أعلنت منظمة الصحة العالمية في 23 تموز/يوليو الماضي أن مرض جدري القردة أصبح فاشية وأنه يمثل حال طوارئ صحية عالمية، بعد تسجيل أكثر من 70 ألف حالة في مئة بلد نسبة إلى فترة زمنية قصيرة، وهو ما لم يُسجّل في السابق مطلقاً.
ويشكل الرجال الذين يقيمون علاقات جنسية مع رجال آخرين (الشواذ) أبرز الفئات التي طاولها الفيروس، لكنهم ليسوا الوحيدين. وانخفضت الإصابات بالفيروس بصورة كبيرة، تحديداً في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. إلا أنّ بعض بلدان أميركا الوسطى واللاتينية لا تزال تشهد ارتفاعاً في الحالات.
تراجع الإصابات بجدري القرود
أكد مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس أنّ هناك انخفاضا في الحالات المُسجلة بالفيروس. لكن، قد ينطوي هذا الانخفاض على خطورة كبيرة لأنّه قد يوحي بأنّ الفاشية قد انتهت وتدفعنا لتخفيف الحذر منها. ونبّه عدد من الخبراء والسلطات الصحية إلى ضرورة عدم التسرّع في الاطمئنان إلى القضاء كلياً على مرض جدري القردة رغم التراجع الكبير للحالات المسجّلة، مذكّرين بأنه كان منتشراً في بعض الدول الأفريقية قبل وقت طويل من تفشيه خلال السنة الجارية. وقال عالم الفيروسات ورئيس قسم البيئة ومخاطر العدوى في معهد باستور جان كلود مانوغيرا: "نحن نتقدم نحو القضاء على الفيروس لكننا لم نقض عليه بعد".
ما سبب تراجع الإصابات بفيروس جدري القرود؟
أشار خبراء عدة إلى أنّ انخفاض الحالات المُسجّلة يرجع بصورة كبيرة إلى:
- تغيير في السلوكيات داخل المجتمعات المعرضة للخطر (مجتمع الشواذ)، فقد شهدت سلوكيات أفراد هذه المجتمعات تطوّراً ملحوظاً. وأشارت عدة استطلاعات إلى أنّ أكثر من نصف الرجال الذين يقيمون علاقات جنسية مع رجال آخرين قلّصوا هذه الممارسات.
- الدور الذي لعبه التلقيح، فقد ساعد على خفض عدد الإصابات، إلا أنّ كمية اللقاحات المتاحة لا تزال منخفضة. ويوصَى باللقاح للوقاية من الفيروس وبعد الإصابة به. إلا أنّ فاعليته الطبية لم تُدعم بعد بـ"دراسات مهمة"، بحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، لكنّ النتائج الأولى المُسجلة على مستوى الفاعلية الطبية أتت إيجابية.
سيناريوهات محتملة بعد تراجع الإصابات
حدّد خبراء المركز سيناريوهات محتملة وراء هذا التراجع في الإصابات:
- إمّا عودة تفشي الوباء تحديداً بسبب عودة السلوكيات التي تزيد من احتمال الإصابة.
- أو انتشار محدود للفيروس مع تفشٍ بين الحين والآخر،
- أو تراجع مستمر للحالات المُصابة حتى القضاء على المرض في أوروبا.
ويبقى الهدف منع ازدياد خطورة جدري القردة (الناجم عن فيروس يحتوي على الحمض النووي في جينومه، وهو أكبر حجماً وأقل عرضة للتغييرات الجينية المفاجئة من فيروس الحمض النووي الريبوزي) وانتشاره في بلاد لم تُسجّل فيها أي حالات. وفي الوقت الراهن، يقتصر انتشاره في نحو عشر دول أفريقية.
ومن المؤكد أنّ فيروس جدري القرود هو أقل عدوى بكثير من فيروس كورونا، وترتفع الإصابات به بصورة أبطأ من تزايد الإصابات بكورونا. لكن، كلما زادت مراحل الإصابة بالفيروس ارتفع احتمال تطوّره وإصابة عدد أكبر من الأشخاص به. وتستلزم هذه المرحلة تلقي جرعة إضافية من اللقاح، فلا حدود لتطوّر الفيروسات وينبغي أن تكون الاستجابة عالمية.
وقال رئيس قسم علم الفيروسات في معهد البحوث الطبية الحيوية في جمهورية الكونغو الديمقراطية ستيف أهودا مونديكه إنّ "اعتبار أفريقيا مصدراً للفيروس لا يزال قائماً ويمكن أن تسجل في أي لحظة حالات موجبة من مصادر خارجية وموجة وبائية جديدة، وإن البلدان الأفريقية تشكل جزءاً مهماً جداً من المواجهة العالمية".