اقــرأ أيضاً
هل تصدق أن بعض مشاعرك هي في الحقيقة ليست مشاعرك؟ هي مشاعر تم زرعها داخلك تم إلقاؤها من شخص آخر غيرك عليك، أي أنها لا تمت إليك بصلة؟ هذا ما يدعى الإسقاط التقمصي.
ماذا يعني الإسقاط التقمصي
في بعض الأحيان؛ يكون بداخل أحدهم بعض مشاعر الملل والضجر، فتجده يقول لك فجأة: لماذا تبدو متضايقاً؟ ماذا حدث لك اليوم؟ يبدو أن الملل قد أصابك، وهكذا، إلى أن تجد نفسك بعد قليل قد مللت بالفعل، وتضايقت بدون سبب. أحياناً أخرى يلقي عليك شخص آخر ما بداخله من كذب وخيانة وخداع، فيشعرك أنك موضع شك واتهام، حتى تجد نفسك دون أي مبرر تفعل تماماً ما اتهمك هو بفعله مسبقاً.
وآخر قد يكون بداخله غضب لا يعبر عنه، أو حب لا يتحمله، أو كره لا يطيقه، فيبدأ بنفس طريقة الضغط والإقناع في إسقاط مشاعره عليك، بل داخلك، حتى ينتهي بك الأمر إلى أن تعبر (أنت) عما بداخله (هو) دون أن تدري، وربما دون أن يدري هو أيضاً.
كم مرة وقعت في هذا الفخ؟ كم مرة تم زرع بعض المشاعر داخلك؟ كم مرة تعجبت من تصرفاتك أو مشاعرك أو ردود فعلك، وأفقت على تصرف غريب، أو شعور غير معتاد، أو رد فعل ليس من عادتك؟ تسمى هذه الظاهرة الإسقاط التقمصي (projective identification)؛ بمعنى أن أحدهم يُسقط أو يلقي داخلك ما يخصه هو من المشاعر، ويسعى لإقناعك بأنها تخصك وتنتمي إليك، ثم تقوم أنت بكل بساطة ودون وعي باستقبال ما أسقط عليك وتتقمصه وتتبناه وتتحول إليه فعلاً.
تحدث ظاهرة الإسقاط التقمصي هذه على مستوى الأفراد، بمعنى أن يزرع أحدهم داخل الآخر ما لا يطيقه أو يقبله أو يتحمله من مشاعر في نفسه، فيجد الآخر نفسه يحب أو يكره أو يمل أو يغضب أو يخون أو يزوّر دون أي مبرر على الإطلاق، ويمكن أن تحدث أيضاً على مستوى المجموعات أو العائلات، فتجد مجموعة أو عائلة تزرع داخل أحد أفرادها أنه شخص فاشل، أو أنه مكروه، أو أنه مقصر، ويصدّق صاحبنا ما ألقي عليه، ويتبناه، ويتحول إليه بالفعل، فيفشل أو يقصر أو يتحول إلى شخص مكروه.
أخطر ما في ظاهرة الإسقاط التقمصي أنها يمكن أن تحوِّل الشخص إلى شخص آخر مختلف تماماً، وانظروا إلى ما يحدث بين الأصدقاء والأزواج والأسر ليل نهار. ومهم أن تعلم أن من يقوم بهذه اللعبة يحاول أن يصل إلى هدف محدد داخله، قد يكون واعياً أو غير واع به هذا الهدف هو تحقيق رغبة نفسية معينة، وإثبات اعتقاد عقلي سابق عن طريقك، ومن خلالك، فمن يقوم بإخراج الغضب من كل من يتعامل معه.
قد يريد في الحقيقة أن يثبت لنفسه أنه لا أحد يستطيع تحمله، وأنه يحرك الكره فيمن حوله، قد يريد أن يثبت لنفسه أنه مرفوض وغير مرحب به، أو أنه يفخم غيره ويقدسه ويؤلهه، قد يريد أن يظل صغيراً واعتمادياً وغير مسؤول، وهكذا. لعبة نفسية قديمة ومستهلكة وعقيمة ليس لها أي هدف غير الهروب من المسؤولية، وتثبيت فكرة خاطئة، ومشاعر بالية، وتكرارها مرة ومرات.
ماذا تفعل للتخلص من الإسقاط التقمصي ؟
اعلم أنه يوجد بداخلك ما يشبه الفلتر (المرشِّح)، وهو فلتر نفسي داخلي عميق، ربما لم تعلم عنه سابقاً، لأنك لم تستخدمه، لكنه موجود، وفي انتظار أن تستخدمه كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة. في اللحظة التي تجد فيها بعض المشاعر الغريبة عليك وعلى طبيعتك وفطرتك، قم فوراً باسترجاع ما حدث قبلها، قابلت مَن؟ اتصلت بمن؟ تحدثت مع من؟ ماذا رأيت في التلفزيون أو السينما أو الشارع أو العمل؟ تعاملت مع من؟ كيف؟ ولماذا؟ ثم استخدم الفلتر الخاص بك، وخلِّص نفسك من شوائب الآخرين التي ألقوها عليك، وأعد لكل منهم ما يخصه، وابدأ دورة جديدة من تنقية نفسك كل يوم. دورة جديدة من تنقية نفسك، كل يوم.