تؤثّر الأحداث المؤلمة المرتبطة بالصراع والحرب وما تخلّفه وراءها من صدمات نفسية على الصحة العقلية للأطفال بطرق مختلفة، وقد تترك آثاراً على المدى الطويل في حال تركها بلا علاج.
إذا كانت الحرب تؤثّر على السلامة النفسية والصحة العقلية للبالغين والكبار، فما بالكم بمعشر الصغار، الذين لا حول لهم ولا قوة، فمع كل غارة جوية، ومع كل قصف بالصواريخ يقوم به جيش الاحتلال على أراضي غزة، يموت عشرات بل مئات الأطفال، ويعاني مَن بقي منهم على قيد الحياة من التهديدات المباشرة والألم والصدمات النفسية والموت، ومن تضاؤل الشعور بالأمان، ما يترتب على ذلك عواقب وخيمة على الصحة النفسية.
نستعرض وإياكم في هذا المقال 5 طرق يمكن أن يؤثّر بها الصراع المسلح على الصحة النفسية للأطفال.
الطرق التي يؤثر بها الصراع على الصحة العقلية للأطفال
أبرز الطرق التي يؤثر بها الصراع والحروب بشكلٍ عام على الصحة العقلية للأطفال، يمكن أن نستعرضها في الآتي:
-
الانسحاب العاطفي
قد يصبح الأطفال الذين يتعرّضون إلى مصادر متعددة من العنف، كالصراع الحاصل حالياً في غزة، حسّاسين ومخدَّرين من الناحية العاطفية، ما يزيد من احتمال تقليدهم للسلوك العدواني الذي يشهدونه، ويَعتبرون أن العنف شيء طبيعي، الأمر الذي قد يؤثّر على قدراتهم في بناء علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين على المدى الطويل. في الحرب يصبح الأطفال معزولين وانطوائيين، ولا يتفاعلون مع أقرانهم ومجتمعاتهم بشكل طبيعي، ولا يقْدرون على التفريق بوضوح بين الصديق والعدو.
-
العدوانية
من أوجه تأثير الحروب على الصحة العقلية للأطفال الذين يَنشؤون في خضم الصراعات المسلحة عدوانية كامنة أو واضحة للعيان، خاصة عند المراهقين، ما يؤثّر على سلوكياتهم وعلاقاتهم مع أقرانهم وأفراد أسرهم وأصدقائهم، فيصرخون عليهم ويتقاتلون معهم، وقد يصل بهم الأمر إلى التنمّر على غيرهم من الأطفال. وفي ظروف الحرب يبقى الأطفال في منازلهم، ولا يمكنهم النزول إلى الشوارع، ولا ممارسة الهوايات والأنشطة التي يتمكّنون من خلالها إفراغ طاقتهم، من هنا؛ فإنهم يصبحون أكثر عدوانية.
-
اللجوء إلى إيذاء النفس
في بعض حالات تأثير الصراع على الصحة العقلية للأطفال؛ لا يرى الأطفال أي خيار أمامهم لنسيان واقعهم المؤلم الذي يعيشون فيه سوى اللجوء إلى تعاطي المخدرات وشرب المحرَّمات، أو إلى إيذاء النفس أو حتى التفكير في الانتحار. قد يجعلهم تعاطي المخدرات يشعرون بالتحسن، ولكنه شعور وهمي آني سرعان ما ينقلب عليهم وبالاً.
-
الأعراض الجسدية النفسية
يؤدي العيش في مناطق النزاعات المسلحة إلى خلق ضغوطات هائلة على الأطفال، فيشتكون من أعراض جسدية نفسية شتى، أبرزها الصداع، والألم في المعدة أو الصدر، وصعوبة التنفس، والتلعثم، وفقدان الذاكرة الجزئي. تؤثرّ الحرب على نفسية الطفل، فهو يتوقع دائماً الهجوم وفي أي لحظة.
-
القلق والوحدة وانعدام الأمن
يدفع القصف على المناطق السكنية الكثير من الأطفال إلى النزوح من أحيائهم، ما يضطرهم إلى خسارة عائلاتهم وأصدقائهم ورفاقهم، ويمكن أن تؤدي هذا الخسارة إلى الشعور بالوحدة وعدم الأمان، وإلى إشعال فتيل الإصابة بالقلق والاكتئاب، والخوف والحزن والكوابيس والسلوك العدواني، وربما إلى التبول في الفراش، وإلى المعاناة من صعوبات في النوم، وإلى نشوء توترات في العلاقات مع الأحبة.
أخيراً، عَيش الأطفال في غزة في ظل صراع مستمر، وتحت نقمة الغارات الجوية وإطلاق الصواريخ الإسرائيلية، والتدمير الممنهج للبنى التحتية والمرافق الحيوية والمستشفيات، ورؤية الأحبة والأصدقاء والرفاق والأهل يموتون أمام أعينهم، وسط شحّ بالغ الخطورة في الإمدادات والمساعدات الحيوية الأساسية، وانعدام الأماكن الآمنة، كل هذا، إلى جانب الأحداث المؤلمة والضغوطات النفسية، يمكن أن يترك تأثيرات كارثية على السلامة النفسية والعاطفية والعقلية للأطفال.
ولا يغرب عن البال هنا، أن الإصابة الجسدية تكون مرئية في الحال، بينما الإصابة النفسية والعقلية قد تبقى في أحيان كثيرة كامنة وغير مكتشَفة، من هنا تأتي أهمية رصدها وعلاجها من خلال توفير السلامة والدعم النفسي والأُسري والمجتمعي.
