نظرًا لأن الطفل الرضيع لا يستطيع الكلام بَعْدُ، فإن البكاء يبقى الوسيلة الوحيدة للتواصل مع والديه، من أجل التعبير عن الجوع أو الوجع أو المرض، أو الشكوى من البلل أو الملل أو عدم الراحة، أو الحاجة إلى شيء يمصّه، أو الحاجة إلى الحضن، أو الحاجة إلى التجشؤ، إلا أن الطفل قد يبكي لأسباب أخرى.
بكاء الطفل الرضيع هو نشاط سلوكي طبيعي يحصل يوميًا، خاصة في الأشهر القليلة الأولى، ويتفاعل معه الوالدان لتلبية احتياجاته، وتقديم الرعاية اللازمة له.
لكن، وعلى الرغم من قيام الأهل بكل ما يلزم تجاه طفلهم من أجل تهدئته وإسكاته، فإن القادم الصغير قد يستمر في البكاء، وهنا قد يشعر الوالدان بالقلق والتوتر خوفًا من احتمال تعرُّض فلذة كبدهم لأمر أكثر خطورة قد يحتاج إلى عناية طبية فورية.
حقائق عن بكاء الطفل الرضيع
تشمل بعض الحقائق عن بكاء الطفل الرضيع:
يبكي الرضيع بمعدل 2 الى 3 ساعات يوميًا، وقد يبدو هذا كثيرًا، ولكن البحوث وجدت أنه طبيعي تمامًا. يمرُّ جميع الأطفال الرضّع في فترات يكون فيها بكاؤهم أكثر، وهناك من يبكي أكثر من غيره، إنها مسألة قد تتعلق بمزاج الطفل.
تقول البحوث العلمية بأن فترة الأشهر الثلاثة الأولى من الحياة هي الفترة التي يبكي فيها الأطفال بشكل أكثر، وأن بكاءهم هو الأشد، وقد أفادت دراسات عديدة، أنه خلال الأسابيع الاثني عشر الأولى من عمر الطفل يتِّبع البكاء نمطًا معَيّنًا يُطلَق عليه اسم "منحنى البكاء"، الذي يوصف كالآتي:
- يبدأ الطفل في البكاء أكثر من الأسبوع الأول حتى الأسبوع الثالث.
- يبلغ البكاء ذروته في الأسبوع السادس إلى الأسبوع الثامن.
- بعد ذلك، يَقِلُّ البكاء بشكل تدريجي حتى يبلغ من العمر 12 أسبوعًا.
- خلال الأشهر الثلاثة الأولى، غالبًا ما يبكي الطفل فجأة، ويتوقف فجأة، إذ نجده سعيدًا لدقيقة واحدة، ولكنه لا يلبث أن ينفجر في نوبة من البكاء قد تستمر لدقائق أو حتى لساعات، خاصة في وقت متأخر من بعد الظهر، أو في وقت مبكّر من المساء، أما عن السبب فليس معروفًا.
- يبكي الأطفال الرضّع وكأنهم يعانون من الألم، مع أنه ليس هناك شيءٌ من هذا القبيل، أي لا يوجد عند الطفل أي ألم. هناك من يدَّعي أنه من خلال صوت الطفل أو تعابير وجهه أو تصرفاته يمكن الاستدلال إلى أنه يعاني من الألم، ولكن هذه الاقتراحات الشائعة الموجودة في أدبيات الطب مضللة، إذ لا شيء يسمح بمعرفة ما إذا كان الطفل يشكو فعلًا من الألم أم لا.
- يجب عدم الاكتراث لبعض الأفكار الجاهزة حول بكاء الرضيع، مثل ترك الطفل يبكي لأن البكاء يجعله جيدًا ويقوِّي رئتيه أو يبني شخصيته، أو ما شابه ذلك، فهذه الأفكار هي تُرَّهات لا أكثر.
هل من المقبول ترك الطفل يبكي لفترة طويلة؟
قد يَنصح البعض من ذوي النوايا الحسنة أن يُترَك الطفل يبكي لأن هذا من شأنه أن يساعده على تهيئة نفسه للنوم، في حين أن البعض الآخر يعارض ذلك.
مَن مِنّا لم يسمع بأسطورة "الطفل المدلَّل" في حكايات الزوجات العجائز التي تقول بأن الطفل "يفسد" إذا ما حُمِل كثيرًا، أو إذا كان الآباء يستجيبون بسرعة كبيرة لبكاء الطفل. إلا أنه، ووفقًا للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فإن الاستجابة السريعة لبكاء الطفل تؤدي إلى بكاء أقل، وإلى طفل أكثر ثقة واستقلالية فيما بعد، وإلى ضغط أقل على الوالدَين.
أظهرت الأبحاث الحديثة أن الاستجابة لبكاء الطفل تحميه من مشكلات الصحة العقلية، ومن ردود الفعل السلبية للتوتر مستقبلًا. المهم أن يفعل الآباء ما في وسْعِهم لزرع الطمأنينة والهدوء عند الطفل، ولا صحة مطلقًا لما يردده البعض حول أن ترك الطفل يبكي لفترات طويلة يجعله يعتمد على نفسه، وينشأ قويًا ومستقلًا.
الآباء وبكاء أطفالهم
كل الآباء يريدون إجابة قاطعة على هذا سؤال مفاده: هل يجب ترك الطفل يبكي؟ الطبيبة الأميركية توفا كلاين، مديرة مركز برنارد كوليدج لتنمية الأطفال الصغار والأستاذة المشاركة في قسم علم النفس، تقول بأنه لا توجد إجابة قاطعة حول ما إذا كان يجب أن تدع طفلك يبكي أم لا، وأن الأمر متروك للوالدين ليقرِّرا ما هو الأفضل بالنسبة له، خاصة أن عمره وشخصيته الفردية واحتياجاته تلعب دورًا مهمًا حول ضرورة تركه يبكي لفترة معيَّنة أم لا.
هل ترك الطفل يبكي لفترات طويلة يسبب له الضرر؟
تجيب الدكتورة كلاين على هذا السؤال: "ما أقوله للوالدين دائمًا هو أن بكاء الأطفال لا يؤذيهم، إنه طريقتهم الوحيدة للتواصل معنا". وتتابع قائلة: "لا يؤذي الطفل أن يبكي طالما أنه غير مريض، أو لا يوجد شيء خاطئ يشكل خطرًا عليه، فالبكاء هو وسيلة الطفل لتعلم كيفية تنظيم نَفَسه في الليل ليحصل على نوم جيد".
إذا كان الطفل يرضع وكان حفّاضه نظيفًا، ولم تظهر عليه أي علامات المرض، فإنه من الأجدى تركه يبكي حتى ينام. قد يكون هذا الأمر صعبًا على الأهل في البداية، إلا أنه عادة ما يكون أسرع طريقة لمساعدة الطفل على تعلم كيفية النوم خلال الليل.
كيف يمكن تهدئة بكاء طفلي؟
ليس سهلًا التعايش مع بكاء الطفل المستمر، خاصة عندما يستنفد الأهل كل وسائل التهدئة التي في حوزتهم. تقول أرلين هاري، طبيبة الأطفال في مؤسسة سوتر الطبية في سكرامنتو الأميركية، بأنه يجب على الأم أن تَعرِف ما يحبُّه طفلها، لأنه أفضل طريقة للاستدلال على كيفية تهدئته. نسوق في السطور التالية عددًا من الحِيَل التي تساعد على تهدئة العفريت الصغير:
- غناء بعض التهويدات من قبل الأهل خاصة من الأم، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة، أو الى أصوات إيقاعية بسيطة، فقد تنجح هذه في تهدئة الجهاز العصبي للطفل، وتعمل على ترويض ضربات قلبه، وعلى تحسين وتيرة أنفاسه.
- تسجيل بكاء الطفل وإسماعه إياه، فقد تفلح هذه الطريقة أيضًا في تشتيت انتباه الطفل، وبالتالي إلى كسر حلقة البكاء لديه.
- توفير بيئة هادئة للطفل من خلال خفض أو إطفاء الأضواء، والحد من الأصوات المزعجة، وتجنب الضوضاء العالية التي تستفز الطفل، فتحفزه وتدفعه إلى البكاء.
- خلق نوع من "الضوضاء البيضاء"، مثل تشغيل مروحة أو مكنسة كهربائية، أو استعمال ضوضاء صادرة عن آلة أخرى كالغسالة أو مجفف الشعر، أو إسماع الطفل ضوضاء مسجلة من خلال تطبيق على الهاتف. إن هذه الضوضاء البيضاء، قد تنجح في إيقاف نوبة البكاء عند الطفل، لأن أصواتها تحاكي ما سمعه الرضيع عندما كان جنينًا يسبح في رحم أمه. أيضًا قد تسمح الضوضاء البيضاء في التغطية على أصوات أخرى صادرة عن لعب الأشقاء أو قرقعة الأطباق. يجدر التنويه هنا إلى ضرورة استعمال أصوات منخفضة من الضوضاء البيضاء حفاظًا على سمع الطفل.
- وضع الطفل في عربته واصطحابه في نزهة، فالحركة غالبًا ما تساعد على تهدئته وتوقفه عن البكاء.
- تغيير المكان، إن مجرد نقل الطفل إلى مكان آخر، مثلا من السرير إلى المطبخ أو من السرير إلى فناء المنزل، قد يكون كافيًا في بعض الأحيان لتغيير مزاج الطفل، ووقف دورة البكاء عنده.
- النظر إلى عينَي الطفل مباشرة، والتحدث إليه بصوت هادئ وناعم لإثارة الطمأنينة لديه.
- حمْل الطفل وضمّه إلى الصدر، والتربيت على ظهره بحركات ثابته ورتيبة، فهذا التواصل يساعد على الاسترخاء والهدوء، ويُقلِّل من مستويات التوتر، ويثير الشعور بالأمان. تفيد الدراسات بحدوث انخفاض كبير في بكاء الأطفال الذين يتم حملهم كل يوم.
- لمس الطفل باليد، خاصة في منطقة البطن، أو وضع الطفل على ظهرة مع دفع إحدى قدميه الواحدة تلو الأخرى برفق باتجاه معدته، فمثل هذه المناورات تولِّد الشعور بالراحة والأمان لدى الطفل.
- منح الطفل حمَّامًا دافئًا، أو الاستحمام معه، فهذا يعزز من استرخاء الطفل، ويهدّئ من قلقه وروعه.
- عدم تحريك الطفل بكثرة، لأن هذا قد يجعله أكثر إثارة، فمثلا، يمكن وضع الصغير في السرير برفق والبقاء بالقرب منه والـتحدث معه. إذا كانت الأم ترضّع طفلها رضاعة طبيعية، فإنه يُنصَح بأن تُعيده إلى حضنها، وأن تعطيه حليبها، فهذا يجعله يهدأ.
- تجريب طريقة ملامسة الجلد للجلد، أي أن يكون جلد الأم على تماس مباشر مع جلد طفلها، فهذا يبعث على الدفء، ويثير شعور الراحة لدى الطفل.
- تحريك الطفل بين الذراعين، أو وضعه في مقعد هزاز أو في أرجوحة.
- تقميط الطفل، فبعض الأطفال قد يُحِبّ ذلك لأنه يثير الهدوء لديه.
- التزام الهدوء، فالأطفال حساسون لمشاعر الآخرين الذي يقومون برعايتهم، فإذا كان هؤلاء يعانون من الغضب والإرهاق والتوتر في الأعصاب، فإن بكاء الطفل لن يهدأ، بل سيصبح أسوأ.
- الالتزام بجدول الطفل، فعلى سبيل المثال، إذا كان بكاء الطفل يبلغ ذروته في نفس الوقت من كل يوم، فإنه يجب عدم جدولة الأنشطة في ذلك الوقت، والعمل على برمجتها في وقت آخر.
- إعطاء الرضيع اللهاية، فقد تساعد بشكل مؤقت على تهدئته وتوقفه عن البكاء.
إذا استمرّ الطفل في البكاء، وفشِلت كل المحاولات في إيقافه؟
قد يفقد غالبية الآباء أعصابهم أمام بكاء الطفل المُفْرِط والمستمر، ما قد يدفع البعض منهم إلى ارتكاب هفوات غير محسوبة العواقب، فإذا شعر أحد الوالدين بأنه لا يستطيع سماع صوت طفله ولو لثانية واحدة، فإنه يتوجب عليه التقيد بالنصائح الآتية تفاديًا للوقوع في المحظور:
- اطلبي من شريككِ أو من شخص آخر تعرفينه محاولة تهدئة الطفل، قبل أن تصابي بالإحباط الذي يمكن أن يجعلكِ تنزلقين نحو ارتكاب هفوات تُعرِّض حياة الطفل للخطر.
- دعي طفلكِ في سريره بشكل آمن، واتركي الغرفة لِلَحظات، كي تستعيدي بعضًا من هدوئكِ.
- ألْقِي نظرة فاحصة على طفلك كل 10 دقائق للتأكد من أنه بخير.
- تجنّبي الاستماع إلى بكاء طفلك قدر الإمكان، إلى أن تستعيدي رباطة جأشك.
- استمعي إلى بعض الموسيقى، أو ضعي سدادات أذن، أو قومي بتشغيل التلفاز لبضع دقائق.
- اتصلي مع شخص يكون محل ثقة يكون قادرًا على مدّ يد العون.
- الاتصال بخط المساعدة الساخن في منطقتك أو بلدك للحصول على دعم سِرّي ومجاني من قبل مختصين محترفين.
ختامًا، يبكي كل الأطفال في العالم وفق نمط ثابت للبكاء، فهم لا يبكون كثيرًا في أول أسبوعَين من العمر، ثم يزداد بكاؤهم بشكل مضطرد خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ليصل إلى الذروة في حوالي شهرين، ليبدأ بالتناقص تدريجيًا بعد ذلك.
إذا كانت الصرخات الأولى للطفل الحديث الولادة هي بمثابة موسيقى تنزل بردًا وسلامًا على آذان الوالدَين، فلن تكون كذلك فيما بعد، إذْ قد يتحول بكاء المولود إلى كابوس مزعج في الأسابيع والأشهر القليلة الأولى من عمره، خاصة عندما تفشل كل المحاولات لإيقاف نحيبه.
سيدي، سيدتي، إذا شعر أحدكما بالإحباط، لدرجة أنه يمكن أن يَخرُج عن طوره فيلجأ إلى تعنيف الطفل وهزه هزًا عنيفًا، فإننا نَنصح بالتروِّي، وعدم هزِّ الطفل أبدًا، لأنه قد يُعرِّض دماغه الهشّ إلى تلف دائم يلازمه مدى الحياة، وربما إلى الموت، فصبرًا على بكاء الطفل، والصبر جميل.
المصادر:
Why babies cry - Naître et grandir
What's a Normal Amount of Crying? - Sutter Health
Should You Let Your Baby Cry It Out? - Insider
www.insider.com
11 Genius Ways to Help a Baby Stop Crying - Parents