اكره حياتي وكأن هناك من يتحكم بي
أصبت بنوبة هلع بعد وفاة والدي بثلاثة أشهر، وأشعر بضيق شديد وخوف، ومنذ ذلك الحين أشعر بأن رأسي فارغ وأنني بلا أحاسيس، كرهت الحياة وكأنني لست أنا من يتحكم في نفسي، هل هذا رد فعل طبيعي للصدمة؟ علما أنني كنت أعاني من نوبات هلع وقلق قبل وفاة الأب، لأننا كنا نعاني منذ صغري من مشاكل أسرية.
الأخ الكريم:
لا أحد يتمكن من التأكيد على أن ما تعانيه الآن هو رد فعل للصدمة؛ فرد فعل الإنسان تجاه الصدمة يختلف كثيراً بين البشر؛ فمنهم من يكون رد فعله آني، ومنهم من يأتي خلال شهور، ومنهم من يأتي برد الفعل بعد سنة وسنوات!، ولكن الأرجح من وجهة نظري هي ذاتها نوبات الهلع، فأنت تعاني من القلق، وحين يزداد القلق على جهاز النفسي للإنسان يبدأ جهازه في التعبير عن زيادة كمية القلق التي لا يتمكن من تحملها بعد وقت من محاولات التحمل؛ بطرق متنوعة، ومن ضمن تلك الأشكال المشهورة بين الناس هي نوبات الهلع، والإحساس أنه غريب عن المكان، أو الأحداث من حوله غريبة، وهذه الطرق تتسم بالكثير مما ذكرته؛ فالبعض يقول أنه يشعر وكأن روحه تنسحب منه، والبعض يختبرها كأنه سيفقد تماماً السيطرة على نفسه، والبعض يختبرها وكأنه سيفقد عقله، وكل تلك الأعراض وأكثر تندرج تحت تلك النوبات، ولأن قلقك زاد ربما مع وفاة والدك -رحمة الله عليه- فزادت نوبات الهلع في وضوحها وأعراضها، بعد ما حاول جهازك النفسي احتواء القلق للفترة التي تلت وفاة والدك.
لذا أقترح عليك علاج نوبات الهلع التي تعاني منها، وستجد تغيراً كبيراً جداً لا تتوقعه حين تسكن وتختفي تلك النوبات المزعجة، وستسكن معها نفسك وأفكارك ومشاعرك، وأتمنى لك أن تعالجها بعلاج نفسي بجانب ما قد يشير عليك به طبيبك من أدوية، وحتى تفعل ذلك يمكنني اقتراح عمل الآتي:
- ذكر نفسك بأن كل ما مررت به من أفكار مرعبة عما سيحدث لك لم يحدث على مدار كل تلك السنوات.
- قل لنفسك حين تأتي أنك بخير، وهي مجرد وقت وسيمر كما تعلم ويحدث دوماً.
- حاول إن تمكنت من شغل نفسك بأمور تتطلب تركيزا وليس ما يمكنك فعله، ولكن رأسك لازال مع ما يحدث، فهناك فارق بين أن أنشغل بشيء يتطلب مني تركيزا كاملا من عقلي، وبين القيام بأعمال كثيرة ولو لوقت كثير ولكن رأسك لا زال في الناحية الأخرى، كالسواقة والجلوس مع ناس دون انخراط، الخ كلها أعمال ولكنها لا تشغل كامل ذهنك.
- إن تمكنت من تذكر أمر يفرحك أو تنتظره أو صورة أو أي شيء يكون فيه راحة أو هدوء أو جمال أو فرحة فتذكره وركز فيه بكل حواسك وقت حدوث النوبة، فقد يكون مثلاً مكان فيه خضرة وماء وهواء لطيف يسعدك وجودك فيه؛ فتخيل أنك فيه تشعر بملاطفة الهواء وتشم رائحة الزهور، وتستمع بجمال المنظر، وتشعر بجسمك على الأريكة وترتاح لما ترتديه وتراك ترتديه.
- يمكنك الاستعانة بمن حولك ويفهم جيدا ويقدر تلك الأوقات الصعبة التي تمر بها؛ فتتفق معه على أنك حين تشعر بذلك، ستطلب منه المساعدة بأن تتحدثوا أو تفعلوا شيئاً سوياً، أو يذكرك بأنه وقت وسيمر.
- تذكر أن جسدك بخير، فمن المؤكد أنك قمت بعمل تحاليل وأشعات وتبين أن جسمك كأعضاء بخير، وأن رغم ما تشعر به في جسمك من خلال النَفَسْ والدوار أو ربما الزغللة ودقات القلب المرتفعة ماهي إلا استجابة من جسمك للقلق الذي زاد على صديقه، وهو فقط يعاونه بما يملك -صديقه هو الجهاز النفسي-.
- لا تنتظر النوبة أو تظل تفكر متى ستأتي وكيف ستأتي؛ لأن هذا يساعد على بقائها، ولكن قبول أنها موجودة رغم ثقل ظلها، ومعرفتك أنها ستأخذ وقتها وتنتهي؛ هو ما سيجعلها تختفي بالتدريج؛ فالتجاهل والعراك والاستسلام معها يزيدها، ولكن قبول وجودها وأنت لا توافق على بقائها، وعدم انتظارها هو ما يقلل تكرارها؛ فتتعامل معها على أنها ضيف ثقيل الظل، موجود في حجرة استقبال الضيوف تراه وتعترف بوجوده، ولكن لن تذهب لتشتبك معه بالحديث، وأن تتعامل معه كأنه غير موجود، ولن تستسلم لثقل ظله، وتترك كل أمورك تحت وطأة ثقل ظله.
وأخيراً أقول لك: ثق في الواقع الذي عشته وتعيشه، والذي يؤكد لك طول الوقت أن الخوف من الأمور السيئة لم يحدث معك بكل النسبة التي كنت تتصورها، وأن الموت والمرض والخسارة جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة والبشر وليس العكس، فهو جزء منها، وكلما قبلت هذا بوعي؛ كلما تحررت تجاه الحياة أكثر وأكثر، دمت بخير.
