ما هي الآثار الصحية الناجمة عن التعرض للمواد الكيميائية PFAS، وماذا يعني اختصار PFAS؟ هذا ما سنجيب عليه في مقالنا هذا.
هو اختصار per-polyfluoroalkyl substances أو المواد المتعددة والبيرفلوروألكيل، وتسمى هذه الكيماويات forever chemicals (كيماويات للأبد)، وصف رولاند ويبر، مستشار بيئي لدى الأمم المتحدة، هذه المواد باعتبارها من أكثر المواد الكيميائية المخترَعة تهديدًا على صحة الإنسان.
ما هي PFAS؟
هي مجموعة متنوعة من آلاف المواد الكيميائية التي تضم أكثر من 4700 مركّب تتألف من سلسلة من ذرات الكربون والفلور، التي لا تتحلل في البيئة، تم استخدامها منذ الأربعينيات من القرن الماضي في مئات الأنواع من المنتجات. يمكن أن تدخل PFAS الموجودة في البيئة إلى الإمدادات الغذائية من خلال النباتات والحيوانات التي يتم زراعتها أو تربيتها أو معالجتها في المناطق الملوثة، ومن الممكن أيضًا أن تدخل كميات صغيرة جدًا من PFAS إلى الأطعمة من خلال أغلفة وحاويات الوجبات السريعة المقاوِمة للزيوت والشحوم وأدوات الطهي غير قابلة للالتصاق.
كان يُعتقد في الأصل أن PFAS خاملة وغير سامة، ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أصبحت PFAS مصدر قلق صحي عالمي خطير بسبب وجودها في كل مكان في البيئة، وزيادة التقارير عن السُّمّية في كل من البشر والحيوانات. من بين آلاف المركّبات التي تشكل PFAS، يُعَد حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA) وحمض السلفونيك البيرفلوروكتاني (PFOS) الأكثر شيوعًا، وبالتالي فهو الأكثر توثيقًا ودراسة في جميع أنحاء العالم.
هل توجد هذه المواد في جسدي؟
تم الكشف عن وجود هذه المواد الكيميائية في دم 97٪ من الأمريكيين، وذلك بحسب تقرير صادر عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها خلال عام 2019، فيما كشفت دراسات في الهند وإندونيسيا والفلبين العثور على هذه المواد في جميع عينات حليب الأمهات التي تم اختبارها. وفي ألمانيا، تم التوصل إلى أن كل طفل يحتوي جسده على مواد كيمائية دائمة، وفي خُمس الحالات تجاوزت التركيزات المستويات الحرجة.
ففي عام 2017، فحصت دراسة نحو 400 عينة من أغلفة الطعام وحاويات الورق المقوّى وعلب المشروبات في مطاعم الوجبات السريعة بجميع أنحاء الولايات المتحدة، وُجِد أن 56٪ من أغلفة الحلويات والخبز، و38٪ من أغلفة الساندويشات وشطائر البرغر، و20٪ من أغلفة الورق المقوى، تحتوي على مستويات يمكن اكتشافها من مواد "PFAS" الكيميائية. ووجدت الدراسة أن أكثر من ثلث العيّنات التي تم اختبارها هي ذات مستويات مرتفعة تتجاوز ما يُعتَبر مقبولاً.
الآثار الصحية الناجمة عن التعرض للمواد الكيميائية PFAS
أولًا: التعرّض للمواد الكيميائية وعقم الذكور
قام العلماء في جامعة سينسيناتي بتحليل الدراسات التي ركزت على نوع معيّن من المواد الكيميائية PFAS (PFOS)، وكيف يمكن أن يؤثر التعرض لها على الصحة الإنجابية للذكور. ولاحظ الباحثون أن PFAS قد سببت اختلالات في الغدد الصماء، ويمكن أن تضر الجهاز التناسلي. وبشكل أكثر تحديدًا، لاحَظوا أن الدراسات التي أجريت في المختبر وعلى الفئران أظهرت انخفاضًا في مستويات هرمون التستوستيرون عند التعرض لـPFAS.
ثانيا: التعرض للمواد الكيميائية والإجهاض
قامت دراسة أجرتها جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية بتقييم التعرض قبل الولادة لسبعة أنواع مختلفة من PFAS، وخطر الإجهاض. حددت الدراسة أن مجموعة النساء اللاتي لديهن كميات أعلى من PFAS في بلازما الأم لديهن زيادة في خطر الإجهاض بنسبة 80٪ مقارنة بأولئك اللاتي لديهن كميات أقل من PFAS، وأدرج الباحثون مياه الشرب، وتغليف المواد الغذائية، والتعرضات البيئية الأخرى باعتبارها الطرق الرئيسية للابتلاع أو الاستنشاق في جسم الإنسان.
ثالثًا: التعرض للمواد الكيميائية وتسمم الحمل
تَسمُّم الحمل هو حالة خطيرة بالنسبة للنساء الحوامل، إذ يسبب ارتفاعَ ضغط الدم لدى الأم، وارتفاع البروتين في البول، والولادة المبكرة. درس العلماء في السويد مجموعة مكونة من أكثر من 1700 امرأة حامل، ولاحظوا حدوث تسمم الحمل. حتى بعد التحكم في العوامل الأخرى الموجودة مسبقًا كعوامل خطر محتملة في الحمل، لاحظوا أن هناك ارتباطًا كبيرًا بين حدوث تسمم الحمل وتركيزات PFAS في النساء الحوامل.
رابعًا: التعرض للمواد الكيميائية وانخفاض الوزن عند الولادة
تابع العلماء في السويد مجموعة مكونة من 1533 من الأمهات الحوامل، وقاموا بقياس مستويات 8 أنواع مختلفة من PFAS في دمائهن في الأسبوع العاشر من الحمل تقريبًا. تم ربط 5 أنواع منها بانخفاض أوزان المواليد، وانخفاض أوزان المواليد بالنسبة لعمر الحمل، حدث هذا بشكل متكرر عند الفتيات الصغيرات أكثر من الأولاد.
خامسًا: التعرض للمواد الكيميائية وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد والكلى والخصية
في دراسة قام بها علماء من جامعة جنوب كاليفورنيا، تم قياس مستويات PFAS من عينات دم المرضى، وعلى وجه التحديد، وجدوا أن مستويات السلفونات المشبعة بالفلور أوكتين ارتبطت بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الكبد بمقدار 4.5 مرة بسبب التغيرات في المسارات الأيضية.
قام الباحثون في المعهد الوطني للسرطان بتحليل مستويات الدم لثمانية أنواع مختلفة من مركّبات PFAS من 324 مريضًا بسرطان الخلايا الكلوية (RCC)، وبعد التحكم في العمر والتركيبة السكانية وعوامل أخرى، لاحظوا وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين PFOA وسرطان الخلايا الكلوية، وأشار الباحثون إلى أن النتائج التي توصلوا إليها تضيف بشكل كبير إلى أن (PFOA) هو مادة مسرطِنة للكلى.
أجرى الأساتذة في جامعة كاليفورنيا، مراجعة شاملة للدراسات التي تمت والتي تتعلق بحمض PFOA بحدوث سرطان الكلى والخصية، وخلص الباحثون إلى أنه على الرغم من صغر حجم العينة، فقد لاحظوا زيادة نسبية متوسطة في خطر الإصابة بالسرطان لكل زيادة قدرها 10 نانوغرام/مل في الدم من (PFOA) بنسبة 16% لسرطان الكلى و3% لسرطان الخصية.
سادسًا: التعرض للمواد الكيميائية وتلف الكبد
في دراسة صدرت في مجلة Environmental Health Perspectives، أجرى العلماء مراجعة شاملة ومنهجية لأكثر من 100 دراسة على كل من الجرذان والبشر، والتي تتضمن العلاقة بين PFAS ووظيفة الكبد، واستخدموا إنزيم ألانين أمينوترانسفيراز (ALT) في المصل كعلامة للإشارة إلى إصابة الكبد، واكتشفوا أن ارتفاع مستويات ALT ارتبطت بالتعرض لمركّبات PFAS.
سابعًا: التعرض للمواد الكيميائية ومرض الغدة الدرقية
قام العلماء في كوريا بتقييم عينات من 3070 شخصًا تم اختبار عينات دمهم لـ 12 نوعًا مختلفًا من PFAS، وأيضًا ضد مستويات هرمونات الغدة الدرقية TSH وT3 وT4، ولاحظوا أن التركيزات المرتفعة من PFAS في المصل كانت مرتبطة بمستويات غير طبيعية من هرمون الغدة الدرقية.
ثامنًا: التعرض للمواد الكيميائية وزيادة خطر الإصابة بالربو
قام العلماء في النرويج بدراسة على مراهقين أكملوا استبيانات حول ظروفهم الصحية، ثم تم اختبار دمائهم لقياس مستويات المصل لـ 18 مادة كيميائية مختلفة منPFAS، كان هناك ارتباط ذو دلالة إحصائية بين العديد من أنواع PFAS وحدوث الربو.
تاسعًا: التعرض للمواد الكيميائية وتغير مستويات فيتامين د، وزيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام
قام العلماء في السويد بتحليل البيانات لأكثر من 60.000 شخص تعرَّضوا لحالات كسور العظام الكبيرة، وقارنوا هؤلاء المرضى بمستويات التعرض لـ PFAS بناءً على إمدادات المياه الخاصة بهم، وزادت دراساتهم من الأدلة على أن التعرض لـ PFAS ضار بكثافة العظام، وقد يزيد من الإصابة بهشاشة العظام.
عاشرًا: التعرض للمواد الكيميائية وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري
تابعت دراسة نشرتها كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان أكثر من 1200 امرأة بين عامي 2000 - 2017، وتم التحكم فيها بالعوامل الديموغرافية والصحية. لم يكن أي منهم مصابًا بالسكري عندما دخلوا الدراسة. تم قياس مستويات PFAS في الدم ومقارنتها بالعوامل التي تشير إلى مرض السكري، أشارت النتائج إلى أن ارتفاع مستويات PFAS في الدم يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري.
الحادي عشر: التعرض للمواد الكيميائية وزيادة خطر ارتفاع ضغط الدم لدى النساء
نشرت كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان مؤخرًا دراسة تابعت 1058 "امرأة في منتصف العمر" خالية في البداية من ارتفاع ضغط الدم مع زيارات متابعة سنوية بين عامي 1999 و2017. وُجد أن 470 من أصل 1058 امرأة أصيبت بارتفاع ضغط الدم.
كانت النساء ذوات التركيزات الأعلى من مواد كيميائية محددة من PFAS أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وكان للتعرض المشترك للعديد من PFAS تأثير أقوى على ضغط الدم.
الثاني عشر: التعرض للمواد الكيميائية وزيادة المخاطر الناجمة عن الإصابة بكوفيد-19
بحثت دراسة أجرتها جامعة هارفارد في عام 2019 فيما إذا كانت المواد الكيميائية PFAS مرتبطة بنتائج كوفيد-19، وقام الباحثون بدراسة 323 مريضًا بفيروس كورونا، واختبروا عينات دم لخمسة أنواع مختلفة من مركّباتPFAS، ولاحظوا أن PFBA يتراكم في الرئتين. وارتبط المرضى الذين لديهم مستويات أعلى من PFBA في الدم بحالات عدوى أكثر خطورة بكوفيد-19. كان المرضى الذين لديهم مستويات عالية من PFBA في الدم أكثر عرضة لدخول المستشفى ودخول العناية المركزة والوفاة بسبب كوفيد-19 مقارنة بالأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة منPFBA.
كيفية تجنب المواد الكيميائية PFAS
لا توجد حاليًا طريقة لإزالة PFAS بشكل فعال من جسم الإنسان. تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن (PFOA) يُفرز في الغالب في البول، لكن العلماء يقدّرون أن هذا قد يمثّل 20٪ فقط من PFAS في البشر.
يتفق العلماء على أن أفضل ما يمكن فعله لتخفيف PFAS في الجسم هو تقليل التعرض له. إن استخدام المرشحات لمياه الشرب التي تقلل بشكل كبير من PFAS يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في تقليل تعرض الفرد بشكل عام لـ PFAS.
كما أن استبدال أواني الطهي غير اللاصقة ببدائل، مثل الفولاذ المقاوم للصدأ والسيراميك، يمكن أيضًا أن يقلل من التعرض لـ PFAS.
التعرض للمواد الكيميائية.. الخلاصة
- المواد المتعددة والبيرفلوروألكيل (PFAS) هي مجموعة متنوعة من آلاف المواد الكيميائية التي لا تتحلل في البيئة.
- يمكن أن تدخل PFAS الموجودة في البيئة إلى الإمدادات الغذائية من خلال النباتات والحيوانات التي يتم زراعتها أو تربيتها في المناطق الملوثة. من الممكن أيضًا أن تدخل كميات صغيرة جدًا من PFAS إلى الأطعمة من خلال أغلفة وحاويات الوجبات السريعة وأدوات الطهي غير القابلة للالتصاق.
- هناك أدلة على الضرر الذي يمكن أن تسببه مواد "PFAS" للجسم، وبالتالي، وجدت الأبحاث أن التعرض لـ"PFAS" مرتبط بعقم الذكور، والإجهاض، وتسمم الحمل، وانخفاض الوزن عند الولادة، وتليف الكبد، واضطرابات المناعة، والسرطان، واضطراب الغدد الصماء، ما يعني أنها تتداخل مع عمليات الهرمونات الطبيعية في الجسم.
- أفضل ما يمكن فعله لتخفيف PFAS في الجسم هو تقليل التعرض له.