الإجهاد قد يحمي من داء الأمعاء الالتهابي حسب دراسة أجريت على الفئران. يعاني نحو 7 ملايين شخص في جميع أرجاء العالم من داء الأمعاء الالتهابي، وهو مصطلح شامل يُستخدم لوصف الحالات التي تتميز بالتهاب مزمن في القناة الهضمية، ويعد داء كرون والتهاب القولون التقرحي نوعَين شائعين من أمراض الأمعاء الالتهابية.
يمكن تعريف التهاب القولون التقرحي على أنه حالة تشمل الإصابة بالتهابات وتقرحات على طول بطانة الأمعاء الغليظة (القولون) والمستقيم، أما داء كرون فيتسم بحدوث التهاب في بطانة القناة الهضمية، وغالبًا ما يشمل ذلك الطبقات العميقة من القناة الهضمية، ويؤثر داء كرون غالبًا في الأمعاء الدقيقة، ومع ذلك، فإنه قد يؤثر أيضًا على الأمعاء الغليظة، وفي حالات نادرة قد يؤثر في القناة الهضمية العليا (المَعدية-المعوية).
الأسباب المحتملة وراء داء الأمعاء الالتهابي
ما يزال السبب الدقيق وراء الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابي غير معروف، وهناك أبحاث متزايدة تشير إلى أن الإجهاد النفسي والتوتر يشكلان خطرًا كبيرًا على مرضى داء الأمعاء الالتهابي، ويرجِع أحد الأسباب المحتملة لحصول هذا المرض إلى وجود خلل في الجهاز المناعي، فعندما يحاول الجهاز المناعي مقاومة فيروس أو بكتيريا، فإن الاستجابة غير الطبيعية للجهاز المناعي قد تتسبب في مهاجمته لبعض خلايا الجهاز الهضمي الطبيعية.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن الأعضاء الليمفاوية الثالثية تلعب دورًا مهمًا في مرض الأمعاء الالتهابي، والأعضاء الليمفاوية الثالثية هي عبارة عن مجموعات من الخلايا المناعية التي تتشكل في الأنسجة الخارجية غير اللمفاوية استجابةً للالتهاب المزمن الموضعي، وما يزال الباحثون غير متأكدين مما إن كانت لهذه الأعضاء الليمفاوية تأثيرات وقائية أو مُمرِضة على مرض الأمعاء الالتهابي، كما لم يدرس العلماء من قبل تأثير الإجهاد النفسي على تكوّن الأعضاء الليمفاوية الثالثية.
القليل من الإجهاد قد يحمي من داء الأمعاء الالتهابي
أفادت دراسة حديثة نشرت في دورية "بي إن إيه إس" بأن الإجهاد اليومي المزمن لمدة 6 أسابيع كان مفيداً ضد الإصابة الثانية بمرض الأمعاء الالتهابي، ما يعني أن هناك شكلاً من التحفيز المناعي بفعل الإجهاد النفسي الذي ساعد على الوقاية من التهاب الأمعاء في نماذج الفئران المدروسة، وقد استخدم الباحثون في دراستهم نوعًا من نماذج الفئران التي تصاب -خلال 10 أسابيع- بالتهاب اللفائفي التلقائي (التهاب الأمعاء) والذي يشبه مرض كرون البشري.
ولإحداث نوع من الإجهاد النفسي على هذه الفئران، فقد أخضع الباحثون الفئران البالغة من العمر 12 أسبوعاً إلى إجهاد نفسي، وذلك بحبسها لمدة 56 يوما متتالياً، وتوقع الباحثون في البداية تفاقم التهاب اللفائفي أو القولون لدى الفئران المجهَدة، غير أنهم لم يرصدوا أي زيادة ملحوظة في التهاب الأمعاء لدى الفئران المجهَدة، بل لاحظ الباحثون زيادة ملحوظة في الأعضاء الليمفاوية الثالثية لدى الفئران المجهَدة مقارنة بغيرها غير المجهَدة.
وبالتالي، فإن الإجهاد والتوتر النفسي ارتبط بشكل مباشر بزيادة تكوين الأعضاء الليمفاوية الثالثية، والجدير بالذكر أن دراسة سابقة قد ربطت بين تكون الأعضاء الليمفاوية الثالثية وبين الحالات المَرَضية الشديدة لالتهاب الأمعاء، ولذا، فقد افترض الباحثون أن الفئران المجهَدة التي تحتوي عددًا أكبر من الأعضاء الليمفاوية الثالثية قد تكون أكثر عرضة لإصابات القولون الثانوية.
ولاختبار هذه الفرضية، قام الباحثون بتزويد مياه الشرب بــ3% ديكستران كبريتات الصوديوم، التي تحفز التهاب القولون لدى الفئران، ولاحظ الباحثون أن الفئران المجهَدة أظهرت التهاباً في القولون أقل حدة من غيرها من الفئران غير المجهَدة، وهذا يعني أن القليل من الإجهاد قد يحمي من داء الأمعاء الالتهابي. ووفقاً للباحثين؛ فإن السبب المحتمل لمقاومة الإصابة المعوية لدى الفئران يرجع إلى احتمال أن يكون وجود عدد أكبر من الأعضاء الليمفاوية الثالثية هو ما يحسن من مناعة حاجز الغشاء المخاطي.
السبب في زيادة الأعضاء الليمفاوية الثالثية
تشير الدراسات السابقة إلى أن ميكروبات الأمعاء (الميكروبيوم) قد تكون مسؤولة عن زيادة تكوين الأعضاء الليمفاوية الثالثية لدى الفئران المجهَدة المصابة بالتهاب اللفائفي، وعلى الرغم من ذلك، لم يجد العلماء اختلافات كبيرة في ميكروبيوم الأمعاء الخاصة بالفئران المجهَدة وغير المجهَدة المصابة بالتهاب اللفائفي، غير أن الباحثين وجدوا أن الإجهاد النفسي يزيد من إنتاج سيتوكينات إنترلوكين 23 وكذلك 22، وهما المساران المرتبطان بزيادة تكوين الأعضاء الليمفاوية الثالثية.
ولا يستبعد الباحثون فرضية ارتباط ميكروبيوم الأمعاء بزيادة تكوين الأعضاء الليمفاوية الثالثية، وذلك بسبب محدودية الطريقة التي استخدمها الباحثون لتحليل ميكروبيوم الأمعاء، وبالتالي فإن النتائج الرئيسة لهذه الدراسة تتمثل في أن:
- الإجهاد النفسي لا يزيد من الالتهاب المعوي، بل يؤدي إلى زيادة تكوين الأعضاء الليمفاوية الثالثية، وذلك عن طريق زيادة إنتاج إنترلوكين 23 وإنترلوكين 22؛ وهما سيتوكينات تشارك في الاستجابة الالتهابية.
- كانت الفئران المجهَدة المصابة بالتهاب اللفائفي محمية من إصابة القولون الثانوية، وهو ما يشير إلى أن الأعضاء الليمفاوية الثالثية قد تحسن مناعة الحاجز المخاطي في الأمعاء.
- تظهر نتائج هذه الدراسة أن التوتر النفسي قد يكون له تأثير مفيد في بعض الحالات، ويعني أن القليل من الإجهاد قد يحمي من داء الأمعاء الالتهابي.
ولا تعني هذه النتائج بالضرورة أن التوتر مفيد دائماً، إذ إن القليل من الإجهاد قد يحمي من داء الأمعاء الالتهابي (أو ما يمكننا تسميته بالتحفيز)، وذلك على النقيض من الضغط الزائد الذي قد يحمل تبعات وخيمة على الصحة عامة.
المصادر: