ما هي الثقة بالنفس ؟
المفاجأة هي أن معظم الكتب والدوريات العلمية الحديثة لا تستخدم تعبير الثقة بالنفس Self-trust على الإطلاق، وإنما تستخدم مصطلحاً أراه أكثر تعبيراً وعمقاً اسمه (استحقاق النفس) Self-worth، وهو ما يتماشى ويفسر وجود عرَض شهير من أعراض مرض الاكتئاب يسمى الشعور بعدم استحقاق النفس Sense of Worthlessness.
هل هناك فرق؟ نعم، هناك فرق بين خدعة الثقة بالنفس وبين الوثوق بما تحمله.
خدعة الثقة بالنفس
لكن الحقيقة، هي أن هذه هي أكبر خدعة لأنفسنا على الإطلاق، لأن هذا الشخص –بكل بساطة- غير موجود إلا في الخيال، وفي أفلام (جيمس بوند)، وأفلام (مهمة مستحيلة)، فالقوي والحسيب والظافر والقاهر هو الخالق، الخالق فقط.
خالقنا هو الوحيد الذي لا يضعف ولا يفشل ولا يخطئ، وله مقادير وتدابير ومعجزات، لكن جهل الإنسان وظلمه لنفسه جعله يتنافس في كثير من الأحيان مع هذه الصفات الإلهية المتفردة تحت مسميات عديدة، أولها (الثقة بالنفس)، وإن نظرة بسيطة على شخصيات مثل (سوبر مان) و(بات مان) و(سبايدر مان) ستكشف لك بكل وضوح ذلك الشغف البشري والهوس التاريخي الدائم، ولكنها في الحقيقة ما هي إلا ما تم اصطلاحه خدعة الثقة بالنفس.
كيف تدرك أنك تستحق ولا ينطبق عليك مصطلح خدعة الثقة بالنفس ؟
أما (استحقاق النفس)، فشيء آخر تماماً..
وحتى لا يتحول المقال إلى محاضرة أكاديمية، سأخبرك بشكل عملي ومباشر ماذا يمكنك أن تفعل حتى تتعامل مع نفسك على أنك (تستحق).
أولاً: أن تعرف وتتأكد أنك بشر، وأنك لست إلهاً، تقبّل أنك تخطئ، وتقبّل أنك تضعف، وتقبّل أنك تفشل، وتلك هي مقومات آدميتك، ودواعي بشريتك.
لن تتعلم دون أن تخطئ، ولن تشعر بقوتك دون أن تضعف، ولن تعرف للنجاح طعماً إذا لم تذق الفشل، فقبول الخطأ صواب، وقبول الضعف قوة، وقبول الفشل نجاح، فلتقبل إذن نفسك كما هي بكلها وكاملها كخطوة أولى في سبيل أي تغيير.
ثانياً: أن تصدّق حتى النخاع أنك (تستحق)، تستحق الحياة، وتستحق الحب، وتستحق الاحترام، وتستحق الاهتمام، وتستحق التقدير، وغير ذلك كثير. لم يخلقك الله جزافاً في هذه الدنيا، بل خلقك وكرمك ووضع في فطرتك وبرنامجك الإلهي ملفاً مهماً اسمه "ولقد كرمنا بني آدم"، وهو هنا يعنيك أنت؛ أنت شخصياً. مطلوب أن تشعر وتصدّق وتمارس هذا الاستحقاق نهاراً وليلاً، دون أن يرتبط ذلك بأي فعل أو إنجاز أو تحقيق. لا تربط أبداً شعورك (باستحقاق النفس) بأي شيء، فتقول مثلاً: أنا أستحق الحب لأنني نجحت، أو أستحق الاحترام لأنني أنجزت كذا، أو أستحق التقدير لأنني حققت كذا، أنت تستحق كل ذلك لأنك موجود، ومن أوجدك قد كرَّمك دون شروط. أنت كريم، أنت مكرَّم، أنت تستحق، مهما حدث.
ثالثاً: أن تعطي نفسك كل يوم فرصة جديدة، وأملاً جديداً، لا تقف ولا توقف نفسك عند أي محطة سابقة في حياتك مهما كانت صعبة أو مؤلمة، لا ترى اليوم بعيون الغد، ولا الغد بعيون اليوم. اعتبر أن كل يوم هو حياة جديدة، واعتبر نفسك كل يوم في خَلق جديد. لا تصدق جملة (اجعل عندك أملاً)، فالأمل موجود بالفعل في داخلك، عليك فقط أن تصدقه وتستخدمه.
رابعاً: أن تكون نفسَك، ونفسك فقط، لا تكن كما يريدك أي أحد، لا تفصِّل نفسك على المقاس الذى يريدك عليه أحد، لا تسمح لأي أحد أن يرى فيك نفسه، ويحاول أن يحقق من خلالك أحلامه الشخصية، لا توافق أن يراك أي أحد على أنك امتداده الشخصي، أو مشروعه الاستثماري. لا تسمح لأي أحد أن يحبك بشروط، أو يقبلك بشروط، أو يحترمك بشروط.
أنت نفسك، نفسك فقط، أنت في رحلة فيها صعود وهبوط، فيها حركة وفيها ثبات، فيها خطوات للأمام وخطوات للخلف، فيها وقوع وفيها اضطراب وحيرة وشك، فيها نور وفيها ظلمات، فيها كل ما فيها، مَن يقبلك بذلك وعلى ذلك فأهلاً به وسهلاً، ومن لا يقبلك كما أنت، لتقل له: شكراً/ ولتكمل رحلتك من دونه.
خامساً وأخيراً: أن تتخلص من إحساسك (المرَضي الزائد) بالذنب، وتتبنى بدلًا منه الإحساس الصحي (بالمسؤولية)، وبدلاً من أن تجلد نفسك كل يوم أو تشنقها كل ليلة، اعتذر لمن أخطأت بحقه، ولا تكرر خطأك (متعمداً) مرة أخرى. بدلاً من أن تيأس وتقنط، سامح نفسك واطلب السماح من خالقك، وثق في عفوه وكرمه ورحمته؛ فالإحساس المرَضي الزائد بالذنب سيوقفك ويسجنك ويشل حركتك، ويجعلك تكرر نفس أخطائك مرة ومرات، أما إحساسك بالمسؤولية، فسيجعلك تتعلم، وتعتذر، وتسامح، وتتغير، وتتحرك، وتتحرر.
أعتقد –بعد كل ذلك- أنه لا يصح أن نتحدث ثانية بشكل مختزل ومشوّه ونمطي عما يسمى الثقة بالنفس ، وألا نخدع أنفسنا بهذا العنوان البراق الخالي من المعنى ومن العمق ومن الحقيقة، وألا نجري وراء هذا السراب بين صفحات الكتب، وفى برامج التلفزيون، خدعة الثقة بالنفس أمر خطير، وقد يجرك غرورك إلى ما لا تحمد عقباه، فلا تنخدع بنفسك كثيراً.
فمن الآن، أنت تستحق.