ما تأثير بكتيريا الأمعاء أثناء الحمل على صحة الجنين؟

عندما ينمو الجنين في رحم الأم، من الضروري أن يتلقى المغذيات المهمة لضمان سلامته وتطوره. ولكن هناك أيضا ميكروبات الأم، وهي مجموعة البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى التي تعيش في أمعاء الأم، التي وجد انها تلعب قد دورا مهما في نمو دماغ الجنين وسلوكه ومناعته في وقت لاحق من الحياة. 

ما هو الميكروبيوم؟

الميكروبيوم هو الاسم الذي يطلق على التركيب الوراثي للكائنات الدقيقة التي تسكن في أجسامنا. وهناك ما يقدر بنحو 100 تريليون منها تعيش في أمعائنا، وهذه الميكروبات التي تشمل البكتيريا والفيروسات والفطريات والكائنات الحية الأخرى. توفر فوائد عديدة لأجسامنا، وتساعد في عملية هضم الطعام، وفي التغلب على مسببات الأمراض المحتملة عن طريق إطلاق مواد مفيدة، مما يحافظ على صحتنا. ومع ذلك، عندما يحدث خلل في هذا التركيب الميكروبي، قد تتعطل وظائفة .

وتتأثر هذه الميكروبات بعدة عوامل، مثل النظام الغذائي للأم، وطريقة الولادة (المهبلية أو القيصرية)، والبيئة، والرضاعة الطبيعية، والنظام الغذائي والوراثة والالتهابات، واستخدام المضادات الحيوية، والعمر، والنظافة.

الآن، ما هي علاقتها بالحمل؟

تشمل الكائنات الحية الدقيقة للأم أثناء الحمل وأثناء حياة الوليد المبكرة على الميكروبات التي تسكن الأمعاء والمهبل والجلد وحليب الثدي، ولها عواقب فسيولوجية مهمة على صحة الأم والجنين. وهناك أدلة متزايدة تدل على الدور المهم الذي تلعبه ميكروبات الأم في نمو الجنين وتطوره. وفي دراسة أجريت على نساء حوامل، تبين أن ميكروبات الأمعاء تتغير بين الثلث الأول والثالث من الحمل. ترتبط هذه التغييرات بالحاجة إلى نقل الطاقة والمواد الغذائية إلى الجنين.

كيف يؤثر الغذاء على الميكروبات في أمعائك؟

يمكن تغيير 30-40% من جراثيم الأمعاء عند البالغين خلال حياتهم، وأقوى طريقة للقيام بذلك هي التدخل في النظام الغذائي.

1. تناول الأطعمة التي تغذي وتحافظ على البكتيريا المعوية الجيدة مثل: الثوم، البصل، الهليون، الكراث، النخالة، وأغذية البروبيوتيك (الأطعمة المخمرة التي تحتوي على بكتيريا حية داخلها مثل: الزبادي، العسل، المكدوس، المخللات)، كما أن الأنظمة الغذائية ذات القيمة الغذائية العالية تزيد من البكتيريا الجيدة في أمعائك.
2. قد يساعد تجنب بعض الأطعمة التي تحتوي على اللاكتوز والقمح والذرة والسكريات المكررة على تجويع البكتيريا السيئة في الأمعاء.
3. الألياف عنصر حاسم في النظام الغذائي للإنسان. وبالتالي، يوصى باستخدام ما لا يقل عن 25 - 35 غرامًا من الألياف يوميًا.

كيف يتأثر ميكروبيوم الأم أثناء الحمل والولادة؟

1. يزيد نظام الأم الغذائي الخالي من الغلوتين عدد نوع من البكتيريا النافعة يسمى ببكتريا أكرمنسيا Akkermansia وبكتيريا المتقلبات Proteobacteria في أمعاء الرضيع. وهذا، قد يقلل من الإصابة بمرض السكري والالتهابات لدى الطفل.
2. قد يصاب الأطفال الرضّع الذين يتعرضون لغذاء غير صحي تتناوله الأم أثناء الحمل بسوء التغذية في مرحلة الطفولة، وتتشكل لديهم ميكروبات معوية معيبة. وقد يؤدي هذا إلى خلل في التمثيل الغذائي للدهون والسكر.
3. من المعروف أيضًا أن طريقة الولادة تؤثر على ميكروبات الطفل.، إذ يكتسب الأطفال المولودون عن طريق المهبل ميكروبات مماثلة لميكروبات المهبل عند أمهاتهم، وهي  بشكل أساسي من نوع ميكروبات العصيات اللبنية Lactobacillus والبريفوتيلا Prevotella.
4. أما الأطفال الذين يولدون عن طريق الولادة القيصرية فهم يكتسبون ميكروبات مماثلة للميكروبات الموجودة على جلد الأم، وهي بشكل رئيسي من المكورات العنقودية.  يمكن تصور  أن الاختلاف في ميكروبات الأمعاء قد يفسر سبب تعرض الأطفال الذين يولدون عن طريق الولادة القيصرية لزيادة إصابتهم بالحساسية للألبان.

التفاعلات بين الميكروبات والجهاز العصبي:

• تظهر الأبحاث على مدى العقدين الماضيين أن الميكروبات مهمة لتطور وظيفة الجهاز العصبي. ففي دراسات أجريت على الحيوانات، أظهرت الفئران البالغة التي نشأت في بيئة معقمة وخالية من الجراثيم مستويات منخفضة من بروتينات مهمة لتكوين الخلايا العصبية الجديدة، تغييرات في أجزاء الخلايا العصبية الضرورية للتواصل.
• حدثت أيضًا تغيرات في مستويات بعض المواد الكيميائية المهمة -السيروتونين والدوبامين والنورادرينالين والبروتين A المحفز لعامل النمو العصبي- والتي تسمح للخلايا العصبية بالتواصل مع بعضها البعض.
• تُظهر الدراسات التي أجريت في عدد من الحيوانات المختلفة، مثل أسماك حمار الوحش وذباب الفاكهة والخنازير، أن الميكروبات التي يحملها الكائن الحي تؤثر على السلوكيات الاجتماعية، والسلوكيات المتعلقة بالإجهاد والتعلم والذاكرة. 

ميكروبات الأم تشكل ذخيرة من الأجسام المضادة عند الرضع:

الأجسام المضادة هي بروتينات مناعية متخصصة تصنعها كريات الدم البيضاء. تنتقل هذه الأجسام المضادة من الأم إلى الجنين أثناء الحمل. وتلعب دورًا كبيرًا في حماية الأطفال من العدوى قبل الولادة ولفترة بضع شهور بعدها.

تستمر الأجسام المضادة في المرور عبر حليب الثدي بعد الولادة، وهو أحد الأسباب العديدة التي تجعل الرضاعة الطبيعية أكثر فائدة لجهاز مناعة الطفل من الحليب الصناعي، لهذا فإن تحصين المرأة ضد مسببات الأمراض أثناء الحمل أو الرضاعة يمكن أن يحمي طفلها من العدوى.

بحلول مرحلة البلوغ، تكون الأمعاء موطنًا لأكبر مجموعة من الخلايا المناعية في الجسم، ويجب أن يتعلم جهاز المناعة المعوي كيفية تحمل المكونات الغذائية غير الضارة والميكروبات المفيدة، مع الاحتفاظ بالقدرة على شن دفاع ناجح ضد مسببات الأمراض الضارة.

يمكن للأجسام المضادة الموجودة في حليب الأم أن تتفاعل بشكل مباشر مع الميكروبات في الجهاز الهضمي للرضع، فتحافظ على الأنواع المفيدة.

قد يفسر هذا النقل للأجسام المضادة جزئيًا سبب كون الأطفال حديثي الولادة الذين يرضعون لبن الأم أقل عرضة للإصابة بالتهاب الأمعاء والقولون الحاد، الذي قد يكون مميتًا، خاصة عند الأطفال الذين يولدون قبل الأوان.

 تأثير الميكروبات على مناعة الرضع: 

ميكروبات الأم متعددة الفوائد؛ إذ أنها تعمل على تكون الجهاز المناعي للطفل، وتفيد كذلك في هضم الطعام، والمواد التي تفرزها الميكروبات في الأمعاء. تنتج الميكروبات المعوية عددًا كبيرًا من المواد المناعية. وعندما تتناول الحامل غذاء غنياً بالألياف، تزداد الميكروبات المفيدة، ويتم نقل مواد مفيدة متزايدة منها إلى الجنين. قد تؤثر هذه المركبات على نضج الجهاز المناعي للجنين، وعلى تطوير الخلايا المناعية.

تعتبر بعض هذه الخلايا المناعية المنظمة ضرورية لحماية أجسامنا من أمراض المناعة الذاتية، وكذلك حمايتنا من الحساسية والربو. كما تقوم بتعليم أجهزتنا المناعية على تحمل الطعام، وتحمل وجود البكتيريا النافعة في الأمعاء. لذلك، إذا كانت ميكروبات الأمعاء عند الأم تؤثر على تطور أو نضج هذه الخلايا المناعية، فقد يكون لذلك آثار بعيدة المدى على صحة الجنين. [4]

 الخلاصة:

 في الواقع يؤدي الحمل إلى إحداث تغييرات كبيرة في الغدد وفي التمثيل الغذائي والجهاز المناعي. كما أن البكتيريا التي توجد في الأمعاء والمهبل والمشيمة تتأثر بالحمل أيضًا. تؤثر البكتيريا الموجودة في الأمعاء على إنتاج الأجسام المناعية المضادة، كما تفرز هذه الميكروات بعض المواد المفيدة. وقد تؤثر هذه المواد عند المرأة الحامل على مناعة جنينها. لذلك من الضروري أن تعتني الأم بصحة نظامها الغذائي وتنويعه تحت إشراف طبي مناسب.

المصادر

1. https://www.umassmed.edu/nutrition/blog/blog-posts/2019/4/the-correlation-between-pregnancy-and-the-gut/
2. https://theconversation.com/how-a-pregnant-mouses-microbes-influence-offsprings-brain-development-new-study-offers-clues-146521
3. https://www.exden.fr/en/future-moms-your-microbiota-during-pregnancy/
4. https://www.the-scientist.com/features/the-role-of-mom-s-microbes-during-pregnancy-69009