ما هو الهضم وكيف تتم هذه العملية داخل جسم الإنسان؟

تحتاج جميع الكائنات الحية إلى تناول مواد مغذية من بيئتها التي تعيش فيها لكي تحصل من الطعام على الطاقة وعلى المواد اللازمة للقيام بنشاطاتها الحيوية المختلفة، مثل الحركة والنمو والتكاثر... يأكل الإنسان أنواعًا كثيرة من الطعام التي قد تشمل الفواكه والخضراوات واللحوم والحليب والألبان والبذور والبهارات... فكيف تتحول هذه الأطعمة في أجسامنا إلى مواد نستطيع الاستفادة منها؟ بمعنى كيف تتم عملية الهضم داخل جسم الإنسان؟

كيف تتم عملية الهضم داخل جسم الإنسان؟

تقوم أجسامنا بتحويل المواد المختلفة الموجودة في الطعام إلى مواد بسيطة نستطيع امتصاصها والاستفادة منها من خلال عملية هضم الطعام التي يقوم بها جهازنا الهضمي. إذ إن أجسامنا لا تستطيع امتصاص اللحوم والفواكه والخضراوات كما هي في شكلها الطبيعي، ولا بد من مضغها وتحويلها إلى مزيج لزج، ومن ثم تفكيكها وتحليلها كيميائيًّا إلى مكونات بسيطة يمكن أن يتم امتصاصها في الأمعاء. فكيف يتم هضم وتفكيك وتحليل الأطعمة في جهازنا الهضمي؟

مم يتألف الجهاز الهضمي عند الإنسان؟

يمكن اعتبار أن الجهاز الهضمي عند الإنسان ما هو إلا أنبوب لين طويل جدًّا، قد يبلغ طوله الإجمالي أكثر من عشرة أمتار، يبدأ أنبوب الهضم في الفم، وينتهي في فتحة الشرج. أنبوب الهضم مجهَّز في أجسامنا بكل ما تحتاج إليه عملية هضم الطعام للقيام بتقطيع ومزج وتحليل الأطعمة المختلفة في شكلها الطبيعي الخام، وإضافة الماء ومواد هاضمة من غدد ملحقَة ومتَّصلة بهذا الأنبوب، مثل اللعاب، وعصارة المعدة، والصفراء، وعصارة البنكرياس، وعصارة الأمعاء الدقيقة ... ثم امتصاص العناصر الأساسية الموجودة في الطعام بعد تحويلها إلى أشكالها البسيطة، ثم نقلها مع الدم إلى الكبد أولًا، وإلى بقية أنحاء الجسم في الدورة الدموية.

ما هي مراحل عملية الهضم ؟

• في الفم: تبدأ عملية الهضم في الفم حيث تقوم الأسنان بتقطيع ومضغ الأطعمة ومزجها مع اللعاب الذي تفرزه الغدد اللعابية المتَّصلة بالفم. تَجري في الفم أول التفاعلات الكيميائية التي تبدأ بتفكيك وتحليل بعض النشويات والسكريات والدهون عن طريق إنزيمات (خمائر) موجودة في اللعاب، مثل الأميلاز التي تفكك النشويات، واللايباز التي تفكك الدهنيات. كما يتم امتصاص بعض السكريات البسيطة والماء والكحول إلى الدم مباشرة عبر بطانة الفم. حالما تصل عملية التقطيع والمزج في الفم إلى الدرجة المناسبة، يتم بلع الأكل بشكل لقم أو لقيمات منفصلة.

• في المعدة: تمر اللقيمات من الفم إلى المعدة عبر أنبوب عضلي ليّن بسيط يسمى المريء (أنبوب البلع). تتجمع لقيمات الطعام في المعدة حيث تستقر نحو أربع ساعات بعد كل وجبة. والمعدة هي جزء عضلي متسع في أنبوب الهضم يتم فيه مزج الطعام مع بعضه وإضافة عصارة المعدة إليه، وهي عصارة شديدة الحموضة، وتحتوي على إنزيمات وخمائر هاضمة. تجري في المعدة تفاعلات كيميائية أخرى قوية يتم فيها تفكيك مزيد من السكريات والنشويات والدهون والبروتينات بفضل عمل إنزيمات أهمها الببسين الذي يقوم بتفكيك البروتينات إلى الحموض الأمينية التي تكوّنها، وإنزيم اللاكتاز الذي يقوم بهضم وتفكيك سكر الحليب المهم جدًّا في تغذية الأطفال. 

• في الأمعاء الدقيقة: يمر مزيج الطعام بعد أن يتم خلطه ومَزجه جيدًا من المعدة إلى الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة الذي يُسمّى الإثني عشر (أو العَفَج)، الذي أطلق عليه هذا الاسم بسبب طوله الذي يبلغ نحو 12 بوصة (25-35 سنتيمترا). تجري في هذا الجزء من الأمعاء الدقيقة تفاعلات كيميائية مهمة جدًّا في عملية الهضم بسبب إضافة الصفراء وعصارة البنكرياس فيه. تحتوي الصفراء التي يفرزها الكبد على حموض وأملاح صفراوية ضرورية لهضم المواد الدهنية وتفكيكها إلى حموض دسمة بسيطة يمكن امتصاصها والاستفادة منها. وتحتوي عصارة البنكرياس على إنزيمات قوية مثل الأميلاز واللايباز التي تقوم بتفكيك النشويات إلى سكريات بسيطة، والدهون إلى حموض دسمة. وكذلك إنزيمات تهضم البروتينات مثل الببسينات التي تفكك البروتينات إلى حموض أمينية.

يتابع مزيج الطعام طريقه في أطول أجزاء جهاز الهضم وأكثرها أهمية، وهو الأمعاء الدقيقة التي يبلغ طولها نحو سبعة أمتار. تفرز الأمعاء الدقيقة مزيدًا من الإنزيمات التي تتابع عملية تفكيك وتحليل البروتينات والدهون والنشويات إلى مكوناتها الأصلية البسيطة، كما تتم في الأمعاء الدقيقة معظم عمليات امتصاص العناصر الموجودة في الطعام من السكريات البسيطة والحموض الدهنية والكوليسترول والحموض الأمينية والماء والعناصر المعدنية، مثل الحديد والكالسيوم والصوديوم والفيتامينات ... يتم امتصاص هذه المواد المفيدة إلى الدم عبر الجدار الداخلي للأمعاء الدقيقة الذي يتكون من طيّات والتواءات وثَنيات وزُغيبات دقيقة تجعل سطح الامتصاص واسعًا جدًّا يغطي مساحة تبلغ نحو 250 مترًا مربعًا.

الأمعاء الدقيقة وبطانتها المتعرجة حيث يتم امتصاص العناصر الغذائية

• في الأمعاء الغليظة: ينتقل مزيج الطعام المهضوم إلى الأمعاء الغليظة (القولون) التي يبلغ طولها نحو متر ونصف. يتم في القولون امتصاص الماء من مزيج الطعام المهضوم، وكذلك امتصاص منتجات حيوية مهمة تقدّمها لنا مجموعة هائلة من الجراثيم المفيدة التي تعيش في القولون، وقد أظهَرت دراسات كثيرة أهمية هذه الجراثيم المفيدة في حمايتنا من الأمراض والالتهابات المزمنة، وفي تقديم فيتامينات ومواد مفيدة لسلامة أجسامنا. تتجمع بقايا فضلات عملية الهضم شيئًا فشيئًا في سَيرها البطيء عبر القولون، ويزداد تركيزها وكثافتها تدريجيًّا بسبب امتصاص الماء منها، وتبقى فيها الألياف النباتية والحيوانية التي لا تهضمها أمعاؤنا ولا تستطيع تحليلها وتفكيكها، ولكن وجود هذه الألياف ضروري أيضًا لصحتنا وسلامة أجسامنا لأنها تساعِد على تكوين البراز وإخراجه، كما تساعِد في حماية البطانة الداخلية للقولون من الإصابة ببعض الأمراض والالتهابات المزمنة والأورام الخبيثة. يمر البراز إلى المستقيم حيث يتم تخزينه ريثما تتاح الفرصة المناسبة لإخراج البراز من الجهاز الهضمي عبر فتحة الشرج، والتخلص في البراز من فضلات عملية الهضم وبقايا المواد غير المفيدة لنا.

ما هو دور الطبخ في عملية هضم الطعام ؟

يساعد طبخ الطعام على جعله مستساغًا طيبًا، كما أنه يسرِّع عملية الهضم لأن الطبخ يبدأ بتفكيك اللحوم والدهون والخضار والبذور ... مما يجعل عملية الهضم التي تتم داخل جهازنا الهضمي أكثر كفاءة. ويمكننا أن نلاحظ ذلك بسهولة عند مراقبة الحيوانات التي تفترس طعامها نيئًا، فتحتاج إلى فترة طويلة من الراحة التي قد تمتد يومًا أو أيامًا لكي تتمكَّن من هضم ما تأكله، بينما لا تستغرقنا عملية هضم الطعام المطبوخ أكثر من بضع ساعات، نكون بعدها مستعدين لتناول وجبة مفيدة ثانية.