ذاكرة العضلات والتمارين الرياضية
لعل كثيرًا منا قد عاشوا من قبل تجربة ممارسة رياضة ما، مثل ركوب الدراجة، أو لعب كرة القدم، أو السباحة، ثم تركها لفترة طويلة قد تستمر سنوات تحت ضغط ضرورات الحياة، ولكننا نفاجأ بأن عضلاتنا وأجسامنا تحتفظ بنوع من ذاكرة العضلات لممارسة هذه الرياضات إذا عدنا لممارستها ولو بعد سنوات طويلة. لا شك بأن كفاءتنا في أداء هذه الرياضة تكون بطيئة في أول الأمر، ولكننا سرعان ما نستعيد كثيرًا منها، و"نتذكرها" بعد أيام قليلة. فما هو السر في هذا "التذكر"؟ وهل للعضلات ذاكرة؟
دراسات علمية عن ذاكرة العضلات
في 2 يونيو 2023، نَشرت المجلة العلمية المعتمدة Cell Physiology التي تعنى بدراسة الوظائف الحيوية للخلية، مقالة علمية عن هذه الظاهرة المثيرة في "ذاكرة العضلات". وكانت مجلة Frontiers in Physiology قد نَشرت من قبل مراجعة شاملة عن هذا الموضوع في 25 يناير 2019. فما هي ذاكرة العضلات؟
هل للعضلات ذاكرة حقيقية؟
لعل أول ما يتبادر إلى عقولنا عندما نسمع عن "ذاكرة العضلات" هو تصوّر أن عضلاتنا تتذكر القيام بحركات معينة، مثل تلك التي نقوم بها عندما نقود الدراجة، ولا تنساها تمامًا. بل سرعان ما تستدعيها وتقوم بها بشكل جيد ولو بعد تركها سنوات طويلة. إنما من الناحية العلمية، هناك نوعان مختلفان من الذاكرة وراء هذه الظاهرة:
1 – الذاكرة العصبية: وهي التي تحتفظ بها الخلايا العصبية في الدماغ.
2 – الذاكرة العضلية: وهي التي تكمن في خلايا عضلاتنا.
كيف تعمل الذاكرة العصبية؟
عندما نتعلم أداء مهارة رياضية معينة، مثل المشي، أو ركوب الدراجة، أو السباحة، أو تنطيط الكرة، أو لعب كرة القدم ... تتطور وصلات جديدة بين خلايانا العصبية في الدماغ، وتترسخ هذه الوصلات أكثر كلما استمر قيامنا بهذه الحركات، حتى تصبح نوعًا من الطَّبع المكتسَب أو العادة التي نقوم بها تلقائيًّا دون الحاجة إلى تفكير وتركيز. تكون الحركات صعبة في البداية وتحتاج إلى تركيز وتدريب، ولكن تصبح هذه الحركات عفوية وبسيطة وسريعة مع التدريب والاستمرار في أدائها. عندما نتوقف عن ممارسة هذا النوع من الحركات، لا تختفي الوصلات التي تكوَّنت بين الخلايا العصبية في الدماغ، بل تظل كامنة، وتكون جاهزة لاستعادة نشاطها إذا قررنا العودة إلى ممارسة هذه الحركات التي تركناها منذ فترة طويلة. وهكذا يستعيد المرء قدرته على ركوب الدراجة بسرعة إذا كان قد تعلّم هذه المهارة في طفولته، ويرجع السبب في هذا التذكر إلى احتفاظ الدماغ بالمَسارات والوصلات العصبية التي تنظم تنفيذ هذه الحركات ذاتها من جديد.
كيف تعمل ذاكرة العضلات ؟
تتعلق ذاكرة العضلات بقدرتها على استرجاع قوتها بسرعة. عندما نقوم بأداء تمارين رياضية معينة، مثل الجري أو حمل الأثقال، ثم نتوقف عن ذلك فترة طويلة، نلاحظ حدوث خسارة في حجم وقوة عضلاتنا، وبشكل أسرع مما حدَث عندما كنا نَبني هذه العضلات ونطوّرها من خلال التمارين الشاقة. ولكن إذا عدنا من جديد إلى ممارسة التمارين وحمل الأثقال، فسرعان ما تستعيد العضلات حجمها وقوتها في زمن أقصر مما استغرقته في البداية.
يحدث هذا النوع من "التذكر" لأن أجسامنا عندما تبدأ ببناء حجم وقوة العضلات تضيف خلايا عضلية جديدة، ولكن هذه الخلايا العضلية الجديدة لا تختفي عندما نتوقف عن أداء التمارين الرياضية، بل تبقى كامنة، ويمكن أن تستعيد نموها ونشاطها بسهولة عند الرجوع إلى أداء التمارين.
هل ذاكرة العضلات دائمة؟
لا شك بأننا نفقد القدرة على استعادة نشاطنا العضلي ومهاراتنا الرياضية إذا توقفنا عن ممارستها فترة طويلة، ويختلف طول فترة عدم ممارسة الرياضة التي نفقد بعدها القدرة على استعادة قوتنا مهارتنا الرياضية من شخص إلى آخر، ويصعب حتى الآن تقدير هذه الفترة علميًّا عن طريق إجراء اختبارات وقياسات محدَّدة، إنما يلاحَظ أن طول فترة الاستمرار في أداء التمارين الرياضية يزيد من القدرة على استعادة ذاكرة العضلات بعد فترة أطول من تركها. وقد أظهَرت دراسات علمية وجود اختلاف في أداء العضلات بين الذين يمارسون الرياضة بانتظام، والذين لا يمارسونها إلا نادرًا. ولذلك يَنصح الأطباء والعلماء بعدم الابتعاد فترات طويلة عن ممارسة الرياضة، لأن متابعة الممارسة تقوّي الذاكرة العصبية، وتحافظ على ذاكرة العضلات أيضًا.
وهنا، لا بد من التركيز كذلك على أهمية قوة الإرادة، لأن هذه الميزة تضعف أيضًا كلما ابتعدنا عن استخدامها.
المصادر:
Skeletal muscle memory | American Journal of Physiology-Cell Physiology