نتعرّض في عياداتنا لأسئلة كثيرة عن مرض إنتاني (مُعد) يشكّل رعباً للكثير من العائلات ينجم عن جراثيم ذات ميزات خاصة هي (مِرْسا) MRSA اسمها مكوّن من الحروف الأولى من عبارة Methicillin Resistant Staph Aureus، وهي تعني (العنقوديّات الذهبية المقاومة للميثيسيللين).
اقــرأ أيضاً
فهي إذاً نوع من الجراثيم التي تقاوم المعالجة بالمضادّات الحيوية، ولا بد من استخدام نوع خاص من المضادّات يستجيب لمعالجتها.
* مرض شائع
لقد كثر منذ العام 2007 الحديث عن هذه الجراثيم في وسائل الإعلام الأميركية والغربية نتيجة للإحصاءات التي بدأت تظهر في الصحف وغيرها، وتذكر أن عدد حالات الأطفال التي ترد للمشافي بسبب هذا النوع من الإنتانات قد تضاعف مرّتين بين عامي 2000 و2007، كما أن مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض في أميركا CDC نشرت تقارير تقول إن هنالك حوالي 80 ألف حالة من الإنتان الشديد بهذه الجراثيم كل عام، وهي تؤدّي إلى 11 ألف وفاة، كما أن الإصابات المتكررة بهذه الجراثيم كثيراً ما أدّت إلى إغلاق بعض المدارس وأثارت رعباً كبيراً من تحوّل الأمر إلى وباء.
* أي نوع من الإنتانات؟
إن معظم الإنتانات التي تحصل بسبب هذا الجرثوم في (المجتمع) أي خارج المشافي هي عبارة عن التهابات جلدية تظهر على شكل بثرات حمراء مؤلمة متورمة متقيّحة، وربما حصلت في مكان مصاب بجرح أو كدمة أو رضة. وأكثر أماكن حصولها هي العنق والإليتان والإبطان ومنطقة اللحية في الرجال. وأغلب حالات الإصابات الجلدية يمكن أن نعالجها بإزالة القيح مع إعطاء المضادات الحيوية. ولكن هنالك إنتانات أكثر خطورة مثل التهاب الرئة، وإنتانات الدم، وهي نادرة جداً.
* ما هو المثيسيللين؟
هو مضاد حيوي تم ابتكاره عام 1959 للقضاء على سلالات جراثيم العنقوديّات الذهبية المقاومة للبنسلين. ولكن ما لبثت أن ظهرت سريعاً سلالات مقاومة لهذا الدواء الجديد في عام 1961 أطلق عليها اسم MRSA أصبحت تؤدّي بين الفترة والأخرى إلى جائحات محدودة. ومع الوقت زادت نسبة هذه الجراثيم في أميركا، وارتفعت من 2% في عام 1974 لتصل إلى رقم مرعب هو 65% في عام 2004، وما زالت النسبة في تزايد مستمر.
* الثمن المرتفع
إن العلماء يعتبرون حصول إنتان MRSA وغيره من الأمراض التي تتميّز بمقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، هو الثمن المرتفع الذي تدفعه المجتمعات في العالم نتيجة للاستخدام غير الملائم للمضادات الحيوية.
فالسبب الأوّل لحصولها هو إعطاء هذا النوع من الأدوية في الحالات المرضية التي لا تستدعي ذلك مثل استخدامها لعلاج الالتهابات الفيروسية كالزكام والإنفلونزا وغيرها، وكثيراً ما يقوم الطبيب بإعطائها نتيجة لضغط العائلة التي تطلب معالجة طفلها بالمضادات الحيوية بأي شكل، حتى وإن كانت نصيحة الطبيب تتعارض مع هذا.
والسبب الآخر هو أن الكثير من المرضى يتوقفون عن استخدام المضاد الحيوي بعد يومين أو ثلاثة من بدء تناولهم له في حال لمسوا تحسناً في الأعراض مع أن الطبيب يكون قد أوصى باستخدام الدواء لعشرة أيام أو أسبوعين. هذان الأمران يؤدّيان إلى نشوء سلالات مقاومة من الجراثيم.
* العدوى
ينتقل المرض من خلال التماس المباشر بين الأشخاص، وأيضاً التماس غير المباشر المتمثّل باستعمال الأدوات نفسها كالمقصات والمناشف وغير ذلك. ويمكن أن تحصل الإنتانات في أي مكان كالمدارس والمعامل وغيرها، وتزداد نسبة حصولها في حال عدم تطبيق قواعد النظافة وزيادة الازدحام.
* الوقاية
لا يوجد لقاح يحمي من MRSA. هذا جواب على أكثر سؤال نتعرّض له في عياداتنا كلّما انتشرت الأخبار عن جائحة بهذه الجراثيم. وإن عدم وجود لقاح لا يعني مطلقاً عدم إمكانية الوقاية من المرض. فالوقاية ممكنة من خلال تطبيق القواعد الصحية العامة كغسل اليدين بالماء والصابون، والاستحمام مباشرةً بعد ممارسة التمارين الرياضية، وتغطية الجروح الملتهبة بالضمادات الملائمة، وتجنب الاستعمال المشترك للأغراض الشخصية كالمناشف وشفرات الحلاقة، إضافة إلى التنظيف المستمر والمنهجي في الأماكن العامة كالمدارس والمعامل وغيرها.
* العلاج
معظم حالات الإنتان بــ MRSA تعالج بالعناية الملائمة بالجروح، والتي تقوم على التنظيف الجيّد والضماد وفق القواعد الطبية المعروفة مع استخدام المضادات الحيوية الموضعية. ثم تنظيف اليدين من قبل الطبيب أو الممرضة، والتخلص الملائم من الضمادات الملوّثة بالقيح. وخلافاً لما قد يظن البعض، فإن استعمال المضادات الحيوية عن طريق الفم أو الوريد ليس إلزامياً في معالجة هذا النوع من الإنتانات، وإنما هو تابع لتقديرات الطبيب القائمة على طبيعة الحالة. وفي حال قيام الطبيب بالتوصية باستخدام المضادات الحيوية، فعلى المريض أن يستخدمها بدقة وبالشكل الموصوف ولكامل الفترة المطلوبة، وإلاّ زادت إمكانية المقاومة وصعوبة العلاج. ولا بد من أن نوضح هنا أن اختيار المضاد الحيوي الملائم يحتاج إلى أخصّائي خبير.
* بين المدرسة والطبيب والعائلة
إن هذا الداء هو مشكلة تهمّ جميع أفراد المجتمع، وهو محط اهتمام السلطات الصحية في أي بلد ينتشر فيه. وفي هذا النوع من الأمراض فإن المفروض أن تكون هنالك علاقة متبادلة وتعاونية بين المدرسة والعائلة والطبيب. فواجب الطبيب أن يتواصل مع العائلة والمدرسة لتحديد شدّة الإصابة والعدوى وخطورة المرض على الطلاب الآخرين، كما أن على إدارة المدرسة التواصل مع الطبيب والعائلة للحصول على أفضل النتائج ومنع انتشار هذا المرض الذي قد يكون خطِراً.