التغيرات في الشكل وآثارها على النفسية
أنا حاليا أعاني من تشوه في الأذن بسبب ضربة أدت لالتهابها، بعد ذلك أذني أصبحت صغيرة وتشوَّهت، كما أن المكان الذي أسمع به لم يعد ظاهرًا، غطّاه لحم منفتح، وهذا يدمر حياتي، لا أريد أن أعيش بأذن مشوهة، اقترِحوا لي الحل لتعود أذني طبيعية، أصبحت أكره نفسي وحياتي وأشعر بأنني لست أنا عندما أرى تشوه أذني.
ابنتي عزيزتي:
أشعر بمعاناتكِ يا صديقتي أو أحاول أن أتصورها، وأجدني أسأل الله أن يرزقكِ السكينة وهداة البال، وأن تستقبلي حديثي لك بروح منفتحة وتفهم متعاطف قدر الإمكان، فما حدث معك ليس سهلاً يا صديقتي، ويحتاج منك أولاً وقبل أي شيء أن “تقبلي“ أن ما حدث هو فعلاً حدث، ولكن القبول ليس معناه الموافقة، ولكنه فقط قرب من واقعية المحدودية والعجز اللذان هما من طبيعة البشر من الأساس، ولكن البشر ينسى أو لا يصدق هذا فعلاً بسهولة، وهذا القصد الذي أحدثك عنه بالقبول هو قبول دون موافقة، فالمعادلة ليست كأي معادلة، معادلة تحتاج منك لتركيز في الوصول إليها، وهذا يتطلب التعرف على عدم الموافقة الذي يحمله هذا القبول في نفس الوقت، ورغم صعوبة شرحه رغم وجوده إلا أنني سأحاول.
فعدم الموافقة أمر طبيعي مع وضع أو حدث أو إحساس يكرهه الإنسان، كالمرض مثلاً والموت والفقد بأي شكل من أشكال الفقد لغالي علينا، ولكن في نفس الوقت هو أمر خارج عن قدرات البشر، وكلما حارب البشر ما يكرهه مع افتقاد القدرة على تغيير الحدث من أساسه؛ كلما خسر الإنسان طاقته النفسية وزادت معاناته ولم يصل لهدفه في نفس الوقت، والعجيب أنه لا يعني الاستسلام، فالقبول للمحدودية والعجز أمام مثلاً الأقدار وعدم الاستسلام بأن ما حدث هو الخسران المبين ولا حل؛ هو الاستسلام وليس “القبول مع عدم الموافقة”، لكن القبول مع عدم الموافقة بصدق حقيقي هو الذي يفتح باب “الأمل” في حدوث أمر آخر يجعل ما حدث نقطة اختيار وليست نقطة استسلام، فتجدي مثلاً باباً ينفتح على فكرة إجراء عملية تجميلية لمثل من حدث معه مثلك، ولكن بشكل أكثر تميزاً، أو التخطيط لعملها على يد جراحين متميزين ولو بعد حين، أو ربما تجدين حواراً بداخلك مختلفاً عن تلك اللحظة التي تعيشينها الآن تتعلق بأمور حقيقية جداً -رغم أن استخدامها غير المناسب في الموقف المناسب جعلها تبدو “كلاشيه“ ففعلاً كم فتاة لم تتعرض لتشوه ما ولا تطاق، ولا يحبها أحداً ولا ينظر الناس لوجهها ذي الملامح الطبيعية، هذه حقيقة، ولكن تلك الحقيقة لن تجد لها طريقاً بداخلك ما دمت في حالة الغضب والرفض الذي لا يصل بك لراحة.
ولقد رأيتِ حتماً أشخاصاً تعرضوا لأقدار مثل عدم وجود أرجل لديهم، فأحدهم غضب وثار وانعزل وزادت معاناته وصعوبة تواصله حتى مع مَن يحبونه وانتهت حياته ميتاً يرتدي ثوب حياة، بينما آخر تمكّن من الحصول على ميدالية ذهبية عالمية في الجري لا يتمكن من الحصول عليها صاحب أرجل، وآخر حين قَبِل ما حدث له تمكّن من استخدام يده بشكل مبدع جداً يجعل الأصحاء يخجلون من أنفسهم، وغيرهم كثير.
فربما القدر يجعلنا نلتقي بمحدوديتنا وعجزنا بشكل مباشر، ولكن يظل اختيار تصرفاتنا مع تلك الأقدار متاحة، وأعود فأقول: البداية هي الاقتراب من صدق محدوديتنا، لتتمكني من قبول أن ما حدث واقع، وأنه حدث دون استسلام ودون شجار، وخذي وقتك في ذلك، وحينها ستجدين الكثير من أبواب الإبداع أو الحلول تظهر بشكل تلقائي، وتذكري أنك لا زلت تستكشفين رحلتك مع نفسك ومع الحياة ومع الآخرين ومع الله عز وجل من جوانب أخرى بداخلك، لم يكن لكِ أن تعرفينها أو تتعهدينها إلا من خلال تلك التجربة، فاصبري واحتسبي صبرك في علاقتك بالله سبحانه، دمت بخير.