ألم انكسار القلب هو جزء في تجربة الإنسان لا يمكن تجنبه، إذ يترك الفردَ في غالب الأحيان في صراع مع عواطف سلبية وشعور عدم اليقين. رداً على هذه الظاهرة الشائعة والصعبة، يُسلِّط الخبراء الضوء على استراتيجيات فعالة للتعامل مع مراحل ألم انكسار القلب.
يمكن أن ينشأ الشعور بألم انكسار القلب نتيجة انهيار علاقة عاطفية، أو فقدان شخص عزيز، أو أحداث حياتية مؤثرة أخرى، ويمكن أن يُوّلد هذا التأثير مجموعة من العواطف السلبية، بما في ذلك الحزن والأسى والغضب والارتباك، وقد يصل ذلك إلى مراحل متقدمة من الاكتئاب، وربما يلجأ البعض إلى الانتحار. الوعي وإدراك هذه العواطف والاعتراف بها له أهمية كبيرة في مساعدتنا على تخطي هذا الألم. فيما يلي يشاركنا مختصّون في الصحة النفسية بالاستراتيجيات الضرورية لتخطي ألم انكسار القلب.
جوسلين غراسياس، مختصة نفسية مُرخّصة من هيئة الصحة بدبيCDA ، تعمل في مركز ثرايف للصحة النفسية، تقوم بتقديم الدعم للأفراد والأزواج بهدف مساعدتهم في تحقيق أهدافهم العلاجية. حازت جوسلين على درجة الماجستير في علم النفس السريري، وقد تلقت أيضاً تدريباتٍ إضافية في العلاج السلوكي المعرفيCBT، والعلاج السلوكي الجدلي DBT، والعلاج الذي يركز على العاطفة EFT، والمقابلات التحفيزية، وطريقة علاج Gottman للأزواج، وإزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها EMDR.
تُعتبر جوسلين معالِجة ملمّة بالأضرار الناجمة عن الصدمات، تعمل بروح شمولية من خلال دمج الأساليب العصرية مع أهداف العملاء، وتوفير مساحة آمنة لهم للتعامل مع تحديات ماضيهم وحاضرهم. حول ألم انكسار القلب تقول جوسلين: "لقد تعاملنا جميعاً مع انكسار القلب في العلاقات والصداقات، ونعرف مدى مرارة الألم الذي يحمله. إنها مجموعة متنوعة من المشاعر المتناقضة التي علينا التعامل معها". وتضيف: "هناك طرق مختلفة للتعامل والتغلب على ألم الانفصال، ويتوقف هذا الأمر على الشخص نفسه، وطريقة تعامله مع الألم، إلا أنني أحب أن أشاركم المراحل الخمس المعروفة للحزن، وطرق التعامل مع ألم انكسار القلب".
مراحل ألم انكسار القلب
تذكر جوسلين غراسياس مراحل ألم انكسار القلب:
- المرحلة الأولى: الإنكار، وعدم الرغبة في التعامل مع المشاعر الصعبة التي تشمل ألم انكسار القلب، ويُعتبر هذا نوعاً من الإنكار. التوعية بهذا الأمر يمكن أن يساعدنا في فهم عملية التعافي بشكل أفضل، بدلاً من وضع ضغوط على أنفسنا للتغلب عليها.
- المرحلة الثانية: الغضب، من المتوقع أن نبدأ بالشعور بالاستياء تجاه شركائنا السابقين بالعلاقة، أو الأصدقاء لكونهم سبباً في هذا الألم العاطفي. يجب علينا أن نسمح لأنفسنا بالاعتراف بالغضب الذي نشعر به، والعثور على منافذ صحية، مثل كتابة اليوميات والتحدث مع النفس والتعبير عن مشاعرنا لصديق غير متحيز لطرف في العلاقة.
- المرحلة الثالثة: المساومة، يمكن أن تبدو وكأننا نحاول رؤية ما إذا كان هناك أمل، أو البحث عن منطقة وسطى للتعامل مع الألم الناجم عن هذه الأحداث. تصبح الرغبة في التخلص من الألم الهدفَ الأساسي في هذه المرحلة.
- المرحلة الرابعة: الاكتئاب، من الطبيعي أن نشعر بالحزن في حالة انكسار القلب. أيضاً، الواقع الذي يشير إلى عدم قدرتنا على تغيير الوضع يسبِّب مشاعرَ الاكتئاب.
- المرحلة الخامسة: القبول، قد تأخذ وقتاً طويلاً، ولكن عندما تصل إلى هذه المرحلة ستجمع جميع القِطَع المكسورة، وستكون قادراً على مواجهة الواقع. لا يجب التسرع في الوصول إلى هذا الجزء أو المطالبة به، إذ إنه عملية تزامنية تحتاج وقتاً واستيعاباً.
يجب السماح للنفس بالمرور بجميع مراحل الحزن والتوعية، مع العلم أن هذه المراحل لا تسير دائماً بشكل متسلسل، وأنه يمكن أن ننتقل بينها بشكل غير خطي، يمكن أن يساعدنا ذلك في التعامل مع الألم والشفاء من انكسار القلب. تكون استراتيجيات التكيف المختلفة للتعامل مع ألم انكسار القلب مفيدة أكثر عندما نكون واعين بعملية الحزن. ويمكن أيضاً أن تساعد الأهداف السلوكية في التعامل مع الاضطراب العاطفي الذي يَنتُج عن انهيار العلاقات.
كيفية التعامل مع ألم انكسار القلب
التعامل مع انكسار القلب يتطلب توازناً حساساً بين العناية بالنفس والبحث عن الدعم، كما وتُعتبر ممارسة الرأفة تجاه الذات أمرًا حاسمًا، فاللطف مع النفس في مواجهة الصعوبات يساعد في التحكم في العواطف الناجمة عن ألم انكسار القلب. العثور على نافذة للتحمل من خلال الانتباه والوعي وممارسة اليوغا والهوايات والاسترخاء، كل هذه الممارسات تساعد في الحفاظ على الاستقرار العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الاعتماد على شبكة داعمة من الأصدقاء والعائلة في توفير مساحة آمنة لمشاركة العواطف والبحث عن الراحة، كما يجب إشغال أنفسنا حتى لا نفكر بمن فطر قلبَنا.
قد توفر الإغاثة من الألم وطلب المساعدة ممن حولنا مخرجاً مفيداً أحياناً دون تجاهل عملية الشفاء، كما يجب وضع حدود، سواءً مع المصدر المتسبِّب بهذا الألم أو مع الآخرين، ما يسمح لنا بالشفاء الشخصي بالوتيرة المناسبة. بالإضافة إلى ذلك، يجب التركيز على التفكير الداخلي والنمو الشخصي، ما يساعد في إيجاد معنى حقيقي لحياتنا وسط حالة الضياع التي نعيشها نتيجة التشتت العاطفي، وهذا سوف يساعد على تعزيز الصمود والقدرة على التكيف بعد مرحلة الحزن، مما يسهل تحقيق التوازن العاطفي الصحي بعد فترة الألم.
فَهم الألم.. استراتيجيات التعامل مع الاضطرابات العاطفية
بعد انتهاء الأزمة، يستغرق الأمر وقتاً، ويعتمد على مدى فهمك لما تمر به، ومعالجة مشاعرك، وتقبّلك لما تمر به حتى تصل إلى التعافي، ويجب أن يكون الشخص مستعداً للانفتاح والتعرض للضَّعف الذي قد تتسبب به هذه المشاعر مرة أخرى.
وفي النهاية، يجب علينا أن نأخذ الوقت الكافي لمعالجة مشاعرنا، وتعلم كيفية التحكم في عواطفنا، وهي مهارة نكتسبها مع الزمن، ما قد يساعدنا في أن نصبح أكثر قوة ونضجاً عاطفياً. دون أن ننسى أن كونك قوياً لا يعني أن رحلة الشفاء من انكسار القلب ستصبح أسهل، بل يعني فقط أنك ستتخذ خيارات ملائمة لعملية الشفاء بشكل صحي، لأنك أصبحت على دراية أكبر بما عانيته من قبل، وأكثر قدرة على المواجهة والموازنة بين العقل والقلب.