في ظل الكثير من النزاعات والحروب والظروف الصعبة التي تعيشها بعض الدول العربية، لا بد لنا بشكل خاص من التعرف وعن كثب على الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال مع الدكتورة دانا جمال. في هذا الحوار نتطرق إلى الآثار النفسية للحروب والصراعات على الأطفال واليافعين، وكيف يجب أن نتعامل مع الأطفال في ظروف الحرب.
هل يمكنك مشاركة بعض المحطات البارزة في مسيرتك المهنية؟
بعض المحطات البارزة في رحلتي المهنية كأخصائية في العلاج النفسي شملت العديد من الفرص والتجارب، فقد أتيحت لي فرص للعمل بشكل واسع مع فئات متنوعة في المجتمع عانت من تحديات في الصحة النفسية. نشأتي في الشرق الأوسط ودراستي وعملي في الخارج لأكثر من 10 سنوات جعلني أدرك أهمية تبني منظور يتسم بالوعي الثقافي في التعامل مع مواضيع الصحة النفسية، وقد شكل هذا تجربة خاصة بالنسبة لي. تركز ممارستي على دمج النهج الإنساني ونهج "الموجة الثالثة" مثل العلاج المرتكز على التعاطف، وعلاج القبول والالتزام، بالإضافة إلى تدريب على المرونة وعلم النفس الإيجابي، وأعمل حالياً في مركز ثرايف للصحة النفسية.
كيف تؤثر النزاعات في تطور الاضطرابات النفسية؟ حدثينا عن الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال ؟
تُنتج النزاعات بيئات من عدم الاستقرار الشديد، والضغط والصدمة والخوف. التعرض للتشريد والعنف والفقدان وعدم اليقين يُثقل قدرة الفرد على التكيف، مما قد يؤدي إلى تطور اضطرابات نفسية. في مناطق النزاع يصعب تأمين الاحتياجات الأساسية للبقاء مثل المأوى والأمان، مما يزيد من مستويات التوتر ويضاعف خطر التعرض للمشكلات النفسية. النزاعات تفرق الأسر وتقطع الروابط المجتمعية وأنظمة الدعم الاجتماعي، وبالتالي لا بد من التعرف على الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال. هذا التعرض المستمر لمثل هذه الضغوط يزيد من احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية.
ما الآثار النفسية الأكثر شيوعاً على الأفراد في مناطق النزاعات؟
تشمل الآثار النفسية الشائعة فيما خص الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال ما يلي :
- الاكتئاب: فقدان الأحباء وتآكل سبل العيش يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعجز واليأس وعدم القيمة، وكذلك الانسحاب الاجتماعي.
- اضطراب ما بعد الصدمة: التعرض لأحداث تهدد الحياة يؤدي إلى اليقظة المفرطة، وتذكر الأحداث المؤلمة والخدر العاطفي.
- اضطرابات القلق: عدم اليقين المستمر والخوف من العنف المتواصل يمكن أن يسبب القلق المستمر ونوبات الهلع وظهور بعض الأعراض البدنية المرتبطة بالضغط والقلق الشديد.
- الحزن: يواجه الأفراد في مناطق النزاع خسارة متكررة للعائلة والأصدقاء والمنازل، وهذا غالباً ما يؤدي إلى حزن مطول.
- الشعور بالذنب لدى الناجين: في كثير من الأحيان يشعر الأشخاص الذين نجوا من النزاع بالذنب، خصوصاً إذا فقدوا أحباءهم أو شهدوا معاناة الآخرين.
هل يمكنك توضيح الاضطرابات النفسية التي عادةً ما تُثار بسبب النزاعات؟ وكيف يتم علاج هذه الحالات؟
تشمل الاضطرابات الأكثر شيوعاً التي تُثار بسبب النزاعات:
- اضطرابات القلق: العلاج عادة ما يشمل العلاج بالتعرض والعلاج السلوكي المعرفي والتدريب على المرونة لمساعدة الأفراد في التعامل مع مستويات عالية من عدم الاستقرار والحد من تأثير القلق المزمن.
- اضطراب ما بعد الصدمة: يأتي هذا الاضطراب نتيجة التعرض لأحداث صادمة أو مشاهدتها. تشمل أعراضه فرط اليقظة، والذكريات المؤلمة، وتجنب التصرفات أو الأماكن أو المؤثرات المرتبطة بالصدمة (مثل المستشفيات أو الأصوات العالية).
- اضطراب ما بعد الصدمة المعقد: قد يتطور هذا النوع لدى الأفراد الذين تعرضوا لصدمات متعددة ومستمرة. يشمل العلاج الاهتمام بالصدمات مع أساليب علاجية تركز على ترميم العلاقات والروابط.
تشمل طرق العلاج الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة العلاجات المتخصصة مثل العلاج بإزالة الحساسية وإعادة المعالجة بحركة العين (EMDR) والعلاج السلوكي المعرفي.
- الاكتئاب الحاد: يُحفز هذا الاضطراب بمشاعر الفقد واليأس والعجز التي تسود في مناطق النزاعات، ويشمل العلاج عادة مزيجاً من مضادات الاكتئاب وأشكالاً علاجية مثل العلاج المرتكز على التعاطف، أو العلاج السلوكي المعرفي، أو العلاج بالقبول والالتزام.
ما الصدمات النفسية المرتبطة بالنزاع، وأساليب العلاج الفعالة للتعامل مع الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال ؟
تشمل الصدمات النفسية خلال النزاعات على الأطفال ما يلي:
- النزوح وفقدان المجتمع: يمكن أن يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والحزن الشديد وأزمات الهوية.
- الصدمة الناتجة عن مشاهدة العنف: تؤدي إلى زيادة اليقظة واسترجاع الذكريات المؤلمة والكوابيس.
- العنف الجنسي: شائع في بيئات النزاع، وقد يؤدي إلى مشكلات نفسية شديدة.
تشمل العلاجات الفعالة فيما خص الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال واليافعين:
- العلاج النفسي الحسّاس ثقافياً: يركز على التعامل مع الصدمة ضمن سياق الثقافة الخاصة بالفرد، مع مراعاة القيم ونظم المعتقدات.
- العلاجات التي تركز على الصدمة: مثل العلاج بمعالجة الأفكار المعرفية، وعلاج إعادة معالجة الحساسية لحركات العين (EMDR).
- العلاج المركّز على التعاطف: بناء التعاطف الذاتي، وخاصة في الثقافات التي قد تنظر إلى طلب المساعدة كمصدر للوصم الاجتماعي.
هل يمكنك شرح مفهوم "الصراع النفسي" وتأثيره على الأفراد والمجتمعات؟
يحدث الصراع النفسي عندما يواجه الناس قيماً أو احتياجات أو أهداف متعارضة، وغالباً ما يظهر هذا الصراع كتوتر داخلي. في بيئات النزاع يمكن أن يظهر ذلك في شكل "ذنب الناجين"، أو ضغط للتماشي مع الإيديولوجيات العنيفة، أو الولاءات المتضاربة. على المستوى المجتمعي، قد يؤدي الصراع النفسي إلى انهيار الثقة وزيادة الاستقطاب واستمرار العنف، إذ إن الصدمة النفسية غالباً ما تؤدي إلى استمرار الصراع. تتضمن الآثار على الأفراد: التردد والقلق والصعوبة في فهم تجاربهم، بينما قد تعاني المجتمعات من الصدمة الجماعية وفقدان الثقة، مما يخلق تحديات كبيرة في إعادة بناء الروابط المجتمعية.
ما دور علم النفس في فهم وتخفيف آثار النزاع؟
يساعد علم النفس في تحديد تأثيرات النزاع على الصحة النفسية، مثل الصدمة والقلق والاكتئاب، ويوفر علاجات قائمة على الأدلة. من خلال فهم الإصابات النفسية التي يسببها النزاع، يمكن لأخصائي الصحة النفسية تقديم تدخلات حساسة ثقافياً تدعم الشفاء والتعافي. يلعب علم النفس أيضاً دوراً حيوياً في صنع السلام من خلال تشجيع حل النزاعات ودعم إعادة بناء المجتمع ومنع تكرار العنف، مما يساعد دون شك في علاج الكثير من الحالات، ومن بينها الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال .
كيف تؤثر النزاعات على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وما هي نصائحك للآباء لدعمهم في مواجهة هذه الصدمات؟
يكون الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للتأثيرات النفسية للنزاع، نظرًا لأن آليات التأقلم لديهم وأدمغتهم ما تزال تتطور. التعرض للعنف المستمر والنزوح أو فقدان مقدمي الرعاية لهم يمكن أن يؤدي إلى اختلال عاطفي وتأخر كبير في النمو وكذلك القلق والاكتئاب. وقد يعاني المراهقون أيضاً صراعاً مع اندفاعات عنيفة وأزمات هوية شديدة كاستجابة للصدمة. لذا لا بد من التعامل بحرص ووعي مع الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال لكونه أمرًا بالغ الأهمية.
نصائح للآباء فيما يخص الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال
- تقديم الدعم العاطفي: خلق بيئة آمنة للأطفال والمراهقين للتحدث عن مشاعرهم والتكيف مع مشاعرهم أمر أساسي.
- تدريب المرونة: يمكن إرشاد الأطفال حول كيفية التعامل مع التوتر إذا قام الآباء بنمذجة طرقهم الخاصة لتنظيم مشاعرهم بشكل صحي.
- يمكن للآباء والأطفال ممارسة تمارين التنفس معاً: التي تساعد في تنظيم مستويات التوتر وتقليل القلق.
- البحث عن المساعدة المهنية: يمكن أن يلعب العلاج النفسي الموجه، خصوصاً فيما خص الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال مثل العلاج السلوكي المعرفي الموجه للصدمات أو العلاج باللعب، دوراً حيوياً في مساعدة الأطفال على معالجة تجاربهم مما يلعب دوراً في علاج.
ما هي أفضل الممارسات لعلاج الآثار النفسية للنزاع؟
- العلاج الموجّه للصدمات.
- التدخلات الحساسة ثقافياً: يجب أن تحترم العلاجات نظم المعتقدات والقيم الدينية والثقافية للأفراد.
- برامج بناء المرونة: تعزيز المرونة من خلال التثقيف النفسي حول آثار النزاع، وممارسة اليقظة وتنظيم العواطف، والدعم المجتمعي.
- تعزيز الدعم الاجتماعي: تشجيع المجتمعات والعائلات على دعم بعضهم البعض ومحاولة الشفاء معاً لإعادة بناء الروابط الاجتماعية.
هل يمكن أن تستمر الآثار النفسية للنزاع إلى أجل غير مسمى؟ كيف يظهر اضطراب ما بعد الصدمة لدى من عايشوا النزاع؟
نعم، يمكن أن تستمر الآثار النفسية، خاصة اضطراب ما بعد الصدمة، لسنوات أو حتى مدى الحياة إذا لم يتم علاجها. يظهر اضطراب ما بعد الصدمة في شكل اليقظة المفرطة والذكريات التدخلية وسلوكيات التجنب والتوتر والخدر العاطفي. غالباً ما يواجه الأشخاص الذين نجوا من النزاع تحديات كبيرة في التكيف مع أوقات السلم، واستجابة مبالغ فيها للتفاصيل الصغيرة وفقدان الثقة بالآخرين. إذا تُرك اضطراب ما بعد الصدمة دون علاج، فقد يؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد في العلاقات اختلالات عاطفية ومعاناة، وكذلك الانسحاب الاجتماعي. لذا علينا الانتباه إلى ما قد تتركه هذه المعاناة لدى الأفراد ومن بينها الصدمات النفسية خلال النزاعات وأثرها على الأطفال.
ما هي الحالات النفسية الأكثر شيوعاً بين الأفراد الذين عاشوا أزمات مرتبطة بالنزاع؟
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (Complex PTSD).
- اضطرابات التكيف: تحديات كبيرة في التكيف مع بيئة ما بعد الصراع، وغالبًا نتيجة للتغيرات الكبيرة في الأمان ونمط الحياة.
- الاكتئاب الحاد.
- اضطرابات القلق.
كيف تؤثر الصدمة المرتبطة بالصراع على الدماغ على المدى القصير والطويل؟
على المدى القصير، تؤدي الصدمة إلى زيادة استجابة الجسم للتوتر، مما يزيد من إنتاج الأدرينالين والكورتيزول، وهذا يمكن أن يؤثر على التركيز والذاكرة وتنظيم المشاعر. أما على المدى الطويل، فيمكن أن يؤدي التعرض المستمر للصدمات إلى تغييرات هيكلية في الدماغ، مثل فرط النشاط في اللوزة الدماغية (مما يزيد من الاستجابات للخوف) وانخفاض حجم الحُصين (مما يؤثر على الذاكرة). تساهم هذه التغيرات في استمرار أعراض الصدمة، مثل الاكتئاب، والقلق، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة.