن العلاقات الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الصحة العقلية والجسدية، وقد كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة مقلقة بين الشعور بالوحدة وصحة الدماغ ، وأظهرت أن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة هم أكثر عرضة للإصابة بأنواع مختلفة من الخرَف وغيرها من الأمراض العصبية التنكسية، مثل الخرَف الوعائي، وألزهايمر، والضعف الإدراكي.
علاقة مثيرة للقلق بين الشعور بالوحدة وصحة الدماغ
التأثيرات السلبية للشعور بالوحدة على الصحة البدنية والنفسية معروفة بالفعل، ففي عام 2023، أصدر الدكتور فيفيك مورثي، الباحث والجراح العام الأمريكي، تقريرًا حول الشعور بالوحدة والعزلة في الولايات المتحدة، ووصفه بأنه وباء يؤثر على الصحة العامة.
وفي دراسة حديثة عن العلاقة بين الشعور بالوحدة وصحة الدماغ وجد الباحثون أن الشعور المستمر بالوحدة يؤثر سلبًا على صحة الدماغ ويزيد بشكل ملحوظ من مخاطر الإصابة بمرض الخرف بنسبة 31%. أُجريت هذه الدراسة بقيادة الدكتورة مارتينا لوتشيتي من كلية الطب في جامعة ولاية فلوريدا في تالاهاسي، ونُشرت نتائجها في مجلة نيتشر للصحة العقلية "Nature Mental Health" في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2024.
شملت الدراسة تحليل بيانات لأكثر من 600000 شخص من جميع أنحاء العالم، وقد تابعت تقارير ذاتية عن الشعور بالوحدة وصحة الجهاز العصبي، وكشفت النتائج أن الشعور بالوحدة مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأي نوع من أنواع الخرَف بنسبة 31%، ومرتبط أيضًا بزيادة مخاطر الإصابة بالضعف الإدراكي بنسبة 15%.
الشعور بالوحدة وصحة الدماغ والخرف وأمراض عصبية تنكسية أخرى
وصف الدكتور باريك أو سويلهفان، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة ومدير مختبر الشخصية والاختلافات الفردية والصحة السلوكية الحيوية في جامعة ليمريك في أيرلندا، هذه الدراسة بأنها ذات أهمية كبيرة، وسيكون لها تأثير بعيد المدى. وأكد على أن نتائجها مهمة جدًا، وتشير إلى أن الشعور بالوحدة هو عامل خطر بالغ الأهمية يمكن أن يؤدي إلى تطور مرض الخرف في المستقبل.
كما أشار إلى أن الشعور بالوحدة يؤثر بشكل كبير على الصحة في المستقبل بطرق مختلفة، بما في ذلك تأثيره على طول العمر، أي المدة التي يعيشها الشخص. وأوضح قائلاً: "تعتبر الوحدة عاملًا بالغ الأهمية لصحة الدماغ الإدراكية، فالشعور بالوحدة يؤدي في المستقبل إلى تطور الخرف، والخرف الوعائي، ومرض ألزهايمر، بالإضافة إلى ضعف الإدراك بشكل عام".
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة لوتشيتي أن هناك أنواعًا ومصادر مختلفة للوحدة التي يمكن أن تؤثر على الأعراض الإدراكية في مختلف مراحل الخرف. وفي بيان صحفي لجامعة ليمريك الإيرلندية، أشارت إلى جانب إيجابي من نتائج الدراسة، هو أن الشعور بالوحدة هو عامل خطر يمكن التحكم فيه وتغييره، وخلصت إلى أن معالجة الوحدة من خلال تعزيز الشعور بالانتماء يمكن أن تكون وسيلة مهمة لوقاية الصحة الإدراكية في مراحل العمر المتقدمة.
علامات الشعور بالوحدة
الشعور بالوحدة هو حالة نفسية شائعة يمكن أن تؤثر على أي شخص في أي مرحلة من حياته. وتوصَف الوحدة بأنها ألم نفسي، وتختلف أعراضها وشدتها من شخص لآخر حسب سببها والظروف الشخصية، ومن العلامات الشائعة التي تدل على الشعور بالوحدة ما يلي:
- الشعور بالعزلة.
- عدم الشعور بالتواصل مع الآخرين.
- الشعور بالتوتر بشأن الذهاب إلى المناسبات الاجتماعية أو تجنبها.
- تغير الروتين اليومي، مثل التوقف عن الطهي، أو عدم الاهتمام بالمظهر الخارجي، أو الاستيقاظ مبكرًا.
- وجود صعوبة في النوم أو في الاستمرار في النوم.
هل الشعور بالوحدة مرض نفسي؟
الشعور بالوحدة ليست مرضًا نفسيًا، ومع ذلك، فإن الآثار الناتجة عن الوحدة والعزلة الاجتماعية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص، خاصة إذا كان يعاني من مرض نفسي. يمكن أن تؤثر الوحدة على جودة نومك وتقديرك لذاتك، كما قد تمنعك من مشاركة مشاعرك مع الآخرين، وتمنعك من الحصول على الدعم الذي تحتاجه.