تُشكِّل الحرب خطراً على كل أعضاء جسم الإنسان، بما فيها العين التي تعتبر النافذة التي نطل من خلالها على العالم الخارجي لنراه بأدق التفاصيل. صحيح أن العين تُشكِّل نحو 0.1 من سطح الجسم، إلا أن نسبة الإصابات الحربية في العين تمثل قرابة 15 بالمئة من جميع الإصابات التي تحدث للجسم، ويكون النمط النموذجي لإصابات العين المرتبطة بالحرب هو الصدمات المتعددة والمعقدة المرتبطة بالرأس والوجه والرقبة، ومناطق أخرى في الجسم.
في دراسة بتأثير رجعي للسجلات الطبية، قام بها الدكتور أحمد البيبليوبنجي وفريقه، شملت أكثر من 200 مدني أحيلوا على عجل إلى قسم طب العيون في كلية طب جامعة هاتاي مصطفى كمال بين العامين 2011 و2018، كشفت الدراسة أن الحروب والنزاعات المسلحة يمكن أن تترك عواقب وخيمة على العين، وربما إلى فقدان البصر إلى الأبد.
الاستنتاجات التي أسفرت عنها الدراسة
توصلت الدراسة إلى الاستنتاجات الآتية:
- كان غالبية المرضى من الذكور.
- كانت معظم صدمات العين في مقلة العين الأمامية المفتوحة، أما ما تبقى منها فكان في مقلة العين الخلفية المغلقة غير المرئية.
- أشارت الدراسة إلى أن ظروف الحرب يمكن أن تسبب إصابات خطيرة في عيون المدنيين، غالباً ما تؤدي إلى فقدان البصر والعين عند الأطفال والبالغين، من هنا تأتي أهمية التنسيق والتعاون بين جميع أقسام المستشفى من أجل العلاج، والحد من الأضرار على النظر.
- تُشْغِل صدمات العين الحربية، المفتوحة والمغلقة، حيزاً كبيراً وخطيراً من الأذى والضرر الذي يلحق بالعين، لدرجة أن بعضها أدى إلى فقدان مقلة العين كلياً، وبالتالي إلى فقدان الرؤية نهائياً. ويلعب موقع الإصابة الرضية للعين ووجود أجسام غريبة دوراً مهماً في التشخيص والإنذار.
- تم تسجيل إصابات مختلفة في القرنية، منها البسيطة التي تشفى تقريباً من دون مضاعفات خطيرة، ومنها المعقدة والملتهبة التي يمكن أن تنتهي بعواقب خطيرة للغاية. ساهمت الحروب في القرن الحالي في تسجيل زيادات ملحوظة في أعداد الإصابات النافذة في العين.
- تم اكتشاف وجود شظايا في مختلف أنحاء العين، بدءاً من التجويف الجداري للعين، مروراً بالقرنية والملتحمة والعدسة والجسم الزجاجي، وانتهاءً بالشبكية والعصب البصري. علاوة على ذلك، تم تسجيل حالات انفصال في الشبكية ونزف في الجسم الزجاجي، والتهاب في باطن مقلة العين، وانثقاب في المحفظة الأمامية، وإعتام في عدسة العين.
- أوضحت الدراسة أن الإصابات النافذة في العين جراء الأعمال الحربية القتالية كانت من المسببات الكبيرة لضَعف البصر الشديد والدائم.
- التمزقات الجدارية المفتوحة والمغلقة كانت من بين الإصابات التي سجلتها الدراسة، والتي كشفت نتائجها إلى أهمية فحص جدران مقلة العين بعناية فائقة بحثاً عن أي انثقاب أو تمزق أو نزف أو أجسام غريبة.
- تؤثّر الحروب والنزاعات المسلحة سلباً على حياة الإنسان، وتؤدي إلى أضرار تهدد الحياة، من بينها إصابات العين، التي تعد أحد الأسباب الأكثر شيوعاً للمرضى والعمى الأحادي الجانب.
كيفية التعامل مع إصابات العين أثناء الحرب
ساهمت الحروب والعمليات العسكرية في زيادة إصابات العين على مدى العقود الماضية، ويعود ذلك إلى طبيعة الذخائر الحربية الحديثة التي تخلِّف بقايا صغيرة يمكن أن تخترق العين وتؤذيها، وتنجم معظم إصابات العين عن شظايا الانفجار التي قد تنغرس في العين، وعن الهزات الارتدادية الناتجة عن الانفجار التي يمكن أن تسبب أضراراً داخلية في العين دون أن تظهَر بالضرورة كإصابة تشريحية. وقد يعاني المصابون بالانفجارات من مشكلات في عيونهم قد تلازمهم طيلة حياتهم.
تتطلب إصابات العين المرتبطة بالحرب إجراءات معقدة وغير تقليدية، خاصة أنها تقع في ظروف غالباً ما تكون صعبة وقاسية جداً، تشهد شتى أنواع الانفجارات التي قد تولّد شظايا عالية السرعة وعالية الطاقة، تتسبب في حدوث إصابات جسيمة يمكن أن تطال كل جزء من العين، بدءاً من سطحها وصولاً إلى الشبكية والعصب البصري، بما فيها العضلات والأربطة وحجرة العين. من هنا؛ فإن التحديات تكون مختلفة عن تلك التي تشاهَد في الحياة المدنية، ولهذا فمن المهم التركيز على توفير مساعدة متخصصة للضحايا.
خطوات حاسمة لحماية العين
تشير الدراسات إلى أن سطح العين يشكل 0.27 بالمئة من سطح الجسم، ولكن الإصابات فيه تشكل نسبة 15 بالمئة من الإصابات الحربية، أي أكثر ب 48 مرة من مساحة سطح العين الصغيرة. الرعاية العاجلة التي يجب التقيد بها لحماية العين على النحو الآتي:
- لا تلمس أو تفرك أو تضغط على العين.
- لا تحاول إزالة أي أشياء عالقة في العين.
- لا تشطف العين بالماء إلا للضرورة القصوى، وفي هذه الحالة يجب استخدام الماء النظيف حصراً.
- لا تضع أي مرهم أو أي دواء على العين.
في حال جرح العين أو انثقابها:
- ضع درعاً واقياً على العين إلى حين الحصول على الرعاية الطبية.
- لا تضغط على الدرع الواقي.
- لا تتناول الإسبيرين أو الإيبوبروفين أو أي أدوية غير ستيرويدية مضادة للالتهاب، لأنها تميّع الدم، وتزيد من مخاطر التعرض للنزف.
- بعد تأمين الحماية اللازمة للعين، اعمل جهدك للحصول على مساعدة طبية عاجلة.
في حال تعرّض العين للحروق الكيميائية:
- اغسل العين فوراً بكمية كبيرة من الماء النظيف.
- اطلب العلاج الطبي الطارئ على الفور.
ختاماً
إن ظروف الحرب والنزاعات المسلحة، كما حصل ويحصل في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا وغزة وغيرها من المناطق التي شهدت وتشهد صراعات مسلحة، يمكن أن تسبب إصابات خطيرة لعيون المصابين، وأنه غالباً ما ينتج عن هذه الإصابات فقدان البصر أو فقدان العين لدى الكبار والصغار. شهد القَرن الحالي زيادة ملحوظة في صدمات العين وإصابات العين النافذة التي تحتاج إلى عناية عاجلة دون تأخير، ولكن، يا للأسف؛ فإن بيئة الحرب كثيراً ما تقف حجر عثرة أمام الحصول على الخدمات الطبية اللازمة، فتكون النتائج كارثية، إن لم نقل مأساوية.
إذا حدث انفجار ما على مقربة منك، فلا تذهب نحو النافذة لترى ما يحصل، لأن زجاج النافذة قد ينكسر فتتطاير شظاياه لتستقر في عينيك، وهنا تكمن المصيبة، لأن تشخيص وعلاج وإزالة تلك الشظايا، يعتبر أمراً في غاية الصعوبة.
المصادر: