اقــرأ أيضاً
ما هو تفسير العلماء للجوء البعض إلى تكرار التجارب المؤلمة في حياتهم؟
لاحظ كثير من علماء النفس والمعالجين النفسيين منذ سيغموند فرويد وحتى الآن ملاحظة مهمة هي أن بعض الناس لديهم نزعة شديدة وميل غريب إلى تكرار التجارب المؤلمة في حياتهم. بمعنى أن أحدهم حينما يتعرض لتجربة سيئة، يقوم بعدها بتهيئة كل الظروف والأحداث والأشخاص (أنفسهم أو يشبهونهم)، ثم يكرر تلك التجربة السيئة مرة أو مرات أخرى.
ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك بعض الفتيات اللاتي يتعرضن للاعتداء الجنسي أثناء الصغر، إذ تكبر الفتاة ويتحول سلوكها في بعض الأحيان إلى البحث عمن ينتهكها جنسياً، أو تتفنن في بيع نفسها وجسدها بأشكال مختلفة. أو شخص تعرّض للظلم والإهانة والمعاملة القاسية، تجده بعدها يبحث عمن يظلمه ويتوجه إليه، وعمن يعامله بقسوة ويتعلق به.
أو من دخل تجربة عاطفية مؤلمة انتهت بالفشل، وبعد أن يرتاح قلبه ويفيق من صدمته، تجده في تجربة جديدة، اختار فيها نفس الطريق القديم، مع شخص يشبه سابقه، ويكرر نفس التجربة، ويعيد نفس الألم، وينتهي إلى نفس النهاية.
يسمى هذا في التحليل النفسي (التكرار القهري) Repetition compulsion.
ما هي أسباب التكرار القهري؟
هناك أربعة أسباب رئيسية لما يعرف بالتكرار القهري المسبب لحالة تكرار التجارب المؤلمة، وتتمثل هذه الأسباب بما يلي:
- السبب الأول: هو أن يعيد الشخص سيناريو نفس الأحداث القديمة بكل تفاصيلها وأدوارها وظروفها حتى ينهيها نهاية مختلفة غير ما انتهت عليها سابقاً، فيعيد نفس المشاهد الصعبة والمواقف غير المحلولة داخله، يعيد صنعها وتركيبها مع شخص أو أشخاص جدد يُلبسهم نفس الأدوار القديمة (أو حتى الأشخاص أنفسهم) حتى يحل معهم ما لم يقدر على حله سابقاً، أملا بأن تنتهي الأحداث نهاية جديدة وسعيدة ومريحة، بدلاً من النهاية البائسة السابقة.
- السبب الثاني: هو أن ذلك الشخص يكون غالباً في تجاربه الأولى ضعيفاً ومضطراً وقليل الحيلة، وأن ما حدث قد حدث غماً عن إرادته، وشعر وقتها بالذل والانكسار والمهانة، فيعيد كل ذلك الآن بكل حذافيره وتفاصيله، لكن هذه المرة بإرادته وكامل وعيه، أي (بيدي لا بيد عمرو)، ليشعر -ولو بشكل زائف- أن له السيطرة على الأمور، وله التحكم في الأحداث.
- السبب الثالث: هو أنه كان فيما قبل (الضحية) كان مستسلماً ومغلوباً على أمره، فيعود هذه المرة لينتقم، يعيد شريط حياته للوراء، ويكرر نفس التجربة، لكنه يكون هنا (الجاني) ويأخذ ثأره.
السبب الرابع: هو أن بعض من يتعرضون لتجارب وخبرات مؤذية وقاسية في حياتهم يشعرون أحياناً بالذنب لعدم دفاعهم عن أنفسهم، أو لتصورهم أن لهم يداً فيما حدث. أو أنهم ساعدوا الطرف الآخر في أذيتهم، كما تتصور بعض الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش بفعل عوامل نفسية ومجتمعية وثقافية كثيرة. فيبدأ ذلك الشخص في الانتقام من نفسه، وتعذيبها، وجلدها، بتكرار نفس الأحداث، واستدعاء نفس الأذى، واستعذاب نفس الألم. نعم, هناك من الناس من يستلذ بتعذيب نفسه وجلد ذاته دون رحمة.
تكرار التجارب المؤلمة يقود الأشخاص للانخراط في علاقات سامة
ينطبق هذا على بعض العلاقات البشرية المعقدة، كتلك التي تختار فيها الفتاة صاحباً أو حبيباً أو زوجاً مستغلاً Abuser، شخصا أنانياً طماعاً مؤذياً لها نفسياً وعاطفياً وجسدياً، ليس هذا فقط، بل تكون متمسكة به جداً، وتحارب من أجله كل الدنيا، ولو تركها تعود له، ولو غاب عنها تحن إليه، ولا تتحمل فراقه أو بُعده أبداً، برغم كل الإساءة والاستغلال والأذى.
ولو حدث فراق فعلي، فلا تلبث أن تبحث عن أحد له نفس المواصفات، وترتبط به، وتعيد نفس الكرة مرة أخرى، بكل التفاصيل. هناك بالطبع أمثلة أكثر، في علاقات أخرى متعددة، صداقات، وعلاقات زمالة، وزواج، وعلاقات عمل، وغيرها، يتمسك فيها صاحبها بتكرار الألم والتمسك بالأسى وعدم التخلي عنهما. تذكر الآن؛ وتذكر جيدًا، أنت مسؤول فاحذر عندما تقوم بإعادة تكرار التجارب المؤلمة في حياتك في المرات القادمة.
- في كل مرة تعود فيها لمن يؤذيك فأنت مسؤول عن قرارك واختيارك.
- في كل مرة تحن فيها لمن تشعر معه بعدم القيمة فأنت مسؤول عن قرارك واختيارك.
- في كل مرة تذهب فيها لمن يقلل من أهمية وجودك فأنت مسؤول عن قرارك واختيارك.