صحــــتك

الطفل الكاذب وكيفية التعامل معه وتعديل سلوكه

الصورة
مجدي سعيد
الطفل الكاذب
الطفل الكاذب
الطفل الكاذب حالة شائعة بين أغلب الأطفال، فكل الأطفال يحكون الأكاذيب من وقت إلى آخر، وفي الواقع؛ فإن قدرة الطفل على اختراع الأكاذيب الفعالة تعتبر علامة على الذكاء، وإذا نظرت إلى المكونات الضرورية لأبسط الأكاذيب، فإنها تحتاج قدرًا معينًا من التطور الاجتماعي والعصبي والفكري والعاطفي. وقد يكذب الأطفال لأسباب عديدة، فقد يرغبون في تجنب العواقب، أو بقول ما يتبادر إلى ذهنهم حتى لو لم يكن صحيحاً، وقد يبدأ الأطفال بالكذب فجأة، وقد يكون هذا صادماً للآباء، لكن معرفة سبب كذب الطفل وكيفية التحدث معه يمكن أن يساعد في إيقاف هذا السلوك، فكيف يمكن التعامل مع الطفل الكاذب وكيف يمكن تعديل سلوكه؟

ما هي الأسباب التي تجعل الطفل يكذب؟

يعتقد معظم الآباء أن أطفالهم يكذبون للحصول على شيء يريدونه، أو لتجنب عواقب ما، أو للتخلص من شيء لا يريدون فعله، وهذه دوافع شائعة. ولكن هناك أيضاً بعض الأسباب الأقل وضوحاً التي قد تجعل الأطفال لا يقولون الحقيقة، أو على الأقل الحقيقة كاملة، وتتضمن الأسباب المحتملة لقيام الطفل الكاذب بالكذب ما يلي:

  •  تعزيز احترام الذات

تختلف أسباب الكذب من طفل لآخر، ومع ذلك، فإن معظم الأطفال يكذبون لأنهم يعتقدون بأن القيام بذلك هو الحل الأكثر فعالية للخروج من مشكلة ما، وعلى سبيل المثل، عندما يعثر أحد الوالدين على طفل في الثالثة من عمره يقف في المطبخ بجوار جدار ملوث بالمربى، والمربى يغطي ملابسه، ويحمل إناء المربى في يده، ومع ذلك عندما يسأل هل لطخ الحائط بالمربى، فإنه سيقول بتلقائية "لا"، هذا هو سلوك طبيعي جداً عند الأطفال.

 

وعلى العكس، من غير المتوقع أن يقول طفل الثالثة إنه فعل ذلك، وهذا مبرَّر جدًا بالنسبة لمنطق الطفل الصغير الذي يجد صعوبة في التمييز بين القيام بشيء سيئ، وكونه شخصاً سيئاً، وبما أنه يعتبر نفسه شخصاً غير سيئ؛ فمقتضيات هذا المنطق البدائي تتطلب ألا يكون قد فعل ذلك السلوك السيئ، ومع تقدمهم في العمر يبدأ الأطفال في فهم تداعيات ما يفعلونه، ويطورون المزيد من التعاطف والتفهم، ما يجعل كذبهم أكثر تعقيدًا، وقد يكذبون لتعزيز احترام الذات أو لتجنب العقاب.

  •  الخوف من العقاب

في فيلم وثائقي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية "الحقيقة حول الأطفال الذين يكذبون"، تشير الطبيبة النفسية فيلي بيري إلى البحث الذي أجرته الدكتورة فيكتوريا تالوار، وهي خبيرة مشهورة في مجال التطور الاجتماعي المعرفي للأطفال في جامعة ماكغيل في مونتريال، كندا، وطورت "تالوار Talwar" وزملاؤها اختبارًا يسمى "لعبة Peeping Game"، وفي عام 2011، استخدَموا اللعبة في مدرستَين مختلفتين في غرب إفريقيا، وكانت إحدى المدارس تخضع لقواعد تأديبية صارمة، وكانت الأخرى أكثر استرخاءً.

وخلال الدراسة، طُلب من الأطفال تخمين ما هو الكائن الذي كان يُصدر صوتًا وراءهم دون النظر إليه، وكان البالغون خارج الغرفة أثناء الاختبار، وعندما عاد الكبار إلى الغرفة، طلبوا من الأطفال التعرف على الشيء، وسألوهم إذا كانوا قد نظروا إليه، ووُجِد أن الأطفال الذين كانوا في بيئة ذات نظام صارم تأديبي كان من المرجح أن يكذبوا أكثر، وأنهم طوروا مهارات كذب أفضل مقارنة بالأطفال الآخرين، وهذا معناه أن البيئة العقابية القاسية قد تعزز عدم الأمانة، وعلى الرغم من أن دراسة تلوار كانت تدرس فقط الكذب في بيئة تعليمية، فإنها تشير إلى أن الأبوة الصارمة قد تكون لها نتائج مماثلة.

ما نعرفه استناداً إلى بحث تلوار، ودراسات أخرى كثيرة حول السلوك المضاد للمجتمع عند الأطفال، هو أن الأبوة القاسية الصارمة التي لا تراعي الطفل لا تساعد على غرس المبادئ الأخلاقية في الأطفال، ويمكن أن تؤدي إلى إشراكهم في سلوكيات أكثر تسيّبا، والعكس يحدث في الأبوة والأمومة الصارمة الرحيمة التي تضع حدودًا واضحة للأطفال، ولكن تحت مظلة احترام الطفل.

والواقع أنه إذا لم يعطِ الوالدان للطفل بديلًا عن الكذب؛ فعندئذ سيَعتقد أنه ليس لديه خيار آخر، فإذا كان الطفل يعتقد أن والديه سيضربونه، وهو أمر مكروه بالنسبة له، إذا اعترف بأنه عاد إلى المنزل متأخراً، فإن الشيء المنطقي الذي ينبغي القيام به هو إخبارهم أنه عاد للمنزل مبكراً، فكذب الأطفال هو سلوك تكيفي للبيئة الصارمة القاسية التي لا تجعل للأطفال مخرجاً آخر.

شخصية الطفل الكاذب قد تتكون بسبب خوفه من العقاب
  • اختبار سلوك جديد

يقول أخصائيي التربية إن أحد أسباب كذب الأطفال وظهور ظاهرة الطفل الكاذب هو أنهم اكتشفوا هذه الفكرة أو الصفة الجديدة ويحاولون تجربته تماماً كما يفعلون مع معظم أنواع السلوكيات لمعرفة ما سيحدث، فهم سوف يتساءلون ماذا سيحدث إذا كذبت بشأن هذا الموقف؟ ماذا سيكون رد فعل والدَيّ؟ وكيف سأُخرج نفسي من الموقف؟

  • الأطفال يكذبون لتحديد الهوية

يَستخدم الأطفال الكذب لتحديد هويتهم حتى لو كانت تلك الهوية زائفة، إذ يمكن أن يَستخدم الطفل الكذب لإقناع أقرانه ربما استجابة لضغط الأقران، فقد يكذب طفلك على أقرانه بشأن أشياء يقول إنه فعلها وهو لم يفعلها ليجعل نفسه يبدو أكثر إثارة للإعجاب، وهذا ليس بالأمر غير المعتاد، فنحن نعلم أن بعض البالغين ما زالوا  يقومون بهذا التصرف بطريقة أو بأخرى.

  • الأطفال يكذبون لجذب الانتباه 

عندما يكون طفلك صغيراً في السن وتكون الأكاذيب غير ذات أهمية، فقد يكون هذا السلوك مجرد وسيلة لجذب الانتباه، وهذا أمر طبيعي، كما يقوم الأطفال الأصغر سناً أيضاً بتأليف القصص أثناء اللعب الخيالي، وهذا لا يعتبر كذباً، بل هو وسيلة لإشراك مخيلتهم والبدء في فهم العالم من حولهم.

كيف تتعامل مع الطفل الكاذب ؟ 

ماذا تفعل مع الطفل الكاذب وكيف تتعامل معه؟ يجب عليك أن تحدد مدى خطورة أكاذيب طفلك اعتماداً على عمر الطفل، فقد تكون هناك نوايا مختلفة وراء الكذب، وقد يروي الطفل الصغير حكايات طويلة والتي لا تعتبر مشكلة دائمة. والسلوك الصحيح للتعامل مع الطفل الذي يكذب هو ألا تعاقب طفلك، ولا تحاصره عندما تمسك طفلك وهو يكذب، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى استياء طفلك ودفعه إلى الإتيان بأكاذيب أكثر خطورة. بدلاً من ذلك، حافِظ على هدوئك، واشرح له لماذا يعد الكذب أمراً خاطئاً، ثم شجعه على إخبار القصة مرة أخرى ولكن بصدق.

 

ولا توبخ الطفل أو تصرخ عليه عندما تكتشف أنه يكذب، ولكن حافظ على التواصل الصادق والمريح بينك وبين طفلك، كما يمكن أن تساعدك الخطوات الآتية في التعامل مع أكاذيب الطفل:

  • انظر إلى الأكاذيب على أنها بناء للمهارات، فهذه هي الطريقة التي يتعلمون بها العواقب.
  • الرد على الأكاذيب بالحقائق، خاصة عند التعامل مع الأطفال دون سن الثالثة، دعهم يعرفون أن هناك حقائق مع تقديم الأدلة التي تناقض أكاذيبهم.
  • ساعدهم في إيجاد طريقة للتعامل مع سلوكيات معينة.
  • إذا أمسكت طفلك وهو يكذب فدعه يعرف أنه يستطيع أن يخبرك بالحقيقة دون خوف من العواقب.
  • إذا وجدك طفلك تكذب فسوف يكذب مثلك، وسوف يراقب طفلك كيفية استجابتك للأمور، فإذا كنت تكذب فسوف يعتقد أنه يستطيع فعل ذلك أيضاً، وبالتالي أنت تخلق شخصية الطفل الكاذب دون أن تدري.
  • دع الأطفال الأكبر سناً يعرفون أن هناك أوقاتاً يمكن فيها قبول الأكاذيب الصغيرة، ثم علِّمهم العواقب الأخلاقية للأكاذيب الكبيرة.
  • دعهم يعرفون كيف قمت بالقبض عليهم وهم يكذبون، واجعلها تجربة تعليمية لهم.
  • لا تستخدم نبرة الحَكَم، لأنها عادة ما تغذي رد الفعل السلبي لدى الطفل.

ما هو نمط الوالدية الذي يحمي الأطفال من الكذب؟

لا توجد إجابة بسيطة على نوع نمط الأبوة والأمومة الذي يمكن أن يحمي الأطفال من الكذب، ورغم أنه يجب على الآباء أن يكون لديهم قواعد وتوقعات ثابتة لأطفالهم، لكن أيضاً يجب عليهم ألا يكونوا مستبدّين، ويجب أن يكونوا حساسين، ويُشعروا أطفالهم بالوالدية الدافئة. القصة ليست فقط في كون الوالدية صارمة أو سلبية.

فإذا كان لديك طفل يكذب بشكل مزمن، أو يفعل ذلك بطريقة تدميرية، فإن أفضل ما يمكنك القيام به هو مساعدة هذا الطفل على أن يعيش حياة أفضل، غير مطلوب منك أن تصبح شرطيًا وتقبض عليه متلبساً بارتكاب جريمة الكذب، ولكن مهمتك أن تساعد طفلك على التغلب على كل ما يؤدي إلى المشاعر التي تؤدي إلى الكذب.

 

وعلى سبيل المثل، إذا كان طفلك البالغ من العمر 8 سنوات يدّعي أنه سلَّم واجبه المنزلي، لكن المعلم يقول إنه لم يفعل ذلك، فلا تحاول دفع ابنك للاعتراف بالكذب، وركّز معه على حلّ، كأن تُقدّم له طرقًا لمساعدته ليصبح أكثر تنظيماً، فالطفل قد يفكر أنه إذا اعترف بأنه لم يسلّم واجباته المنزلية، فسيكون في ورطة، وسوف يرفضه والداه ويعاقبانه، وبالتالي فإن دَور الوالدين مع الأطفال الذين يكذبون يجب أن يصب في اتجاه تقويم السلوك بدلاً من العقاب.

ما هي إيجابيات وسلبيات كذب الطفل؟

بحلول سن الثالثة قد يعرف طفلك بالفعل معنى الكذب، وغالباً ما يبدأ الأطفال بالكذب للتستر على أفعال يعلمون أنها خاطئة، لكن الكذب يمكن أن يدل أيضاً على الفهم المعرفي والاجتماعي، فمن إيجابيات كذب الطفل ما يلي:

  • القدرة الإدراكية، إذ يتطلب الأمر مهارات معرفية لتنظيم أفعالهم والتخطيط لأكاذيبهم، ووضع استراتيجيات معينة عندما يحاولون الكذب، ويُعد الكذب سلوكاً مثيراً للمشكلات، ولكنه قد يكون طريقة طفلك لتطوير أفكاره وأفعاله.
  • السيطرة على أفكارهم، إذ سيحتاج طفلك إلى مخالفة ما تم تدريبه على التفكير فيه للاستمرار في الكذب والمحافظة على كذبته، وهذا يدل على أن بعض الأطفال يمكنهم الاحتفاظ بأفكار متضاربة في أذهانهم والتحكم في الإجراء الذي يتحدثون عنه.

وهذا لا يعني أن الكذب سلوك جيد ويمكن السكوت عليه، خاصة في حالات الكذب الكبيرة التي قد تكون مؤذية أو تسبب الضرر للطفل أو للأشخاص المحيطين به، لذا فهناك بعض السلبيات والعيوب لكذب الطفل التي يجب على الوالدين أن يكونوا على دراية بها، وتشمل هذه السلبيات ما يلي:

  • الكذب لأن الطفل متوتر، فقد يكذب الطفل لأنه يشعر بالكثير من الضغط من والديه، وقد يؤدي هذا إلى تدني احترام الذات، والكذب المتكرر لتجنب الحقيقة.
  • قد يكون طفلك غير قادر على شرح أفعاله، فقد لا يفهم الطفل أن ما يفعله خطأ، فإذا لم يعرف أن هذا السلوك خاطئ فسوف يستمر في الكذب، وقد لا يكون لديه القدرة المعرفية لفهم سبب الكذب.
  • استخدام الكذب لجذب الانتباه، إذا شعر طفلك بالإهمال فقد يخترع الأكاذيب لجذب الانتباه، وقد تكون هذه آلية تكيف لعدم حصوله على الثناء الذي يريده، وهذه مشكلة سلوكية يمكن معالجتها.

الأسئلة الأكثر شيوعاً

هل من الطبيعي أن يكذب الطفل؟

كذب الطفل للمرة الأولى يعتبر بمثابة مفاجأة غير سارة للوالدَين، لكن الأبحاث النفسية وجَدت أن الكذب جزء طبيعي من الطفولة، وفي الواقع هي مرحلة تنموية، فجميع الأطفال يكذبون لعدة أسباب تعكس طبيعتهم البشرية، فلا يمكن تصنيف الطفل الكاذب على أنه سيئ الأخلاق، لأن الكذب يعتبر طبيعيًا في إحدى مراحل النمو.

متى يبدأ الكذب عند الأطفال؟

تكشف الدراسات أن بعض الأطفال الصغار يبدؤون بالكذب قبل أن يبلغوا عامَين ونصف من العمر، ولكن بحلول سن الرابعة يبدأ أكثر من 70% من الأطفال بالكذب على الأقل في بعض الأحيان، ولكن السن والتوقيت يختلف من طفل إلى آخر، ولا يعد ذلك انعكاساً لأخلاق الطفل.

كيف تجعل الطفل لا يكذب؟

يمكنك التعامل مع الطفل الكاذب وتجعله لا يكذب من خلال إجراء محادثات حول الكذب وقول الحقيقة مع طفلك، ساعد طفلك على تجنب المواقف التي يشعر فيها بالحاجة إلى الكذب، وامدح طفلك لاعترافه بارتكاب خطأ ما، وكن قدوة حسنة لطفلك لقول الحقيقة دائماً، واستخدم المزاح لتشجيع طفلك على الاعتراف بالكذب.

 

 

ختاماً، تذكّر أن كذب الطفل أمر طبيعي، وعندما تقوم بتأديب طفلك، فإن دورك هو المساعدة في تعليمه الأشياء البديلة التي يمكنه القيام بها بدلاً من الكذب، لا تركّز على إخباره أنه كاذب، بل حاوِل التعرف إلى القضية الأساسية التي دفعته للكذب، وتوصّل إلى حلّ لم يفكر فيه طفلك، ببساطة لأنه طفل. الطفل الكاذب حالة يمر بها كثير من الأطفال، وقد تكون أسباب كذب الطفل متعددة.

آخر تعديل بتاريخ
16 مايو 2024
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.