صحــــتك

ما هو القلب الصناعي؟ وأين تمت زراعته أول مرة؟

القلب الصناعي
مخطط القلب الصناعي، الآلة التي تعمل عمل القلب عند الإنسان

على الرغم من التحسن الكبير في نتائج عمليات زرع القلب، ظهر واقع صعب أمام الرواد، إذ أن عدد المرضى الذين هم بحاجة إلى زرع القلب أكبر بكثير من عدد القلوب المتاحة للتبرع، على الرغم من تطوير أساليب جيدة في حفظ القلب ونقله مسافات طويلة إلى حيث يحتاجه المرضى، ورغم تحسين طرق تشخيص الرفض، ووجود أدوية علاج المناعة، إلا أنه لا يمكن عملياً إجراء أكثر من بضعة آلاف من عمليات زرع القلب في العالَم بسبب ندرة المتبرعين بالقلوب، في حين أن عدد المرضى الذين يحتاجون إلى قلوب جديدة يبلغ مئات الآلاف، ومازال عددهم يتزايد باستمرار. كما واجهت الأطباء مشكلة أخرى صعبة وهي عدم توفر القلب الجديد في الوقت المناسب لإنقاذ حياة المرضى الذين يحتاجون إليه. فما العمل؟

تصميم قلب صناعي جزئي

فكّر الأطباء منذ أواخر الستينيات بإمكانية تصميم آلة أو مضخة تستطيع القيام بعمل القلب الأساسي، وهو ضخ الدم في الدورة الدموية لتزويد كافة أعضاء الجسم بما تحتاج إليه من تروية دموية. وبالفعل، تعاون الرواد من الأطباء والمهندسين لتصميم مضخات تستطيع مساعدة القلب في ضخ الدم جزئياً، وقد تمكن الجراح الشهير ستانلي كرافورد Stanly Crawford ( 1922-1992) سنة 1963 في جامعة بيلور الأمريكية من زرع أول جهاز صناعي يقوم بعمل البطين الأيسر من القلب LVAD قام بتصميمه الأرجنتيني دومينغو ليوتا Domingo Liotta (1924) الذي عمل فترة مع رائد علم الأعضاء الصناعية ويليم كولف. تعرض ذلك المريض إلى توقف قلب مفاجئ بعد عملية قلب مفتوح، ولكنه بقي على قيد الحياة بفضل استخدام الجهاز المساعد للقلب مدة أربعة أيام فقط.

قام مايكل دبغي في جامعة بيلور أيضاً بزرع جهاز مساعد جزئي مماثل من تصميم ليوتا في أبريل سنة 1966 لمريض تعرض إلى صدمة قلبية شديدة بعد عملية قلب مفتوح، ولكن المريض توفي أيضاً بعد عدة أيام بسبب فشل تنفسي ودماغي. لم تثبط هذه النتائج السيئة الأولية من عزيمة الأطباء، وقام دبغي باستخدام ذلك الجهاز المساعد للقلب مرة أخرى في أكتوبر 1966. تحسن ذلك المريض بسرعة وتخرج من المستشفى حياً بعد أن استُخدم الجهاز الصناعي المساعد للقلب مدة 10 أيام، وكان أول مريض تنجح فيه مثل هذه العمليات.

تصميم قلب صناعي تام

تابع العلماء جهودهم لتصميم آلة يمكن أن تقوم بعمل القلب كاملاً، ويروي دنتون كولي قصة أول عملية زرع قلب صناعي في التاريخ قائلاً: " تمت أغلب الأبحاث في القلب الصناعي تحت إشراف ويليم كولف في كليفلاند، ثم في جامعة يوتا مع زملائه أمثال دومينغو ليوتا، وتيتسوزو آكوتسو Tetsuzo Akutsu وروبرت جارفيك Robert Jarvik، وتم صنع نماذج عديدة، اعتمد أغلبهاعلى مبدأ المضخات الهوائية الموجودة خارج الجسم. في سنة 1966 استقدَمن العالِم ليوتا إلى مختبر الأبحاث في جامعة بيلور حيث تابع أبحاثه في تصميم القلب الصناعي الذي كنا نطمح لاستخدامه عند الإنسان ... قمتُ مع ليوتا بزرع القلب الصناعي في العجول، ورغم النجاح المحدود الذي توصلنا إليه، إلا أننا تصورنا إمكانية استخدام ذلك الجهاز في الإنسان بشكل مؤقت ريثما يتاح للمرضى إمكانية القيام بعملية زرع قلب بشري.

كان المريض يبلغ من العمر 47 سنة، وكان قلبه قد أصيب بتلف شديد نتيجة إصابته بأزمات قلبية متكررة على مر عشرة سنوات...حاولنا إقناعه مراراً بزرع القلب البشري إلا أنه رفض، ووافق فقط على محاولة إجراء عملية جراحية لتصليح عضلة القلب، كما وافق على استخدام القلب الصناعي إذا فشلتْ عملية التصليح.

أُجريت العملية في 4 أبريل 1969 ... وعندما أفرغ قلبه من الدم تهاوى مثل كرة السلة الفارغة من الهواء ... حاولنا إصلاح القلب إلا أننا لم ننجح في ذلك، وحانت اللحظة الحاسمة. تم استدعاء المهندسين، وجلبُ القلب الصناعي. تم استئصال القلب المريض وزرع القلب الصناعي مكانه ... ساهم دومينغو ليوتا في تلك العملية ... كان فرحناعظيماً، وارتحنا كثيراً عندما استعاد المريض وعيه بعد العملية وتحسن في اليوم الأول، إلا أن انحلال الدم، وتدهور عمل الكُلية بدأ بعد ذلك، ولم يبق أمامه من أمل سوى زرع القلب البشري بأسرع وقت ممكن...

بدأت حملةٌ محمومةٌ للبحث عن متبرع مناسب، وتلقينا مكالمة عن وجود متبرع بالقلب مناسب في مدينة بوسطن... استُؤجرتْ طائرة خاصة للسفر إلى بوسطن، وجُلب المتبرع إلى هيوستن...إلا أن الطائرة أُصيبت بعطل في طريق العودة، واضطرتْ لهبوط إسعافي دون مكابح في منتصف الطريق ... أُرسلتْ طائرة ثانية، ووصلوا أخيراً إلى هيوستن. حدث للمريض توقف قلب طارئ في سيارة الإسعاف وهم في الطريق إلى المستشفى، وتم إنعاش القلب بنجاح ... وأخيراً أُجريتْ عملية زرع القلب البشري لمريضنا بعد حوالي 72 ساعة من زرع القلب الصناعي لديه ... إلا أنه توفي بعد 36 ساعة بسبب الالتهابات وفشل الكُلية ... وهكذا انتهت الجهود المضنية لفريق العمل ".

فشلتْ أول عملية لزرع القلب الصناعي عند الإنسان إلا أنّ الأطباء تعلموا منها الكثير، فقد أثبتتْ إمكانية دعم الدورة الدموية عند الإنسان بقلب آلي صناعي، وفَتحت المجال أمام استمرار هذه الأبحاث للتوصل إلى تصميم أفضل. حُفِظ القلب الصناعي الأول في متحف بمدينة واشنطن.

 

القلب الصناعي الأول الذي زُرع في الإنسان سنة 1969 قلب ليوتا-كولي المحفوظ في المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي في مدينة واشنطن

 

دنتون كولي Denton Cooley (1920) في سنة 1969 عندما قام بأول عملية زرع لقلب صناعي عند الإنسان

خلاف العصر..

تلك كانت الرواية التي ذكرها كولي عن أول عملية زرع قلب صناعي في التاريخ، وقد خلَّدته تلك العملية في تاريخ الطب، إلا أنها أدتْ في الوقت نفسه إلى خلاف تاريخي عميق أيضاً. فبعد أيام قليلة من الثورة العلمية التي أحدثتها أول عملية لزرع القلب الصناعي عند الإنسان، فجَّر رئيسه مايكل دبغي قنبلة طبية بإعلانه أن كولي لم يتبع أخلاقيات العمل الطبي عند إجرائه تلك العملية لأنه "سَرق" القلب الصناعي الذي تم تصميمه في مختبرات جامعة بيلور في هيوستن.

كان دبغي رئيس قسم الجراحة في تلك الجامعة آنذاك حيث كان يعمل كولي أيضاً كأستاذ مشارك. وكان دبغي هو الذي استقدم العالِم ليوتا إلى تلك الجامعة لمتابعة أبحاث القلب الصناعي في مختبراتها. وكانوا قد توصلوا إلى نتائج جيدة لعملية زرع القلب الصناعي في العجول التي عاشت عدة شهور بنجاح بهذه القلب الآلي.

اقتنع كثير من الأطباء في تلك الجامعة آنذاك بأن القلب الصناعي جاهز لزرعه عند الإنسان، إلا أن الرئيس دبغي لم يوافق على ذلك، وأصر على أنه بحاجة لمزيد من التجارب والتحسينات. استغل كولي غياب دبغي في إجازة، وقام بإجراء أول عملية لزرع القلب الصناعي! ادّعى كولي أنه كان مضطراً للقيام بتلك العملية لإنقاذ حياة المريض. أَجرت الحكومة الأمريكية تحقيقاتها في ذلك الأمر، وتقدَّم دبغي للشهادة، ولكنه لم يستغل الموقف للإساءة إلى زميله، بل أنقذ كولي من دَمار مِهني مُحقق بموافقته على حالة الضرورة الإسعافية التي كان فيها المريض.

وبعد أن أنقذَه، طلَب مِن كولي مغادَرة جامعة بيلور. لمْ يتخلص كولي من نتائج تلك الشبهات، على الرغم من أنه أصبح من أشهر جراحي القلب في العالَم، وأسس مركز تكساس لأمراض القلب الذي أصبح من أهم مراكز جراحة القلب في العالَم. استمر الخلاف بين الرائدَين العظيمَين أكثر من 40 سنة، ولم يتحدَّثا إلى بعضهما بشكل علني حتى سنة 2007 قبل عام واحد من وفاة دبغي عندما قام كولي بتقديم جائزة جمعية كولي لجراحة القلب والأوعية الدموية للانجازات على مدى الحياة إلى غريمه دبغي، ومَنح الأخير بدوره إلى كولي عضويةً شرفيةً في جمعية مايكل دبغي العالمية للجراحة، وتمت المصالحة. كان عمر كولي آنذاك 87 سنة وعمر دبغي 99 سنة. سجلت وقائع هذا الخلاف في فيلم درامي ناجح من انتاج هوليوود!

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.