داء باركنسون هو اضطراب تدريجي يؤثر على الجهاز العصبي وأجزاء الجسم التي تتحكم فيها الأعصاب، وتبدأ الأعراض ببطء، وقد يكون العرَض الأول عبارة عن رعشة ملحوظة بالكاد في يد واحدة فقط. وتعتبر الرعشات شائعة في هذا المرض، لكنه قد يسبب أيضاً تصلباً أو تباطؤاً في الحركة، وتتفاقم أعراض مرض باركنسون مع تقدم الحالة بمرور الوقت. وعلى الرغم من أنه لا يمكن حتى الآن علاج مرض باركنسون بشكل تام، فإن الأدوية قد تحسّن الأعراض بشكل ملحوظ.
ونظراً لأن مرض باركنسون (الشلل الرعاش) يصيب حوالي 6.2 مليون شخص حول العالم، وبالتالي فهو ثاني أكثر الاضطرابات العصبية التنكسية المرتبطة بالشيخوخة شيوعًا بعد مرض الخرَف، فقد أجرينا حوارًا مع الدكتورة حنان خليل، الأستاذة المشاركة في قسم علوم التأهيل ضمن كلية العلوم الصحية في جامعة قطر، لتحدثنا عن داء باركنسون وأعراضه، وسبل الوقاية والعلاج، وتأثير الإصابة بالمرض على حياة المرضى.
نظراً لعملك في مجال التأهيل، فما هي الأعراض الحركية التي تظهر على المريض؟
توجد أربعة أعراض رئيسية تسمى الأعراض الحركية الرئيسية (Cardinal motor symptoms)، وبناء على خبرتنا في تأهيل مرضى الباركنسون، فإن إحدى معايير تشخيص المريض بداء باركنسون أن تجتمع لديه اثنتان من الأعراض الآتية:
- يعاني المريض من رعشة خلال وضعية الراحة (Rest Tremor).
- التيبُّس أو التصلُّب (Rigidity).
- بطء الحركة، مثل بطء المشي (Bradykinesia).
- مشكلات في التوازن، إذ يأتي الكثير من المرضى إلى الطبيب بسبب وقوعهم بدون سبب واضح.
-
أعراض أخرى غير حركية (Non-motor symptoms) قد تظهر على نحو طفيف، لدرجة أن المريض قد لا يدركها في المراحل الأولى، مثل:
-
اضطرابات النوم (Sleep disorders).
- أن يصحو الشخص ليلاً ويتصرف كما لو أنه ما يزال يحلم (تمثيل الأحلام)، واتباع سلوكيات النوم في مرحلة حركة العين السريعة (Rapid eye movement behavior disorder).
- اضطرابات الجهاز الهضمي (Gastrointestinal disorders)، ويغلب عليها أن يشكو الشخص من إمساك مزمن.
- فقدان حاسة الشم.
- قد يعاني المريض من حالات الاكتئاب والقلق.
- قد تقل قدرة المريض على أداء مهمّتين أو أكثر في وقت واحد، مع مراعاة أنه كان بالأصل قادراً على ذلك، مثل قيادة السيارة والخوض في حديث ما في نفس الوقت.
-
ما هي نسبة المصابين بداء باركنسون في دولة قطر مقارنة مع الدول الأخرى؟
لا توجد دراسات وبائية تشير إلى أرقام دقيقة، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن دولة قطر تأتي في الترتيب الثاني عشر عالمياً والرابع عربياً من حيث معدلات الوفيات المعيارية للعمر لدى المصابين بداء باركنسون.
ألا يعتبر هذا الترتيب غريباً بما أننا نتحدث عن دولة صغيرة عدد سكانها قليل مقارنة بالدول الأخرى؟
توجد عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار، إذ تقوم منظمة الصحة العالمية بجمع البيانات من كل الدول حول أعداد الوفيات وأسباب الوفاة، فعندما نتتبع أعداد الوفيات التي نتجت عن مضاعفات داء باركنسون نجد أن قطر تأتي في المرتبة الثانية عشر عالمياً والرابعة عربياً، وأتوقع أن واحدة من أهم الأسباب وراء ذلك هي ازدياد معدل طول العمر في دولة قطر، لأن داء باركنسون عادة ما يصاب به كبار السن، ونسبة كبار السن في دولة قطر تبدو أنها في زيادة مضطردة.
وهنا أريد أن ألفت نظركم إلى دراسة تقول إن نسبة كبار السن البالغين أكثر من 60 عاماً في قطر تشكل حوالي 2.3% من إجمالي عدد السكان، لكن هذه النسبة آخذة بالارتفاع، إذ تشير التقديرات إلى أن هذه النسبة سوف تصل إلى 8.6% بحلول عام 2030. وبشكل عام؛ قد يكون السبب في ارتفاع معدل انتشار مرض باركنسون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك دولة قطر، هو شيخوخة السكان، إلى جانب التغيرات في البيئة مثل زيادة تلوث الهواء، والتغيرات في الأنماط الغذائية وأنماط الحياة.
من وجهة نظرك ما هي سبل الوقاية من داء باركنسون وما مدى نجاعتها؟
هذا السؤال مهم جداً، لكن للأسف لا يمكن تقديم إجابة شافية، إذ إن الدراسات والتجارب العلمية ما تزال قائمة حول تصميم برامج وقائية فعالة للحماية من الإصابة بهذا المرض. وأضافت دكتورة حنان خليل بأنه حتى اليوم لا توجد إجابة ثابتة وأكيدة، وقالت إن الأمر الوحيد الذي يمكنني ذكره الآن يتعلق بالنشاط الحركي للإنسان، فكلما كان الشخص يمارس نشاطات حركية وتمارين رياضية خلال مرحلة الشباب ومنتصف العمر يقل احتمال تعرضه للإصابة بداء باركنسون.
وهنا لا أتحدث عن نشاط غير منتظم، بل أعني التمارين الرياضية المنتظمة التي تصبح جزءاً من نمط حياة الإنسان، مثلاً ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة ثلاث مرات أسبوعياً على الأقل، إذ إن دوام الشخص على ممارسة التمارين الرياضية قد يقلل احتمالية الإصابة بداء باركنسون إلى نسبة 40%، وهذه نسبة لا يُستهان بها. في المقابل، ثمة عوامل تزيد من احتمالية الإصابة، مثل التعرض لبعض أنواع الكيماويات، مثل المبيدات الحشرية التي يَستخدمها المزارعون.
هناك سؤال يراود المصابين بداء باركنسون وذويهم: هل هذا المرض قاتل أم توجد فرص للشفاء منه؟
علينا أن نكون صادقين وواقعيين ونعترف أنه حتى اليوم لا توجد فرص للشفاء التام من هذا المرض، بل على المريض أن يعرف أن عليه التعايش مع المرض، لكن لا يمكننا أن نقول إنه مرض قاتل، أي أنه ليس المسبب الوحيد للوفاة، فالتعايش معه مثل مرض السكري من النوع الأول، إذ إن مرضى السكري يعلمون أن عليهم التعايش مع مرضهم وتناول الأدوية مدى الحياة.
كذلك فإن المصابين بداء باركنسون سيتناولون الأدوية التي تسيطر على أعراض هذا المرض، والتي أثبتت نجاعتها، خصوصاً خلال أول خمس إلى سبع سنوات من التشخيص بالإصابة. إذاً للإجابة على سؤالك؛ فإن داء باركنسون غير قاتل، لكن الوفيات بين المصابين غالباً ما تكون ناتجة عن أحد مضاعفات المرض وليس عن المرض نفسه.
هل يظهر المرض في سن محدّدة؟
غالباً ما يظهر هذا المرض بعد سن الخمسين عاماً، لذلك فإن أكبر عوامل الخطورة التي تزيد من احتمالية الإصابة هو التقدم في السن والشيخوخة.
ما الإجراءات التي تتخذها دولة قطر لمساعدة المصابين بهذا المرض؟
نعمل الآن على التجهيز لمشروع Engage Qatar PD لمساعدة المصابين بداء باركنسون، بالإضافة إلى ذلك، ستقوم دولة قطر باستضافة المخيم التعليمي الخاص بالمنظمة العالمية لداء باركنسون واضطرابات الحركة قبل نهاية عام 2024.
هل يمكن أن تحدّثينا أكثر عن مشروع Engage Qatar PD؟
نعمل الآن على برنامج تدريبي، إذ يتم تعيين مدرّب متخصص بالعلاج الطبيعي يدرّب المصابين بداء باركنسون على التمارين الرياضية التي يمكن لهم ممارستها ويتابع معهم، يعمل معهم على ما يمكن أن نسميه "تكوين العادة"، بحيث يصبح النشاط الرياضي جزءاً من نمط الحياة اليومية. وهذا يتطلب أيضاً دعماً نفسياً يقوم به متخصصون أيضاً يتابعون حالات المرضى.
هل توجد قصص نجاح؟
هنا يجب أن أكرر أنه حتى اليوم لم يتم تسجيل حالة إصابة بداء باركنسون تم التعافي والشفاء منها تماماً، لكن قصص النجاح تحدث طبعاً في نطاق تمكُّن المريض من التعايش مع هذا المرض وعيش حياة طبيعية، والاعتماد على أنفسهم بالأنشطة الحياتية اليومية، وبالتالي تقليل نسبة ازدياد الحالة سوءاً. كان العامل الأساسي في ذلك هو استمرارهم في ممارسة النشاط الجسدي. من المهم جداً أن يبقى المريض نشيطاً، وأن يستمر في ممارسة النشاطات الحركية مثل المشي والأعمال اليومية وبعض التمارين الرياضية. بينما يمكنني القول إن عدم النشاط أمر مضرّ بكل تأكيد، لأنه سيؤدي حتمًا إلى ازدياد الوضع سوءاً، وهذا ما يجعلني أقول إن النشاط البدني بحد ذاته يعدُّ جزءاً من العلاج.
دعيني أخبرك عن نتائج الدراسات الحديثة، فبعد دراسة تطور حالات المصابين بداء باركنسون على مدار عامين، لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين واظبوا على التمارين الرياضية والأنشطة الحركية فوراً بعد التشخيص تمكّنوا من الحفاظ على صحة جسدية أعلى مقارنة بأولئك الذين مارسوا حياتهم دون أنشطة حركية، مما أدى إلى تسارع ازدياد حالتهم سوءاً.
ختاماً، ما أهم النصائح التي تهتمّين بتقديمها للمصابين بداء باركنسون وكذلك لمقدّمي الرعاية؟
يجب فهم فكرة أنه يمكن التعايش مع داء باركنسون وأن العلاج المقدّم فعّال جداً، خصوصاً في المراحل الأولى من المرض، كذلك أنوّه دائماً إلى أهمية الوعي والبحث عن المعلومات من المصادر الموثوقة، وأؤكّد على ضرورة ممارسة الأنشطة البدنية والتمارين الرياضية، كما أهتم جداً بالإشارة إلى أهمية الدعم النفسي لكل من المريض ومن يقوم برعايته.