مع ارتفاع درجات الحرارة صيفًا، تزداد خطورة موجات الحر لا سيّما على الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية. ففي حادثة مأساوية حدثت في صيف عام 2022، قام ستيفان غودوين، المريض بالفصام (انفصام الشخصية) والبالغ من العمر 33 عامًا، بمغادرة منزله في فينيكس بالولايات المتحدة هربًا من الأصوات التي كان يتوهم سماعها ولم يعد، وبعد 36 ساعة من تَجوُّله في حرارة تبلغ 115 درجة فهرنهايت (46.11 درجة مئوية)، وعلى الرغم من محاولات أفراد أسرته ومسعفي الطوارئ العثور عليه ومساعدته، تم العثور عليه ميتًا في أرض خالية بسبب تعرضه للحرارة الشديدة.
تتكرَّر مثل هذه الحوادث مرارًا وتكرارًا، فموجات الحر تصبح أشد وأطول مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري، وتشير التوقعات إلى أن صيف 2024 سيكون الأشد حرارة على الإطلاق، وربما ستشكل درجات الحرارة المرتفعة غير المسبوقة خطرًا كبيرًا على الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية (20% من الأمريكيين).
مخاطر الاكتئاب وأدويته خلال موجات الحر
يشكل الاكتئاب واضطراب تعاطي المخدرات معظم الأمراض النفسية التي يعاني منها مرضى الصحة النفسية. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يزيد عن 21 درجة مئوية، يرتفع عدد زيارات أقسام الطوارئ بسبب الاكتئاب، كما ترتفع معدلات الانتحار في الولايات المتحدة بنسبة 0.7% كلما ترتفع درجة الحرارة بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت.
ويواجه مرضى الاكتئاب مخاطر متزايدة للإصابة بضربة شمس، فالأدوية المضادة للاكتئاب الحديثة، مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين (SNRIs)، تزيد من التعرُّق، مما قد يؤدي إلى الجفاف، وأما الأدوية الأقدم مثل مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات (TCAs) فتقلل من التعرُّق، مما قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم.
مخاطر اضطراب تعاطي المواد (الأدوية والمخدرات) خلال موجات الحر
يواجه الأشخاص الذين يعانون من اضطراب تعاطي المواد (ويُطلق عليه أيضًا اضطراب استعمال المواد أو اضطراب سوء استعمال المواد أو الإدمان) عوامل عديدة تؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية أثناء موجات الحر. الشعور بالسرور عند تعاطي معظم هذه المواد يمكن أن يقلل من قدرة الشخص على الشعور بارتفاع درجة الحرارة، مما يؤدي إلى ارتفاع خطير في درجة حرارة جسمه.
في الواقع، 18% من جميع حالات الوفاة المرتبطة بالحرارة ناجمة عن التسمم الكحولي أو جرعة زائدة من المخدرات، إذ يزيد الكحول من الجفاف، بينما تؤثر المنشطات ومخدر الإكستاسي (MDMA) بشكل مباشر على قدرة الدماغ (منطقة تحت المهاد) على ضبط درجة حرارة الجسم. وفي كثير من الحالات، يشكل الفقر والتشرُّد عقبةً أمام حصول هؤلاء الأشخاص على وسائل التبريد (مثل المكيّفات الهوائية) والسوائل المرطّبة.
الفصام والمخاطر المرتفعة خلال موجات الحر
على الرغم من أن مرضى الفصام لا يمثلون سوى نسبة صغيرة من المصابين بأمراض نفسية، فإنهم الأكثر عرضة للخطر خلال موجات الحر مقارنة بأي مجموعة أخرى، فهم يواجهون خطر وفاة أعلى بثلاث أضعاف مقارنة بمرضى الأمراض المزمنة الأخرى، مثل أمراض القلب، والرئة، والكلى. يصيب الفصام أقل من 1% فقط من مجمل السكان، ولكنه يشكل 8% من جميع حالات الوفاة المرتبطة بالحرارة خلال موجة الحر.
هناك عدة أسباب لهذه الإحصائيات المقلقة، أحد العوامل المحتملة هو أن الأشخاص الذين يعانون من الفصام قد تكون لديهم أفكار غريبة تتعلق بالحرارة وطلب المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الفقر والتشرّد عقبةً أمام حصول الأشخاص الذين يعانون من الفصام على المكيّفات الهوائية والسوائل المرطّبة.
مخاطر الأدوية المضادة للذِّهان خلال موجات الحر
تُضعف الأدوية المضادة للذِّهان قدرة الدماغ (منطقة تحت المهاد) على تنظيم درجة حرارة الجسم، كما أن الأدوية المضادة للكولين، التي يتناولها أيضًا المصابون بالفصام، تقلل من التعرق وترفع درجة حرارة الجسم. كما أن مرض الفصام نفسه، بغض النظر عن أي تأثيرات للأدوية، يؤثر أيضًا بشكل مباشر على تنظيم الحرارة في الجسم.
توصف الأدوية المضادة للذِّهان في كثير من الأحيان للأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب، مما يقلل من قدرة الدماغ على تنظيم درجة حرارة الجسم. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما ينتج هؤلاء المرضى المزيد من الحرارة الداخلية أثناء حالات الهوَس ويزيد نشاطهم الحركي.
مخاطر موجات الحر على مرضى اضطراب فرط الحركة وتَشتت الانتباه والخرَف
يُعاني الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة وتَشتت الانتباه (ADHD) أيضًا من زيادة مستويات النشاط وارتفاع حرارة الجسم الداخلية، وتزيد الأدوية المنشطة التي يتناولها هؤلاء المرضى من المخاطر الصحية خلال موجات الحر من خلال ثلاث آليات مختلفة: ضعف تنظيم الحرارة في منطقة تحت المهاد من الدماغ، وتقليل التعرق، وتقليل الشعور بارتفاع درجة الحرارة.
بشكل عام، يجب حماية المرضى المصابين بالخرَف الذين يعيشون في مراكز الرعاية خلال موجات الحر، حيث تكون هذه المرافق عادة مجهزة بأجهزة تكييف الهواء، كما يتم تدريب الموظفين على توجيه المرضى نحو اتخاذ إجراءات لخفض الحرارة. ومع ذلك، قد يكون الأشخاص المصابون بالخرف الذين يعيشون في المنزل أكثر عرضة للخطر بسبب عدة عوامل، فمرضى الخرف يعانون من انخفاض الإحساس بالحرارة، وغالبًا ما يكونون مرتبكين حول كيفية التصرف عندما يشعرون بعدم الارتياح. كما يُضعف الخرَف آليات تنظيم الحرارة في الدماغ، وقد يعاني مرضى الخرَف الذين يعيشون في المنزل أيضًا من قيود مادية تحد من قدرتهم على الحصول على مكيفات الهواء والسوائل الكافية.
ما الذي يمكن أن يفعله أخصائيو الصحة النفسية؟
يجب على الأطباء وغيرهم من مقدّمي الرعاية الصحية النفسية أن يكونوا على علم بهذه المخاطر المتزايدة لموجات الحر على جميع مرضاهم الذين يعانون من حالات نفسية. كما يجب تحذير المرضى وأهلهم من ارتفاع درجات حرارة الصيف وإعلامهم بالإجراءات الوقائية التي يمكنهم اتخاذها للحفاظ على البرودة، وتشمل هذه الإجراءات:
- تنزيل الستائر.
- ارتداء ملابس فضفاضة.
- التبريد من خلال الاستحمام بالماء البارد، أو استخدام المناشف المبللة بالماء البارد.
- الحفاظ على رطوبة الجسم من خلال شرب السوائل.
- البقاء في الأماكن المجهزة بمكيفات الهواء.