كرة القدم هي الرياضة الجماعية الأكثر شعبيةً وانتشارًا على مستوى العالم، ويمكن أن تؤدي ممارستها بشكل منتظم إلى تحسين وظائف القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي وتطوير المهارات الحركية. ورغم فوائدها الصحية المتعددة، تحتوي هذه الرياضة على مخاطر صحية نظرًا لشدة التنافس والاحتكاك الجسدي بين اللاعبين، مما قد يؤدي إلى تعرضهم إلى إصابات تتراوح شدتها من البسيطة إلى الخطيرة التي قد تتسبب ابتعادهم عن الملاعب لفترات طويلة، ومنها الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم.
الإصابات والضربات الرأسية بين لاعبي كرة القدم
تعتبر إصابات الرأس خلال المباريات أو التدريبات الناتجة عن التصادمات المباشرة والضربات المتكررة بالرأس أثناء توجيه الكرة مشكلة صحية شائعة بين اللاعبين، وفي السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام العلماء ومخاوفهم حول تأثير الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم على صحة دماغ اللاعبين المحترفين على المدى البعيد.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسات سابقة أن الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم قد تهدد صحة اللاعبين العقلية بعد سنوات من اعتزالهم، كما قد تزيد من خطر إصابتهم بالعديد من الأمراض العصبية التنكسية. وأشارت مقالة بحثية نُشرت مؤخرًا إلى أن زيادة عدد الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم قد تؤدي إلى زيادة معدلات إصابة اللاعبين المحترفين بالأمراض العصبية التنكسية فيما بعد، فما الذي كشفته هذه المقالة حول مخاطر الإصابات والضربات الرأسية المتكررة على صحة دماغ اللاعبين المحترفين على المدى الطويل؟
ظاهرة متزايدة قد تهدد صحة دماغ اللاعبين
نشرت مجلة لانسيت لطب الأعصاب (The Lancet Neurology) مقالًا بحثيًا يُقيِّم عدد الضربات على الرأس وتكرارها خلال أربع بطولات لكأس العالم من خلال مراجعة وتحليل 120 مقطع فيديو لمباريات أُجريت على مدار الخمسين عامًا الماضية، شملت كأس العالم 1974 في ألمانيا، وكأس العالم 1990 في إيطاليا، وكأس العالم 2006 في ألمانيا، وكأس العالم 2022 في قطر.
وأظهرت الدراسة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد ضربات الرأس خلال هذه السنوات، فقد تم تسجيل 4478 ضربة في عامي 1974 و1990 بينما تم تسجيل 5355 ضربة في عامي 2006 و2022. كما شهدت المباريات أيضًا ارتفاعًا في عدد التصادمات المباشرة بين اللاعبين، بما في ذلك الضرب بالمرفق على الرأس، بالإضافة إلى زيادة في عدد الضربات المتكررة بالرأس أثناء توجيه الكرة أو ما تسمى بالرأسيات.
كما أظهرت أن 33% من التصادمات بين اللاعبين تطلبت تدخلاً طبيًا في الملعب، وفي خمس مرات، تم تبديل اللاعبين وإخراجهم من الملعب بسبب إصاباتهم، وكانت جميع هذه الحالات في عامي 2006 و2022. ويرجع ذلك إلى تطور أسلوب لعب كرة القدم على مدى العقود الخمسة الماضية، مما زاد من العدوانية والقوة البدنية والمنافسة بين اللاعبين، وهناك تفكير جدي بمنع اللاعبين من ضرب الكرة بالرأس خارج منطقة الجزاء.
الضربات الرأسية قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض تنكسية عصبية
في السنوات الأخيرة، ازدادت مخاوف العلماء بشأن تأثير الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم على صحة دماغ اللاعبين المحترفين على المدى البعيد. ولذلك، أجرت دراسات وبائية سابقة تقييمًا للاعبي كرة القدم المحترفين الذين مارسوا اللعبة في الفترة بين الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي، وأصيبوا لاحقًا بأمراض تنكسية عصبية بعد سنوات من اعتزالهم.
وأظهرت النتائج أن هناك ارتفاعًا في معدلات الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية لدى لاعبي كرة القدم المحترفين، بما في ذلك ألزهايمر، والشلل الرعاش (داء باركنسون)، والتصلب الجانبي الضموري (ALS)، واضطراب حركة العين السريعة (REM). ويُرجِّح الباحثون أن هذه المشكلات العصبية قد تكون ناتجة عن تعرض هؤلاء اللاعبين لضربات متكررة على الرأس خلال المباريات والتدريبات.
الإصابات والضربات الرأسية في كرة القدم قد ترفع معدلات الإصابة بالأمراض العصبية التنكسية
بناءً على نتائج الدراسات، يشير العدد المرتفع لإصابات الرأس التي رُصدت في الدراسة الأخيرة إلى أن معدل الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية لدى لاعبي كرة القدم المحترفين قد يرتفع في السنوات المقبلة. وفي هذا السياق، يخطط الباحثون لمتابعة لاعبي كرة القدم ولاعبي رياضة الركبي المخضرمين للكشف عن علامات ظهور الأمراض العصبية التنكسية الكامنة.
وتشير التقديرات إلى أن لاعبي كرة القدم المحترفين يقومون بتوجيه الكرة وضربها بالرأس (الرأسيات) حوالي 2000 مرة خلال عشرين عامًا في مسيرتهم المهنية. كما أن هناك احتمالًا يصل إلى 50% لتعرض اللاعب للإصابة بارتجاج في الدماغ خلال عشر سنوات من اللعب بسبب ضربة رأس واحدة شديدة. لذلك، اقترح الباحثون بعض الحلول الممكنة للتقليل من هذه المخاطر، بما في ذلك اتخاذ تدابير وقائية، مثل برامج التوعية، وتعديل قواعد اللعبة، وارتداء معدات حماية الرأس.