في ظل أنماط الحياة الحديثة، أصبح الجلوس لفترات طويلة جزءًا أساسيًا من الروتين اليومي للكثير من الأشخاص، خاصةً الذين يعملون في المكاتب أو يعتمدون على الأجهزة الإلكترونية. ومع تزايد الدراسات التي ربطت الجلوس لفترات طويلة بالعديد من الأضرار الصحية، بدأ بعض الأشخاص باللجوء إلى حلول بديلة لتفادي تأثيراته السلبية على صحة القلب أو التقليل منها. ومن بين الحلول التي ظهرت مؤخرًا، الاعتقاد بأن الوقوف لفترات طويلة مفيد لصحة القلب، ويمكن أن يقلل من أضرار الجلوس الطويل. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة أن العلاقة بين الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب ليست كما يعتقد البعض، فالوقوف الطويل قد يزيد أيضًا من مخاطر الإصابة بمشكلات الدورة الدموية، ولا يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب.. الحقيقة وراء المفهوم الشائع
أصبح الوقوف على القدمين أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين يسعون لتجنب الأضرار الناجمة عن نمط الحياة المستقر الناتج غالبًا عن الجلوس لفترات طويلة أمام أجهزة الحاسوب أو التلفاز، كما أصبحت المكاتب التي تسمح بوضعية الوقوف أثناء العمل خيارًا شائعًا لدى العاملين في المكاتب، وقد يفضل العاملون في مجالات أخرى الوقوف بدلاً من الجلوس أثناء العمل. ومع ذلك، قد لا يحقق الوقوف النتيجة المطلوبة.
فقد كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة سيدني في أستراليا عن علاقة مقلقة بين الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب ، وأظهرت أن الوقوف الطويل لا يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بل قد يزيد من خطر الإصابة بمشكلات الدورة الدموية. نُشرت الدراسة في المجلة الدولية لعلم الأوبئة (International Journal of Epidemiology) في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب.. تأثيرات سلبية على صحة القلب والأوعية الدموية
شملت الدراسة بيانات 83013 شخصًا بالغًا في المملكة المتحدة تم جمعها على فترة تراوحت بين 7 إلى 8 سنوات، وكان جميع المشاركين لا يعانون من أمراض القلب في بداية الدراسة. أظهرت النتائج أن الوقوف لفترات أطول مقارنة بفترات الجلوس لا يحسن صحة القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل، ولا يحمي من أمراض شرايين القلب التاجية، والسكتات الدماغية، وفشل القلب (قصور القلب)، بل قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بمشكلات الدورة الدموية المرتبطة بالوقوف مثل توسع الأوردة (الدوالي)، وتجلط أو تخثر الأوردة العميقة.
كما أشارت الدراسة إلى أن الجلوس لأكثر من 10 ساعات يوميًا مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بوضعية الجسم، مما يؤكد الحاجة إلى زيادة النشاط البدني على مدار اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت النتائج أن الوقوف لفترات طويلة يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية.
الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب.. كيف يمكن تقليل المخاطر؟
صرَّح الدكتور ماثيو أحمدي، المؤلف الرئيسي للدراسة من كلية الطب والصحة بجامعة سيدني، قائلًا: "الخلاصة الرئيسية هي أن الوقوف لفترات طويلة لن يعوض التأثيرات الصحية السلبية لنمط الحياة المستقر، بل قد يشكل خطرًا على صحة الدورة الدموية لدى بعض الأشخاص. فقد وجدنا أن الوقوف لفترات أطول لا يحسن صحة القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل، بل قد يزيد من مخاطر الإصابة بمشكلات الدورة الدموية".
وأشار إلى وجود طرق أخرى لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية لدى الأشخاص الذين لديهم نمط حياة مستقر. وكان البروفيسور إيمانويل ستاماتاكيس والدكتور أحمدي قد أجريا دراسة نُشرت في وقت سابق من هذا العام أظهرت أن ممارسة حوالي 6 دقائق من التمارين الرياضية المكثفة، أو 30 دقيقة من التمارين المعتدلة المكثفة يوميًا يمكن أن تقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، حتى لدى الأشخاص الذين يقضون أكثر من 11 ساعة يوميًا في الجلوس.
أهمية التحرك وممارسة النشاط البدني للتقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب
على الرغم من أن الباحثين لم يجدوا أي علاقة مفيدة بين الوقوف لفترات طويلة وصحة القلب فقد حذروا من مخاطر الجلوس لفترات طويلة، وأوصوا بأن يحرص الأشخاص الذين عادةً ما يقضون فترات طويلة في الجلوس أو الوقوف على التحرك بشكل دوري على مدار اليوم.
وأوضح البروفيسور ستاماتاكيس قائلًا: "بالنسبة للأشخاص الذين يجلسون لفترات طويلة بشكل مستمر، قد تكون ممارسة النشاط البدني بانتظام على مدار اليوم وممارسة التمارين الرياضية طريقة أفضل للتقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".
وبالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية، نصح البروفيسور ستاماتاكيس هؤلاء الأشخاص بأخذ فترات راحة منتظمة، والمشي، واستخدام السلالم بدلًا من المصاعد، وأخذ فترات راحة عند القيادة لمسافات طويلة، والتحرك خلال الاجتماعات، واستغلال ساعة الغداء للابتعاد عن المكتب والقيام ببعض الأنشطة البدنية.