صديقتي الصدوقة تخفي عني بعض أسرارها!
عندي صديقة من العائلة، وهي طيبة وخدومة، ولا تتكلم بغيبة أو نميمة، واهتماماتنا واحدة، وذوقنا واحد، وأنا طبيعتي عفوية، ما يضايقني أنّي أتكلّم بكل شيء يحصل معي، وأعرف أنها تهتم بهذه الأشياء، اكتشفت أنها تخفي عني أشياء كثيرة، يعني أشياء نتشارك باهتمامنا فيها تخفيه عني بوقته، وتظهره في وقت آخر عادي، شعرت إني غبية، لعلها تخاف أن أحسدها أو تريد تتميز، لا أعرف كيف أتعامل معها، فما الحل؟
أهلا وسهلا بك عزيزتي:
كثيراً ما يتميز إنسان بطبع جميل ولطيف، ولكن حين يزداد هذا الطبع عن حدوده دون أن يعي ذلك تكون تلك الزيادة هي ما يحتاج أن يراجعه الشخص، ويجتهد في تغييره؛ فصديقتك شخص قريب منك، ترتاحين معها، تأنسين بمشاركتها ما تحبين مشاركته معها، فهذا جميل وجيد ورائع في العلاقات، وكذلك من جهتها ترتاح هي معكِ، وأنتِ قريبة لها، وتأنس بمشاركتك ما تحب أن تشاركه معكِ، فتفسيرك لاكتشافك أن هناك أشياء لم تخبرك بها؛ هو ما يحتاج اجتهاد منك، فربما هي مع ما ترينه أنتِ إخفاء؛ تتصرف تلقائيًا منها بدون أي نوايا لا تعجبك، أو ربما هي بشخصيتها كما تعرفيها؛ تكون قد شاركت تماماً.
فنحن نختلف عن بعضنا البعض مهما اشتركنا في أمور محددة بعينها، أو ربما لسبب ما قررت ألا تخبرك، أو ربما أنتِ ترتبطين بها ارتباطاً لا يتّسق مع نوع وطبيعة العلاقة بين الأصدقاء، التي تختلف عن نوع وطبيعة العلاقة مع الأقرب، مثل الزوج والأبناء والأهل حين تكون العلاقة معهم سوية، لذا أقترح عليكِ:
- أولا وقبل أي شيء أن تهدّئي من روعك، ولا تستسلمي لتفسير رأسك وحدها، ولاحظي مشاعر الحزن أو الإحساس بالصدمة أو الغضب أو الخذلان، أو غيره، والتي نتجت عن تفسيرك أنت، وخذي وقتك في هذا الانفصال عن تلك المشاعر، حتى لا تقومي بالخطوة الثانية وأنتِ متأثرة بتلك المشاعر، فتفيض على علاقتكما أو حديثكما معاً وتفسدها، ولا أكتمك سراً أننا وجدنا أن فيضان مثل تلك المشاعر لتصرف من التصرفات لشخص نعرفه جيداً أنه كثيراً ما كان يخص مشاعر قديمة لتاريخ سابق في الطفولة أو المراهقة، وتظهر في علاقات الشخص القريبة حين تكون على غير توقعاته، فإن وجدتِ ذلك؛ فاعتني بمراجعة طبيعة ونوع وسياق العلاقات، وكذلك ما تحتمله طبيعة كل علاقة عن غيرها، وإن تشابه بعض ما فيها من مشاعر مع العلاقات الأولية، فمثلاً، العلاقة الطبيعية بالأم فيها القرب الكبير والمصارحة الكبيرة والراحة، والأمان في البوح بما نمر به من مشاعر نشعر فيها بالضعف والهشاشة، دون الخوف من الحكم علينا بالضعف والهشاشة، أو غيرهما، الأم هي من يتفقد ويبدأ بالسؤال والرعاية، بل وتطمئن على أولادها فيما قد يسقط منهم من مصالحة ذاتهم وهكذا، فإذا لم تكن الأم هكذا في حياة أبنائها نجد الكثير من الأبناء يدخلون علاقات صداقة وكأنها علاقتهم مع أمهم التي فقدوها، فيطلبون ويتوقعون من العلاقة ما لا يتسق معها؛ فتفسد رغم جمالها كصداقة، ورغم أنها علاقة تحمل اهتمام ومصارحة وبوح ورعاية ومشاركة، ولكن بشكل وجرعة وحجم يتناسب مع طبيعتها؛ فالصديق ليس أمًا ولا أبًا، ولا ابنًا ولا زوجًا. وأعود فأقول:
- الخطوة الثانية هي الاستفسار بفضول حقيقي أن تعرفي، وليس الفضول الذي يحمل في طياته التحقيق أو اللوم أو البحث عن دليل الكذب، وإن لم تتمكني من ذلك فخذي وقتك حتى تَصِلِي بداخلك لهذا الفضول المحمود، واجتهدي أكثر فيما تحدثت فيه معك، وربما تجدين بعد ذلك في تفسيرها ما يجعلها تراجع تصرفات عندها هي، ولكن بود وتعاطف، فما أجمل أن يكون في حياتنا صديق طيب خدوم لا يغتاب ولا يوقع بين الناس، وتتشابه معه اهتمامات لنا، ونتفق معه في كثير من الاختيارات، دمتما بخير.