صحــــتك
16 أكتوبر 2021

ناقمة على الدين بسبب تحرش المتدينين بي

في صغري كنت أذهب لحلقات تحفيظ القرآن، وقد تعرضت لأسوأ أنواع الإيذاء النفسي والجسدي وحتي الاعتداء والتحرش الجنسي من قبل هؤلاء الشيوخ وبعض الطلبة الأكبر سنا مني.. حتى أمي كانت تضربني بشدة حتى يترك الضرب أثرا في جسدي كي أحفظ وردي! الآن أنا ناقمة بشدة عليهم وعلى كل ما يتعلق بالدين والقرآن حتى إنني لا أستطيع أن أصلي أو أن اقرأ في المصحف أبدا، أرغب في الانتقام لا اأدري ممن، ولكن جروحي ما زالت تنزف، أبحث عن السكينة ولا أجدها وأرغب في التقرب من الله ولا أعلم كيف. ماذا أفعل؟
ناقمة على الدين بسبب تحرش المتدينين بي
أهلا وسهلا بك يا صديقتي..

كل الجروح مؤلمة، وتبقى الجراح التي تأتي من الأقرب أو من ناحية الأقدس جراحا "مختلفة" في عمقها وشدتها ومدى تأثيرها، فأنا أستطيع أن أتصور كيف كانت جروحك، وأُصَدّقْ أنها لا تزال تنزف، ويُظِل أثرها بداخلك مساحات مهمة في حياتك حتى تلك اللحظة، واختلافها يأتي من وجود "صدمة نفسية" تضاف لألم الإهانة أو سوء التعامل؛ فمن يُفترض أن يكون الملجأ الذي تحتمي به وقت الاحتياج، كان نفسه مصدر الألم والأذى والرفض..


لكن، أبشرك يا صديقتي، رغم ما تعرضت له، أن رغبتك في إصلاح ما حدث بداخلك، وصدق رغبتك في القرب من الله سبحانه هما أهم وأصعب خطوتين في نفس الوقت حين نبدأ خطوات العلاج؛ فلقد وجدنا أن الكثير ممن وقعوا في مثل ما حدث معك، وربما أسوأ وربما أقل؛ قد غرقوا تماما في فكرة الانتقام وكسر الحدود، فلا صوت يعلو بداخلهم فوق هذا الصوت، ويظل المعالج بطرق متعددة ولوقت طويل في محاولات معهم حتى يصل إلى تلك الخطوة؛ ليتمكنوا بعدها من الخطوات التي تليها.

فدعينا الآن نتحدث سويا في الخطوات التالية، والتي إن وجدت صعوبة في هضمها بصدق وممارستها؛ فلا داعي لمزيد من المعاناة وحدك فيها، تواصلي مع معالج نفسي يساعدك بجهد أقل من خلال ما تعلمه من طرق نفسية متعددة تناسب كل شخص وتاريخه.

واقترح عليك ما أراه في شكل نقاط، أظن أن تفهمها وإدراكها المرة تلو الأخرى، ستجدي معها تغييرا يرضيك بإذن الله:
1- الخوف هو أشرس إحساس يتمكن من الشخص حين يدعه يأمر وينهي؛ فيركع له الشخص ويسجد؛ فخوف أمك الشديد على استقامتك جعلها لا ترى سوى أقصر طريق لتطمئن به عليك، ففعلت ما فعلت.


وخوفك من إخبار أهلك بما يفعله الشيوخ جعلك تتعرضين للمزيد، وخوفك من مواجهة هؤلاء المتحرشين جعلهم يكملون في نفس الطريق بأمان وتجرؤ. الخوف هو أكبر هزائمنا يا صديقتي؛ فأول ما تحتاجين لتداركه هو أن تعيدي حجم الخوف إلى حجمه المطلوب في الموقف المناسب بالجرعة المناسبة مع الشخص المناسب، واسمحي لنفسك بالتجربة وقد يحدث خطأ؛ فلتتعلمي منه في القادم حتى تضبطين التعامل مع الخوف.

2- اسمحي لنفسك بالحزن على ما حدث؛ فالحزن طبيعي حين نتألم، ولكن لا تجعليه غولا يلتهمك فيتحول لمعاناة لا تتوقف طوال حياتك، فالحزن حين نقترب منه وندعه يأخذ وقته الطبيعي؛ "ينكمش"، أما المعاناة فهي دائرة جهنمية لا تنكسر إلا بالوعي بها.

3- اسمحي لنفسك بالتعبير عن غضبك، وهذا الكلام رغم أنه صار كلاما يقال كثيرا وقد أثر على استقبال محتواه؛ لكنه لا يزال جزءا من الحل، ولكن الغضب المنظم الذي يجعله يتحرر من دون أن يؤذي أحدًا أو يؤذي الشخص نفسه.



4- النفس لا يصيبها عطب، أو انتهاء، ولكن قد تتشوه، أو تشرخ، أو توصم.. إلخ. لكنها أبدا لا تنتهي أو تصبح عاطلة بلا أمل الإصلاح. ومما يساعد على التئام هذه الجراح العلاجات النفسية وبعض الأدوية.

وأعود إلى العلاقة مع الله وأقول: إن من حولنا ينقلون لنا فهمهم عن الله:

  • فمنهم من فهم عنه أنه الجبار القهار؛ فأرسل لنا نفس الرسالة، فصارت علاقتنا بالله لا تتعدى الخوف والذنب، فلا ألفة ولا أمان ولا رجاء ولا حب.
  • ومنهم من فهم أن الله هو الودود الرحيم اللطيف الصبور، فلا اتزان ولا مراجعة ذاتية ولا رهبة من سوء المصير، ولا طاعة للفروض.
  • ومنهم من تأكد أنه غير موجود.
  • ومنهم من تأكد أن كل شيء لا يحدث إلا بتدخل مباشر منه سبحانه، وغيرهم وغيرهم..

لذا أقترح عليك في هذه النقطة بالذات أن تتعرفي على الله برحلة ذاتية تقررينها مع نفسك بالطريقة التي تتناسب مع ما تشعرين به أنت، والتي قد لا ترفض التعلم على أيدي شيوخ من جديد أو علماء تطمئنين إليهم بالطرق التي تريحك.

فالعلم صار متوفرا بكل طرق التكنولوجيا في أي وقت، فابني لنفسك طريقاً تطمئنين فيه على نفسك وتحترمين رغبتك في القرب من الله وتبجيله ورضاه بتوازن، لا إفراط فيه ولا تفريط. واعلمي أن تلك الرحلة ليست رحلة سهلة، ولكنها في نفس الوقت ليست من أنواع الرحلات المستحيلة، والحمد لله أننا وجدنا أن خوض الإنسان رحلته النفسية الداخلية وإصلاحها أصلحا علاقته مع الله سبحانه في ذات الوقت.
وأخيرًا.. قلت القليل مما كنت أود قوله وتوضيحه بتفصيل يطمئنني عليك، ولكن هذا ما استطعته على أية حال وتابعينا بأخبارك..

آخر تعديل بتاريخ
16 أكتوبر 2021
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.