هل المكملات الغذائية تعادل الأدوية؟
يلجأ كثير من الناس لاستخدام المكملات الغذائية، سواء كانت بشكلها الطبيعي، أو بشكل حبوب ومستخلصات، بدلاً من الأدوية الطبية للوقاية من بعض الأمراض، أو للعلاج. ولكن، هل يمكن الاعتماد على المكملات الغذائية بدلاً من الأدوية في الوقاية والعلاج حقاً؟
ميزات المكملات الغذائية
ينفق الأمريكان نحو 50 مليار دولار كل سنة على المكملات الغذائية، وربما يرجع ذلك لما تتمتع به المكملات الغذائية من الميزات التالية:
- متوفرة غالباً في الأسواق والمحلات والصيدليات.
- تكاليفها أرخص كثيراً من الأدوية الطبية في معظم الأحيان.
- معظم المكملات الغذائية "طبيعية" وليس فيها مستحضرات كيميائية قد تكون ضارة.
- يعتقد معظم الناس أن المكملات الغذائية غير ضارة لأنها طبيعية، وإذا لم تنفع، فلن تضر كما يقال.
أضرار الأدوية الطبية
يعتقد كثير من الناس أن الدوية الطبية ربما تكون ضارة، ويمكن أن تحمل بعض المشاكل التالية:
- غالية الثمن في معظم الأحيان.
- مركبة كيميائياً في المصانع والمختبرات.
- تتعب المعدة، وتسبب كثيراً من الأعراض الجانبية المؤذية.
- شركات الأدوية تسعى إلى الربح مهما كانت أضرار الأدوية التي تنتجها، وتستخدم الدعاية ووسائل خبيثة في "تسويق" أدويتها مع الأطباء والصيادلة.
هل يمكن أن تحل المكملات الغذائية محل الأدوية الطبية فعلاً في الوقاية من الأمراض وعلاجها؟
في الحقيقة، تخضع الأدوية الطبية في معظم دول العالم لمراقبة دقيقة من جهة الهيئات الصحية، ويجب أن يثبت أي دواء جديد أنه فعال وآمن عند استخدامه للوقاية أو للعلاج عند الإنسان قبل أن يسمح بإنتاجه وتسويقه.
ما هي مراحل اختبار وانتاج وتسويق الأدوية الطبية الجديدة؟
تقوم الجامعات والمختبرات وشركات صناعة االأدوية بكثير من الاختبارات الطويلة العالية التكاليف، وذلك أولاً لاختراع أو لاكتشاف دواء جديد، ثم يخضع الدواء لتجارب مخبرية وتجارب كثيرة على حيوانات التجربة لإثبات فعاليته وسلامته، وتنشر نتائج هذه الأبحاث عادة في مجلات علمية موثوقة محكمة تقوم بمناقشة هذه الأبحاث قبل نشرها، كما تقدَّم بعض هذه النتائج في مؤتمرات علمية، تخضع فيها لكثير من النقد والمناقشة.
بعد أن يمر الدواء الجديد من هذه المراحل، تسمح الهيئات الطبية المسؤولة عن مراقبة الأدوية بإجراء تجارب مبدئية عند البشر، تمر عادة بثلاثة مراحل:
- في المرحلة الأولى، يعطى الدواء الجديد لعدد قليل من المتطوعين لكشف فعاليته وسلامته، ولا يتجاوز عدد المتطوعين في المرحلة الأولى بضع عشرات. إذا اتضحت فعالية وسلامة الدواء الجديد، يسمح بانتقاله إلى المرحلة الثانية.
- في المرحلة الثانية، يعطى الدواء الجديد لبضعة مئات من المتطوعين، ويتابع تقييم فعاليته وسلامته. إذا ثبت ذلك، يسمح بالانتقال إلى المرحلة الثالثة.
- في المرحلة الثالثة، يعطى الدواء الجديد لمئات من المرضى أو المتطوعين في مراكز أبحاث متعددة لمتابعة تقييم فعاليته وسلامته.
- إذا أكدت الدراسات في المراحل الثلاثة فعالية وسلامة الدواء الجديد، يرخص عادة بانتاجه وتسويقه، مع إجبار الشركة المنتجة على وضع نشرة مفصلة تبين نوعه، وطريقة عمله، ومتى يمكن استخدامه، وما هي الأضرار الجانبية المحتملة التي لوحظت عند استعماله في هذه الدراسات.
- متابعة المراقبة: تتابع الجهات الصحية المختصة نتائج الاستخدام العام لأي دواء جديد فترة لا تقل عن خمس سنوات، وتسجل كل نتائج لم تذكر من قبل، ويطلب من الشركة المنتجة إضافتها في النشرة المرفقة للدواء، وفي حالات نادرة، قد يتم سحب الدواء بعد ترخيصه إذا ظهرت له اختلاطات أو مشاكل مهمة لم تظهر قبل ذلك في الدراسات الأولية، مثلما حصل في الدواء المسكّن ثاليدومايد الذي ظهر بعد انتاجه وتسويقه أنه يسبب ضمور في تطور الأطراف عند الجنين إذا تناولت الأم هذا الدواء أثناء الحمل.
هل تخضع المكملات الغذائية للمراقبة قبل الانتاج والتسويق، مثل الأدوية؟
تباع المكملات الغذائية بشكل مستخلصات وحبوب، أو بشكل أوراق مجففة جاهزة لغليها في الماء مثل تحضير الشاي ... أو يستخدمها بعض الناس بشكلها الطبيعي، مثل الثوم والبصل والقرفة والكركم والنعنع والفواكه والخضروات ...
لا تخضع المكملات الغذائية في معظم دول العالم حتى الآن للمراقبة قبل انتاجها وتسويقها، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع بصرامة شديدة في مراقبة الأدوية. ولكنها تراقب نتائج استخدام بعض المكملات الغذائية إذا اتضح أنها تسبب بعض الاختلاطات المرَضية، أو أنها تحتوي بعض المواد الضارة، مثلما حدث في وقف انتاج وتسويق بعض مستحضرات زيت الحبة السوداء بعدما اكتُشف أنها تحتوي زيوتاً معدنية ضارة.
تحتاج دراسات فعالية وسلامة المكملات الغذائية وقتاً طويلاً، وتكلفة عالية، وإذا تم هذا فستصبح تكلفتها عالية مثل الأدوية الطبية، ولذلك لا تقوم معظم الشركات التي تنتج وتسوق المكملات الغذائية المحضّرة بشكل مستخلصات وحبوب أو بشكل أوراق مجففة جاهزة لغليها في الماء مثل تحضير الشاي ... بمثل هذه الدراسات العالية التكاليف، خاصة لأن معظم الهيئات الصحية لا تشترط ذلك.
هل هناك دراسات مقارنة بين الأدوية والمكملات الغذائية؟
يكلف إجراء مثل الدراسات مبالغ كبيرة، وتستغرق سنوات في متابعة مئات من الناس قبل أن يمكن إثبات أو نفي فائدة المكملات الغذائية، ومع ذلك فقد أجريت دراسات لتقييم فعالية وسلامة بعض المكملات الغذائية، مثل الدراسات الكثيرة التي أجريت على أنواع الفيتامينات وزيت السمك ومستخلصات بعض الزيوت، مثل الحموض الدهنية غير المشبعة من نوع الأوميغا 3، وقد تفاوتت نتائج هذه الدراسات كثيراً بسبب التفاوت الكبير في نوعية هذه المكملات الغذائية، والتفاوت الكبير في تركيز محتوياتها المفيدة، ولم تصل معظم هذه الدراسات إلى إثباتات علمية حاسمة تظهر فائدتها في الوقاية والعلاج لمعظم الأمراض التي تم تقييمها.
دراسة جديدة من أمريكا
قُدِّمت دراسة جديدة في مؤتمر الجمعية الأمريكية لأمراض القلب الذي عقد بمدينة شيكاغو في 6 نوفمبر 2022. أجريت الدراسة في مستشفى كليفلاند كلينيك، وقام فيها الباحثون بدراسة مقارنة بين مجموعة من المرضى المصابين بارتفاع الكوليسترول الكلي، والكوليسترول الضار LDL، الذين تناولوا جرعة صغيرة من دواء طبي لتخفيض الكوليسترول من فئة الستاتينات، وأجريت مقارنة نتائج هذه المجموعة مع سبع مجموعات مماثلة، تناول أفراد كل منها إما مادة غير فعالة، أو أحد المكملات الغذائية الشائعة التالية: زيت السمك، القرفة، مستخلص الثوم، التورمريك (الكركم)، السترولات النباتية، أرز الخميرة الحمراء.
كيف أجريت الدراسة؟
أجريت الدراسة على نحو 200 شخص بالغ ممن كانت اعمارهم 40 – 75 سنة، وليس لديهم قصة سابقة لمرض في القلب والشرايين، ولديهم ارتفاع خفيف إلى متوسط في الكولسترول الكلي والكوليسترول الضار. تم توزيع المشاركين في الدراسة بشكل عشوائي إلى مجموعات الدراسة، وأجريت قياسات لمستويات الكوليسترول لديهم في الدم قبل وبعد 28 يوماً من تناول الدواء أو المكملات الغذائية المذكورة.
ما هي نتائج الدراسة؟
1 – انخفض الكوليسترول الضار بنسبة 37.9 بالمئة في المجموعة التي تناول أفرادها دواء الستاتين (كريستور 5 مغ يومياً)، كما انخفض الكوليسترول الكلي لديهم 24 بالمئة، بينما لم يحدث أي انخفاض مهم إحصائياً لدى أي من المجموعات الأخرى.
2 – أدى استخدام دواء كريستور إلى انخفاض الشحوم الثلاثية بنسبة 19 بالمئة، ولم يظهر مثل هذا الانخفاض في أي من المجموعات الأخرى.
3 – لم يحدث أي تغير مهم إحصائياً في مستوى الكوليسترول المفيد HDL في أي من المجموعات، بينما حدث انخفاض في مستوى الكوليسترول المفيد في المجموعة التي تناول أفرادها السترولات النباتية.
4 – ارتفعت نسبة الكولسترول الضار LDL في المجموعة التي تناول أفرادها مستخلص الثوم.
5 – لم يظهر أي تغير مهم في مستويات المؤشرات الالتهابية في الدم التي تدل على زيادة احتمال حدوث أمراض شرايين القلب لدى أي من المجموعات.
تختلف نتائج هذه الدراسة الجديدة عن نتائج دراسات سابقة كانت قد أظهرت فائدة تناول أرز الخميرة الحمراء، أو تناول السترولات النباتية، في تخفيض الكوليسترول الضار LDL، وفسر الباحثون هذا بالتفاوت في المحتويات الفعالة بين هذه المكملات المتاحة في الصيدليات والأسواق بحيث أنها لم تظهر نتائج متماثلة وثابتة.
ما الذي يمكن استنتاجه من الدراسة المقارنة الجديدة؟
- لا يمكن الاعتماد على المكملات الغذائية المدروسة في هذا البحث بأنها تحمي من أمراض القلب، وتخفض الكوليسترول ... دون دراسات علمية تثبت ذلك.
- أظهر الدواء المخفض للكوليسترول (كريستور) بجرعة صغيرة (5 مغ يومياً) أنه فعال في تخفيض الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار والشحوم الثلاثية.
- فترة الدراسة الجديدة قصيرة (28 يوماً)، على الرغم من أنها أظهرت فوارق مهمة، وربما تحتاج بعض المكملات إلى فترة متابعة أطول قبل أن تظهر فوائدها.
- مولت الدراسة شركة أسترازينيكا التي تنتج وتسوق دواء كريستور المخفض للكوليسترول الذي استخدم في هذه الدراسة، وعلى الرغم من إصدار مستشفى كليفلاند كلينيك تصريحاً يؤكد تطبيق المنهج العلمي المعتمد في هذه الدراسة، إلا أن ذلك لا ينفي احتمال وجود تحيز في استقراء النتائج.
- يجب القيام بمزيد من الدراسات المقارنة بين الأدوية الطبية وبعض المكملات الغذائية الشائعة الاستعمال، خاصة في بعض الأمراض المهمة، مثل أمراض الشرايين، وأمراض القلب، وأمراض الدماغ، وأمراض السرطان.
- توصي جمعية القلب الأمريكية باتباع نمط الحياة الصحية، خاصة الغذاء الصحي والرياضة اليومية، وعدم الاعتماد فقط على فوائد غير مثبتة للمكملات الغذائية.
المصادر:
Study Refutes Heart Health Claims of Dietary Supplements | MedPage Today