الحياة بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة عبارة عن رحلة مجهدة، فنحن نعاني من ضغوطات العمل والعلاقات والظروف الاجتماعية والاقتصادية، والجداول المزدحمة واللهاث ليل نهار وغير ذلك من الأمور التي تضغط على نفوسنا؛ وهناك حل بسيط من شأنه أن يجلب لنا الإغاثة الفورية، ويساعدنا على الوصول لحالة من السلام الداخلي، ولن يكلفنا قرشا واحدا.
من أفضل الحلول وأسهلها هو "أن تكون في الطبيعة"، وحتى يمكنك اتباع هذه النصيحة تعال معنا لتتعرف على الأسباب التي تجعل من الطبيعة أقوى سلاح لمواجهة الضغوط والاكتئاب.
* ما المقصود بالطبيعة؟
وعندما نقول الطبيعة؛ فإننا نقصد البيئة التي تعزز السكون والصمت، وهذا لا يعني بالضرورة حديقة كبيرة أو موقعا ريفيا بعيدا عن حياة المدينة، ففي الواقع في كل مدينة مزدحمة وعندما تكون محاطا بالمباني والناس والمظاهر الحضرية؛ لا يزال بإمكانك الوقوف في الخارج، والنظر للسماء، والاستماع إلى الطيور، وسماع ضربات الرياح، ومشاهدة حركة الأشجار تحت تأثير الرياح، ومراقبة شروق الشمس أو غروبها، وبعبارة أخرى، فإن الطبيعة متاحة لنا جميعا، ويمكن أن نأتي بها في الداخل، من خلال جلب النباتات والزهور داخل منازلنا ومكاتبنا؛ مما يساعدنا على الهدوء عندما نشعر بالقلق.
* ما الفوائد التي تعود علينا عندما نكون مع الطبيعة؟
وجودنا وسط الطبيعة يذكرنا بحالتنا الطبيعية، ويذكرنا بالمكان الهادئ الخالي من الضوضاء العقلية التي تملأ عقولنا على مدار اليوم، وعندما نحتضن الطبيعة نصبح قادرين على مراقبة أفكارنا، وعندما لا نكون مع الطبيعة فإن ثرثرة عقلنا يمكن أن تستمر دون أن نلاحظها، وإذا لاحظناها وأدركنا وجودها فإن ذلك يسبب لنا القلق.
هذه الثرثرة أو التعليقات العقلية التي يبدو أنها مستمرة بدون انقطاع ليست حالتنا الطبيعية، ولكنها شيء تعلمنا القيام به في وقت مبكر، وغالبا لا معنى لها، ولا علاقة لها بما يحدث في الوقت الحاضر، ورغم ذلك فنحن نملك سيطرة قليلة عليها.
ولو نظرت إلى أطفال صغار ينخرطون في أي نشاط يشاركون فيه، سواء كان اللعب مع دمية أو تناول الطعام، سترى أنهم يشاركون بشكل كامل في هذه اللحظة، وستجدهم أحرارا تماما من الثرثرة والتعليقات العقلية، وتذكرنا الطبيعة أن هذه الحالة في متناول الجميع، وأن بإمكاننا الولوج إلى حالتنا الطبيعية، لندرك أننا ولدنا بكل ما نحتاج إليه لنحيا بسعادة وسلام داخلي وشفاء من جروح الماضي.
* أنواع العلاقات مع الطبيعة
1. علاقة قصيرة
البقاء مع الطبيعة بشكل يومي هو واحد من الأنشطة الأكثر فائدة التي يمكنك القيام بها لزيادة السعادة والحد من التوتر، ورغم أنك قد تشعر أنك لا تمتلك الوقت الكافي فإن الأمر لا يتطلب إلا بضع دقائق، ويمكن مثلا أن تبدأ بالسير لمدة خمس دقائق على الأقدام في الخارج يوميا، وخلال هذا الوقت افصل نفسك عن الأجهزة الإلكترونية، وأثناء المشي راقب كل ما هو موجود حولك بعناية، انظر إلى السماء، لاحظ أوراق الأشجار والحيوانات الصغيرة من حولك، واستمع باهتمام؛ استمع لأصوات الطيور، وأصوات الرياح، وحتى أصوات خطواتك، ومع الوقت، ستلاحظ أن هناك أشياء لا نهاية لها يمكنك مراقبتها والاستماع إليها.
يمكن أيضا أن تفكر في تناول الطعام في الهواء الطلق عندما يسمح الطقس، بدلا من تناول الغداء في مكتبك أو في صالة الشركة، واحرص على أن تبتعد عن الأجهزة الإلكترونية، وتجنب تعدد المهام أثناء تناول الطعام، وبعبارة أخرى، لا للقراءة والرسائل النصية ولقاءات الزملاء، تناول طعامك في صمت، وراقب الطعام الذي تضعه داخل جسمك، وراقب المناطق المحيطة بك، وقد لا يكون هذا ممكنا كل يوم، ولكن على الأقل احرص على تكراره أكثر من مرة أسبوعيا.
2. علاقة أطول
في حين أن البقاء مع الطبيعة لفترات قصيرة يوميا يمكن أن يكون مفيدا جدا على المدى الطويل، إلا أن إتاحة وقت أطول لذلك سيحقق المزيد من راحة البال.
في هذه الخلوة الطويلة مع الطبيعة أدعوك أن تترك كل شيء يأخذك بعيدا عن احتضان الطبيعة خلفك، بما في ذلك الأجهزة الإلكترونية، ومشغلات الموسيقى، وحتى الكتب، ورغم أن القراءة قد تبدو وكأنها نشاط هادئ، ولكن الأفضل أن تكون أنت وحدك لتشجيع السكون، وحتى تشعر بكونك جزءا من الطبيعة.
وفي حين أن هذا قد يبدو وكأنه اقتراح مستحيل، ولكننا نوصي بوضع جدول للبقاء فترات أطول في أحضان الطبيعة على أساس منتظم، مثلا عطلة نهاية أسبوع كل الشهر، ورغم تقديرنا لطبيعة حياتنا المشغولة، والتي يبدو معها هذا الاقتراح وكأنه اقتراح مجنون، ولكن الحقيقة هي أن الحياة التي نحياها اليوم تستهلكنا بانتظام، مما يجعل البقاء في أحضان الطبيعة أكثر أهمية من أي وقت مضى، ومع السرعة التي من المتوقع أن نؤدي بها مهامنا في مكان العمل، ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، ووسائل الانتقال المجهدة، فلا نتعجب إذا شعرنا أننا استنفذنا تماما.
وجودنا في الطبيعة هو فرصتنا الوحيدة لأن نكون مع أنفسنا وأن نستمع إلى أجسادنا وعقولنا، ونحن في الطبيعة قد ندرك أن الثرثرة العقلية لدينا مكثفة جدا مما يجعل سكون الطبيعة ضاغطا علينا بشكل كبير، كما قد نشعر أن طاقتنا استنفدت تماما عند وصولنا للمكان الذي سنقيم فيه في حضن الطبيعة، وكل هذه المعلومات الهامة سوف تساعدنا على اتخاذ خيارات نقدم فيها رعاية أفضل لعقولنا وأجسادنا.
هناك العديد من الخيارات المثالية للاستجمام والخلوة مع نفسك في أحضان الطبيعة؛ فاختر ما هو متوافر في بلدتك، وما يناسب ميزانيتك وظروفك وطبيعة شخصيتك.
من الرائع أن تقضي عطلة نهاية الأسبوع في خلوة مع نفسك في أحضان الطبيعة، ومع الوقت ستدرك كم هو رائع أن تستفيد من فترات طويلة من الصمت؛ مما قد يجعلك تفكر في قضاء فترات أطول قد تصل لأسبوع مثلا، وقد يدفعك حنينك للصمت إلى احتضان ممارسة التأمل، وقد تجد نفسك مستمتعا بممارسة التأمل لساعات طويلة يوميا، ورغم أن هذا قد لا يناسب الجميع، ولكنه واحد من أكثر الممارسات التحويلية transformative practices التي يمكنك أن تبدأ بها.
وختاما؛ من المهم أن نؤكد أن جعل السكون اليومي القصير جزءا من حياتنا العادية سيتطلب انضباطا؛ ولكن كن على وعي أن كل دقيقة تنفقها على المشي في الخارج أو في تناول الغداء في حديقة تمثل التزامك برعاية نفسك، وفترات السكون الممتدة هي الخطوة التالية في عملية تطوير السلام الداخلي؛ والحقيقة هي أننا جميعا نسعى للوصول للسعادة، وسكون الطبيعة هو مدخلنا لأكبر مصدر للسعادة في العالم وهو التواصل مع أنفسنا.
المصادر:
How to Find Inner Peace