عندما يهوي مستوى السوائل في الجسم إلى دون الحد المطلوب لكي يقوم الأخير بالعمليات الاستقلابية الأساسية (الأيضية)، فإن الجفاف يكون على الموعد.
وإذا كان الجفاف يقضّ مضاجع صحة الكبار، وربما يجعلهم في حال يرثى لها، فما بالكم إذا حصل هذا الأمر عند معشر حديثي الولادة والرضع، الذين يُعدّون من أكثر الشرائح العمرية تعرّضًا لخطر الجفاف، والذي قد يكون قاتلًا لديهم في حال عدم تداركه وعلاجه بشكل عاجل لأسباب عدة، من بينها زيادة متطلباتهم من السوائل، وزيادة معدل التبخر لديهم، لأن نسبة مساحة سطح الجسم إلى حجمه أعلى لديهم، ولعدم قدرتهم على التعبير عن عطشهم أو إرواء ظمأهم بأنفسهم.
الجفاف شائع عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
كما ذكرنا أعلاه، فإن الجفاف يحصل عندما لا تتوفر السوائل بكمية كافية لكي تقوم أعضاء الجسم بمهامها العادية. ونظرًا لصغر حجم الطفل الرضيع، فإن نقص السوائل قد يحصل بسرعة، ما قد يترتب عنه مشكلة طبية خطيرة.
في كل يوم يفقد الطفل الماء من خلال التبول وحركات الأمعاء والتعرق والبكاء والتنفس، ويتم تجديد الماء المفقود عن طريق الرضاعة والأكل والشرب، من أجل تأمين مستويات كافية من السوائل والكهارل (الشوارد والأملاح المعدنية)، وتُعَد هذه الأخيرة مهمة للغاية، لأنها تساعد على تنظيم توازن السوائل. هناك 3 أنواع رئيسية من الجفاف هي:
- الجفاف جراء فقدان الماء.
- الجفاف لعدم كفاية الكهارل.
- الجفاف نتيجة انخفاض مستويات كل من الماء والكهارل.
أسباب الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
قد يكون سبب الجفاف عند حديثي الولادة والرضع ما يلي:
- الإسهال.
- التقيؤات المتكررة.
- التعرض المفْرط للحرارة.
- الإصابة بالحروق.
- الحمى الشديدة.
- وجود مشكلات تتعلق بالرضاعة.
- رفض الرضاعة لسبب أو لآخر.
- إهمال الأهل تزويد الطفل بما يحتاجه من السوائل لتعويض ما فقده في اليوم.
أعراض الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
تشمل علامات وأعراض الجفاف عند الأطفال، والأكثر شيوعًا عند الأطفال حديثي الولادة والرضع ما يلي:
- الشحوب.
- العطش.
- النعاس المفْرط.
- الإمساك.
- جفاف الفم واللسان والشفتين.
- قلة التبول.
- تجعد الجلد.
- غور العينين وفقدان البريق فيهما.
- برودة الأطراف.
- ذرف دموع قليلة عند البكاء أو لا دموع على الإطلاق.
- الفتور وقلة النشاط والحيوية.
- ظهور بوادر تشير إلى أن الطفل غريب الأطوار.
- تسارع في وتيرة التنفس وضربات القلب.
- غور اليافوخ.
- رفض الرضاعة.
- وجود أقل من 6 حفاضات مبللة في فترة 24 ساعة.
تشخيص الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
لا يوجد اختبار واحد أو عارض واحد يسمح بالتعرف على الجفاف. يتم تشخيص الجفاف بناء على المعطيات السريرية والاختبارات المعملية.
وتضم المعطيات السريرية معرفة كمية البول، ومعدل التنفس، ومستوى ضغط الدم، وعدد ضربات القلب، وتقييم الوعي، واختبار قرص الجلد، واختبار الضغط على الظفر، وغور العينين.
أما التحريات المخبرية فهي تجرى عادة في الجفاف الشديد، ولكن قد يلجأ إليها الطبيب في الجفاف الخفيف إلى المتوسط، وتضم تحليل البول، وفحص الدم، وزرع البراز، وربما فحوصات أخرى لا تخفى على الطبيب المعالج.
هناك اختباران سريريان يمكن القيام بهما للمساعدة على رصد الجفاف هما:
- اختبار مرونة الجلد، ويمكن التأكد من ذلك من خلال قَرْص الجلد ومن ثم تركه، ففي الجفاف لا يرجع الجلد بسهولة إلى وضعه الطبيعي.
- اختبار ملء الشعيرات الدموية، ويمكن القيام به بالضغط على فراش الظفر بالإصبع إلى أن يبْيَضّ لونه ليتم بعدها تحريره في انتظار عودة اللون للظفر، إذا استغرقت عودة اللون الطبيعي أكثر من ثانيتين فعندها يمكن القول إن الجفاف موجود.
أنواع الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
وفقًا للدائرة الحكومية للصحة الأسترالية ورعاية المسنين، فإنه يمكن تقسيم الجفاف إلى 3 أنواع بناء على رصد العلامات الآتية:
العلامات | جفاف خفيف | جفاف متوسط | جفاف شديد |
النبض | طبيعي | سريع وضعيف | سريع وضعيف |
اليافوخ | طبيعي | غائر | غائر جدًا |
العيون | طبيعية | غائرة | غائرة جدًا |
الدموع | موجودة | غائبة | غائبة |
الأغشية المخاطية | جافة قليلًا | جافة | جافة |
مرونة الجلد | طبيعية | قليلة | مفقودة |
البول | طبيعي | شحيح وأصفر غامق | غائب لساعات |
فقدان الوزن | من 4 - 5% | من 6 - 9% | أكثر من 10% |
كيفية علاج الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع
من المهم جدًا الكشف المبكر عن علامات وأعراض الجفاف وتدبيره بسرعة قبل أن يتجه نحو الأسوأ، ويهدف علاج الجفاف إلى تعويض السوائل والكهارل التي فقدها الجسم، وإعادتها إلى مستوياتها الطبيعية قدر المستطاع.
يمكن علاج الجفاف الخفيف إلى المتوسط منزليًا، فمثلًا؛ الجفاف الناجم عن الإسهال بسبب مرض التهاب المعدة والأمعاء أو حتى لدى المصابين بالتقيؤات، يمكن تدبير الجفاف باستخدام أملاح الإماهة الفموية المتوفرة في الصيدليات، لتعطى على شكل دفعات صغيرة كل بضع دقائق على مدى 3 إلى 4 ساعات، يمكن زيادتها تدريجيًا في حال كانت استجابة الطفل جيدة.
يمكن للأم المُرْضِع أن تثابر على إعطاء طفلها حليبها حتى أثناء إصابته بالجفاف، اللهم إلا إذا كان يتقيأ باستمرار. في المقابل، فإنه يجب التوقف عن إعطاء الطفل الحليب الصناعي أثناء معالجة الجفاف ريثما يستطيع الاحتفاظ بالسوائل، فوقتها يمكن إعادة الرضاعة بالحليب الصناعي.
إذا لم يعط العلاج المنزلي نتيجة ولم تظهر علامات التحسن على الطفل، خاصة في حال الإسهال الصاخب أو التقيؤ المستمر، فإنه لا مفر من نقل الطفل إلى المستشفى لتزويده بالسوائل وريديًا، ولتقييم شدة الجفاف على مدار الساعة وتحت إشراف مقدمي الرعاية الطبية.
متى تتم مراجعة قسم الطوارئ؟
يجب اصطحاب الطفل إلى قسم الإسعاف سريعًا إذا كان الطفل:
- يبدو نعسانًا ومصابًا بالخمول.
- يتقيأ باستمرار.
- مصابًا بزوابع إسهال مستمرة.
- يذرف دمعًا شحيحًا أو لا يفرز الدمع مطلقًا.
- يتنفس على عجل.
- يافوخه غائرًا.
- لديه جفاف في الفم والشفاه.
- أطرافه باردة.
- لديه بول أصفر داكن.
- لم يتبول خلال الـ 8 ساعات الأخيرة.
بعض الملاحظات المهمة
فيما يلي بعض الملاحظات المهمة:
- يمكن أن يصاب حديثو الولادة والرضع بالجفاف دون أن تظهر عندهم علامات واضحة، من هنا يبدو ضروريًا أن تتأكد الأم من حصول طفلها على ما يكفي من السوائل من خلال مراقبة عدد الحفاضات المبللة على مدار اليوم.
- وفقًا للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فإن فقدان السوائل والتقيؤات المزمنة الطويلة الأمد تؤدي إلى ضياع شوارد معدنية (الصوديوم والبوتاسيوم)، وتعتبر مهمة للغاية من أجل الحفاظ على توازن السوائل، والحفاظ على حجم الدم المطلوب، وتقلص العضلات، وانتقال النبضات العصبية.
- وفقًا لدراسة وطنية قام بها باحثون من كلية طب "هارفارد تي اتش تشان" للصحة العامة، فإن أكثر من نصف الأطفال الأميركيين والمراهقين لا يشربون ما يكفي من الماء ما يجعلهم أكثر عرضة للجفاف.
- قد يفكر الأهل بإعطاء الطفل الذي يقل عمره عن 6 أشهر الماء، إلا أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال تُعارض هذا الأمر، وتوصي بإعطائه بدءًا من عمر 6 أشهر وبمعدل 4 إلى 8 أونصات يوميًا لا أكثر.
- قد يخطر في بال بعض الأهل إعطاء الطفل مشروبات الصودا أو الزنجبيل أو الشاي أو العصائر أو حلوى الجيلاتين ومرق الدجاج، فعلى الوالدين تحاشي ذلك؛ لأن تلك المشروبات لا تحتوي على النسب الصحيحة من السكر والأملاح، ما يجعل الإسهال يزداد سوءًا.
- لا يجوز إعطاء الطفل الذي يقل عمره عن عامين الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لعلاج الإسهال، اللهم إلا إذا طلب الطبيب ذلك.
- حذار من إعطاء الطفل الأسبرين.
- حذار من إعطاء الطفل مشروبات الطاقة، لأن مادة الكافائين تضر بصحته.
- يمكن للصيدلي أن يساعد في علاج الجفاف الناجم عن الإسهال وفقدان السوائل، من خلال إعطاء مساحيق مناسبة تخلط بالماء ومن ثم يتم شربها، من أجل تعويض الجسم ما أضاعه من سكر وماء وأملاح وشوارد معدنية.
هل يمكن منع الجفاف عند الأطفال حديثي الولادة والرضع؟
من شبه المستحيل إن لم يكن مستحيلًا منع حدوث الجفاف، لأنه لا يمكن منع العدوى بالفيروسات التي تسبب معظم حالات الجفاف.
يبقى مفتاح الوقاية من الجفاف ومضاعفاته في التعرف على أعراضه وعلاماته مبكرًا، ومن ثم البدء باتخاذ التدابير اللازمة لتعويض السوائل المفقودة وبسرعة، لأنها الضمان في الحصول على الشفاء التام والعاجل من الجفاف.
وخير ما يفعله الأهل هو عدم تعريض الطفل إلى ظروف شديدة الحرارة، والتأكد من أن طفلهم يرتدي ملابس قطنية خفيفة تسمح بعبور الهواء، وعدم لفه ببطانيات أو سترات سميكة أثناء النوم. كما يجب على الأهل التقيد بالنظافة الشخصية عند ملامسة الطفل والتعامل معه، وعند زيارة الأقارب والأصدقاء. أيضًا يجب عدم تفويت المواعيد الضرورية مع الطبيب لتنفيذ الفحوصات الدورية وإعطاء اللقاحات.
الخلاصة
الجفاف يعني أن الجسم يفقد السوائل أكثر مما يأخذ، وهو شائع جدًا، ويؤدي سنويًا إلى قتل ملايين الأطفال حول العالم، خاصة في الدول الفقيرة. إذا حصل الجفاف عند الرضع وصغار الأطفال فإن مضاعفات خطيرة قد تكون في انتظارهم. بغض النظر عن السبب الذي أدى إلى ظهور الجفاف، فإن علاماته وأعراضه غالبًا ما تكون واضحة للعيان نسبيًا، ويمكن رصدها بسهولة من قبل الأهل. إذا كان الطفل يحصل على حاجته من السوائل كل يوم، فإن هذا من شأنه أن يُبعِد شبح تعرضه للجفاف. إذا ساور الأهل أي شك بوجود الجفاف عند الطفل فإن التواصل مع مقدم الرعاية الصحية يصبح ضروريًا لتفادي الوقوع في مطب الجفاف العنيف الذي يحتاج إلى نقل الطفل في اتجاه واحد عنوانه غرفة الطوارئ لتلقي العلاج اللازم بإعطاء المحاليل الوريدية.
المصادر:
Dehydration in Infants: Signs, Causes, Treatment, Prevention
Assessment of dehydration levels in infants - Department of Health
Dehydration in Babies – Symptoms, Causes & Prevention
Dehydration - Johns Hopkins All Children's Hospital
Dehydration in Children: Signs, Treatments - Cleveland Clinic