ساد الاعتقاد، طوال عقود مضت، بأن الدهون سيئة للصحة، وأن علينا أن نخفف منها ما استطعنا، لكن الأطباء يعترفون اليوم بأنها من عناصر الغذاء الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.. أساسية في بناء الخلايا، وصيانة الجهاز العصبي، وتصنيع الهرمونات، وفي توليد الطاقة، والحفاظ على حرارة الجسم، وامتصاص الفيتامينات، وبدونها لا يمكن للقلب أو الدماغ أن يؤديا وظيفتيهما على الوجه الأكمل.
اقــرأ أيضاً
ولكن.. ما هي هذه الدهون الضرورية التي نتكلم عنها؟ وهل كل الدهون سواسية في النفع؟
فيما يلي، تصنيف مبدئي للدهون من حيث فوائدها وأضرارها:
1- الدهون المحوَّلة: وهي الدهون الضارة
تصنع معظم هذه الدهون من هدرجة الزيوت (إضافة الهيدروجين لها صنعيا) لجعلها صلبة القوام، وإطالة مدة صلاحيتها، وهي الدهون التي تستخدم في الأطعمة الجاهزة processed foods، والتي تقدم في الوجبات السريعة، ونجدها في الصلصات والتوابل الصناعية مثل الكاتشاب ketchup، والمايونيز mayonnaise، وفي المارجرين margarines، وفي معظم الحلويات، وحتى في بعض أنواع الخبز.
أما سبب الضرر من هذه الدهون، فهو أنها تزيد من الكولسترول السيئ LDL، وتنقص من الكولسترول الجيد HDL في الدم، ما يؤدي إلى تصلب الشرايين، وما يتبعه من نوبات نقص التروية القلبية والسكتات الدماغية.
لذلك عود نفسك أن تقرأ لائحة المكونات على كل طعام مغلف أو معلب تبتاعه، فإذا وجدت تعبير "شحوم أو دهون مهدرجة" على اللائحة (حتى إذا كان التعبير "مهدرجة جزئيا")، فالأفضل لك تجنّب شراء تلك البضاعة.
2- الدهون المشبعة: التي يمكن تناولها باعتدال
وهي -كالدهون المحولة- صلبة القوام (فيما عدا زيت النخيل أو جوز الهند)، لكنها طبيعية غير مصنعة، وهي إما من مصادر حيوانية، مثل اللحوم ومشتقات الحليب كامل الدسم (كالزبدة والجبنة)، أو نباتية.
ومع أن هذه الدهون ترفع كذلك من مستويات الكولسترول في الدم، إلا أن الأخصائيين يعتقدون أن هذا لا يحدث بسبب الدهون المشبعة نفسها بقدر ما يحصل من مشاركتها مع السكريات (كما هي الحال في الحلويات). وينظر الأطباء إلى هذه الدهون اليوم على أنها جيدة وضرورية، شريطة استهلاكها باعتدال.
وتوصي جمعية القلب الأميركية ألا تتجاوز حصتنا من الدهون المشبعة 7% من السعرات الحرارية (الكالوري) اليومية، إن كانت هذه الأخيرة بحدود 2000 كالوري في اليوم (أي ما يعادل 16غ أو 140 سعرة حرارية).
أما إن كان هناك تاريخ عائلي بمرض القلب، فتوصي الجمعية عندها بألا تتجاوز نسبة الدهون المشبعة في طعامنا 5-6 %. وعلينا ألا ننسى أن الأطعمة التي توفر لنا هذه الدهون تحتوي عناصر غذائية أخرى ضرورية للإنسان، فاللحم الأحمر مثلا يزخر بالبروتينات والفيتامينات B ومعدن الحديد.
3- الدهون المتعددة اللاإشباع: وهي شحوم جيدة
نجد هذه الدهون في الطعام على وجهين: الدهون الحمضية أوميغا omega 6، وأوميغا 3، وكلاهما يخفضان من الكولسترول السيئ LDL. وينصح الأخصائيون بأن تكون نسبة شحوم أوميغا 6 إلى أوميغا 3 حوالي 5 أضعاف، لكن معظم الناس يتناولون أضعاف أضعاف ذلك (أكثر من 20 ضعفا)، ما يفسر تركيز الأطباء الأقوى على شحوم أوميغا 3.
ونحصل على شحوم أوميغا 6، خاصة من زيوت الذرة وعباد الشمس والعصفر، وبعض صلصات السلطة والمارجرين. وينصح الأخصائيون بألا تتعدى حصتنا من هذه الدهون 2% من سعراتنا اليومية.
أما شحوم أوميغا 3، فنحصل عليها من السمك، والمكسرات، وبذور الكتان، وقد ثبتت في عدد كبير من الدراسات فوائدها في تخفيف ظاهرة الالتهاب، والحماية من أمراض القلب والأوعية، وتحسين الوظائف الذهنية، وتخفيف تركيز الدهون الثلاثية في الدم، وينصح الأطباء بأن نتناول من هذه الدهون قدر ما يمكننا الحصول عليه (بحيث لا نتجاوز حصة الدهون من مجمل سعراتنا اليومية طبعا).
4- الدهون الوحيدة اللاإشباع: وهي أفضل الدهون
نحصل على هذه الدهون الممتازة من مصادر نباتية وحسب، وهي لا تخفض من الكولسترول السيئ LDL وحسب، إنما ترفع من الكولسترول الجيد HDL كذلك، ما يكفل لنا حماية ممتازة ضد تصلب الشرايين وأمراض القلب. ونحصل على هذه الدهون خاصة من زيت الزيتون والكانولا، والفستق والعصفر وثمرة الأفوكادو، والمكسرات وبذور الكتان والعنب (التي تحتوي أيضا شحوما متعددة اللاإشباع).
* فوائد إضافية للشحوم الصحية
نذكر فيما يلي أهم الفوائد الأخرى للشحوم الوحيدة والمتعددة اللاإشباع:
- الحس بالشبع والاكتفاء
يتطلب هضم الدهون في الجهاز الهضمي فترات أطول نسبيا من البروتينات والكربوهيدرات، ما يجعل الإنسان يشعر بالشبع لفترة أطول بعد تناولها، كما يساعد مذاق الدهون المرغوب على حس الاكتفاء، وعدم الرغبة في المزيد من الطعام.
- دعم خسارة الوزن
يؤدي الإفراط في تناول الدهون إلى زيادة الوزن بالطبع، لكن يمكن للجادين في خسارة وزنهم أن يستفيدوا من خاصية الحس بالاكتفاء والشبع بعد تناول القليل من الدهون، في إنقاص مجمل السعرات الحرارية اليومية التي يستهلكونها، وبالتالي دعم خسارة أوزانهم.
- إبقاء سكر الدم مستقرا
إذا كنت تعاني من استعداد للسكري، وتناولت وجبة من النشويات أو السكريات، وارتفع لديك سكر الدم بسرعة (ما يتبعه حتما هبوط سريع)، الأمر الذي يود كل السكريين تفاديه، لكن إن أضفت لهذه الوجبة بعض الدهون (على هيئة ملعقة زيت زيتون مثلا)، منعت ظاهرة تأرجح سكر الدم لديك من الحدوث، ذلك لأن الدهون تبطئ من سرعة هضم الكربوهيدرات في أنبوبك الهضمي، لذلك تعتبر الدهون من وسائل تنظيم السكر الناجعة.
- امتصاص الفيتامينات
تفيد الدهون الصحية في امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون (فيتامينات A وD وE وK) عن طريق الأنبوب الهضمي، فإذا تناولت خضار السلطة من دون أي صلصة، لن تستفيد من فيتاميناتها هذه، ما لم تضف بعض زيت الزيتون أو المكسرات أو ثمرة الأفوكادو أو حتى بعض الجبن لسلطتك.
* ما يجب أن تكون عليه نسبة الدهون في طعامنا؟
علينا أن نتذكر أن منافع الدهون التي ذكرناها تعتمد على مبدأ تناولها بنسب معتدلة ومقبولة، فالدهون -كلها- تبقى مصدرا عاليا للسعرات الحرارية (إذ تمنحنا 9 سعرات لكل غرام، مقارنة مع البروتينات والكربوهيدرات التي لا تعطي أكثر من 4 سعرات للغرام الواحد)، لذلك ستؤدي إلى البدانة حتما إن لم تراع كمياتها المستهلكة.
ويوصي الأخصائيون اليوم أن نهدف إلى تناول الدهون (خاصة منها الوحيدة اللاإشباع والأوميغا 3) بحيث لا تقل نسبتها عن 20%، ولا تتعدى 30% من مجموع السعرات اليومية المستهلكة.
المصادر:
The Nutrition Source
Why do we need to eat fat?
Exactly How Much Fat You Should Be Eating Each Day