يعتبر القلق تفاعلا طبيعيا يساعدنا في مواجهة الضغوط المختلفة، يدفعنا للاستذكار بجدية استعدادا للامتحان، ويحفظ تركيزنا في المحادثات الهامة. لكن، القلق الطبيعي يمكن أن يتحول إلى قلق مبالغ فيه، وغير عقلاني، وغير متناسب مع حجم المواقف الحياتية اليومية، ويمكننا تشخيص اضطرابات القلق عندما يصبح القلق معيقا ومعطلا.
اقــرأ أيضاً
* أمثلة لاضطرابات القلق
تبدأ أعراض هذه الاضطرابات في سن الطفولة أو المراهقة، وأمثلة اضطرابات القلق كثيرة ومتنوعة ومنها:
1. اضطراب الوسواس القهري.
2. كرب ما بعد الصدمة.
3. الرهاب الاجتماعي.
4. الرهاب النوعي.
5. اضطراب القلق العام.
* التطور العلمي في تشخيص وعلاج اضطرابات القلق
يعمل العلماء بدأب لفهم هذه الاضطرابات بشكل أكثر عمقا، بهدف الوصول لخدمات تشخيصية وعلاجية أفضل للمصابين الذين يعانون من هذه الاضطرابات،والمقارنة السريعة بين الماضي والحاضر توضح حجم التطور الحادث في فهمنا لهذه الاضطرابات.
* في الماضي
لم يكن التعامل مع اضطرابات القلق عند الأطفال والمراهقين سهلا، وذلك لعدة أسباب نذكر منها مايلي:
- الجهل بمناطق المخ والدوائر المسئولة عن اضطرابات القلق.
- مضادات القلق لم تكن متوافرة كما هي الآن.
- نقص المعلومات التي تمكن الأطباء من المقارنة بين العلاجات المختلفة، واختيار الأنسب والأكثر فعالية لكل مريض، ومتى يستخدم العلاج النفسي بمفرده، ومتى يكتفى بالعلاج الدوائي، أو متى يتم الدمج بينهما.
* في الحاضر
نتيجة للأبحاث المختلفة، ومع التقدم العلمي الذي يشهده العالم في حقبتنا هذه، فإن الوضع تغير بصفة ملحوظة وأهم ملامح التغيير مايلي:
- اتضح وفقا لإحصاء قومي واسع في المملكة المتحدة لتقييم الصحة العقلية للمراهقين أن 8% من المراهقين بين سن 13- 18 يعانون من اضطرابات القلق، وتبدأ الأعراض في الظهور حول سن السادسة، ونسبة من يحصلون على الرعاية الصحية العقلية من هؤلاء لا تجاوز الـ 18% فقط.
- أوضحت الفحوصات التصويرية وجود أنشطة شاذة في بعض أماكن المخ مقارنة بالأشخاص الآخرين، وهذه بعض الدراسات التي تشير لذلك:
1. وفق أحد الدراسات فإن تعرض المراهقين المصابين باضطرابات القلق لمواقف مثيرة للقلق، يؤدي إلى ازدياد النشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بمعالجة الخوف وتنظيم العاطفة، بالمقارنة مع العينة الحاكمة الطبيعية.
2. بينت دراسة أخرى أن تعريض الشباب الذين يعانون من اضطراب القلق العام للنظر في وجوه غاضبة بصورة خاطفة جدا (سرعة التعرض تجعلهم في أغلب الأحوال لا يدركون رؤيتهم لهذه الوجوه) يؤدي إلى خوف مبالغ فيه، مما يدلل على غياب الرادع لنشاط مركز الخوف في المخ.
- مسح دماغ المراهقين من الجنسين يوضح وجود دائرة للعاطفة، وهذه الدائرة تنشط مع التقدم في العمر عند الإناث، ولا تنشط بنفس الكيفية عند الذكور، وهذا الاكتشاف يسلط الضوء على الفروق بين دائرة العاطفة في الدماغ عند الذكور عنها في الإناث خلال مراحل النمو المختلفة، ويفسر لماذا تتعرض الفتيات أكثر لمخاطر اضطرابات المزاج والقلق.
- تشير بعض الدراسات إلى أن العلاج السلوكي المعرفي ذو الجودة العالية (CBT) - سواء قدم مع أو بدون الدواء - يمكن أن يكون علاج فعال لاضطرابات القلق لدى الأطفال، كما بينت دراسة أخرى أن العلاج السلوكي المصمم لعلاج الرهاب الاجتماعي لدى الأطفال أكثر فاعلية من الأدوية المضادة للاكتئاب.
* في المستقبل
مازالت مسيرة البحث العلمي مستمرة، ومتوقع أن يحمل لنا المستقبل المزيد من الفهم، والمزيد من الاجراءات العلاجية الفعالة:
- يدرس العلماء حاليا فعالية مجموعة من المقاربات الجديدة للعلاج والوقاية في البالغين الذين يعانون من اضطرابات القلق، وهو ماسوف ينعكس ايجابيا على علاج الأطفال، ومن الأمثلة على هذه المقاربات ما يلي:
1. تحديد العلامات التنبؤية، مثل مستويات الهرمونات والجينات، التي تساعد في التعرف على الأشخاص المعرضين لخطر الاصابة باضطراب كرب مابعد الصدمة.
2. تطوير العلاج المعرفي والعلاج السلوكي المعتمد على الإنترنت، لاتاحة التدخلات العلاجية على نطاق أوسع، ولأكبر عدد ممكن من البشر، وخصوصا من يعيشون في أماكن لا تصل لها الخدمات الصحية، أو لمن يصعب عليهم الانتقال.
- تشير نتائج التصوير ودراسات البيولوجيا الجزيئية وبحوث علم الوراثة إلى آليات الدماغ المشاركة في اضطرابات القلق، ويمكن اعتبار ملامح هذه الآليات هي المؤشرات الحيوية المحتملة، التي تمكننا من تحديد الأشخاص المعرضين للخطر، ويمكن أن تمثل المفتاح الذي يستخدمه الأطباء للتدخل، أو المساعدة في وقت مبكر عن طريق تحديد العلاجات الأنسب لكل مريض.
- يمكن أن تساهم البحوث المختلفة لتحديد آليات الدماغ المشاركة في اضطرابات القلق في تحديد وكشف الأهداف الجديدة لأدوية أفضل، وأكثر فعالية، وأقل آثار جانبية.