نشرت المجلة العلمية Virological المتخصصة في علوم الفيروسات في هذا الشهر 05/2022 دراسة أجريت في قسم الأمراض الوبائية في الهيئة الوطنية للصحة في البرتغال أول خريطة للبنية الوراثية لفيروس جدري القرود الذي سجّلت منه حتى الآن نحو 20 إصابة في البرتغال.
أخذت ست عيّنات في الرابع من شهر مايو/ أيار من إصابات جلدية عند رجل ظهرت عليه علامات هذا المرض. حُللت العينات وكشف وجود هذا الفيروس فيها، وجرى تحليل بنية المادة الوراثية للفيروس، ودراستها ومقارنتها بالخرائط الوراثية السابقة لهذا النوع من الفيروسات.
ما هي البنية الوراثية لفيروس جدري القرود؟
اكتشف هذا الفيروس في القرود سنة 1958، واكتشفت حالات قليلة عند الإنسان في الكونغو منذ سنة 1970. ومنذ ذلك الحين، أصبح انتشار الإصابات بهذا المرض معروفاً ومستوطناً ولكنه محدود في مناطق وسط وغرب أفريقيا.
ينتمي هذا الفيروس إلى جنس من الفيروسات يسمى أورثوفايرس Orthopoxvirus وهي مجموعة من الفيروسات ينتمي إليها فيروس جدري البشر وجدري البقر والجرذان والماشية والكلاب البرية والجمال والقطط والفيلة. وهو من أنواع فيروسات DNA التي تحتوي مادتها الوراثية على لولب مضاعف، وهذا يعني أنها أكثر استقراراً من فيروسات RNA (مثل الإنفلونزا والكورونا).
ظهرت حالات من جدري القرود في عدد من بلدان العالم، مثل بريطانيا وإسبانيا وأميركا والسويد وبلجيكا والإمارات العربية المتحدة... ولكن عددها ما زال نحو مائة حالة تقريباً. أثار هذا قلق الهيئات الصحية، فراحت تراقب وتستعد تحسباً لانتشارٍ أوسع يذكّر بالجائحة التي اجتاحت العالَم في الفترة 2020-2022 من فيروس كورونا الجديد الذي يسبب مرض كوفيد 19 عند البشر، وأصاب نحو مائة مليون إنسان، وأدى حتى الآن لوفاة نحو مليون شخص.
هل هناك جديد في البنية الوراثية لجدري القرود؟
اتضح من الدراسة الجديدة أن بنية هذا الفيروس تشبه كثيراً فيروسات جدري القرود المعروفة سابقاً، وليس فيها طفرات أو تحولات أو تحورات جديدة مهمة يمكن أن تفسر انتشارها الجديد. أظهرت الدراسة أن المادة الوراثية لفيروس جدري القرود الذي انتشر حديثاً خارج أفريقيا ينتمي إلى سلالة من غرب أفريقيا، وهو قريب جداً من فيروس جدري القرود الذي انتشر من نيجيريا إلى عدد من الدول في 2018-2019 (بريطانيا وإسرائيل وسنغافورة).
ما هي فائدة هذا الكشف عن البنية الوراثية لفيروس جدري القرود؟
سيساعد تحديد البنية الوراثية لهذا الفيروس على تحديد سلسلة انتشاره، وربما يساعد بالتالي على كشف الحيوانات التي تساعد في نقله، وبالتالي قطع سلسلة الانتشار ووقف الوباء قبل أن يتحول إلى جائحة. كما سيساعد في تحضير لقاحات نوعية ضد هذا الفيروس مثلما حدث مع فيروس كورونا.
هل سيسبب فيروس جدري القرود جائحة عالمية مثل فيروس كورونا؟
ربما يكون هذا الاحتمال بعيداً بسبب الاختلافات الجوهرية بينهما، وهي:
- المادة الوراثية في فيروس كورونا هي من نوع RNA السريع التغير والتحول، بينما هي في فيروس جدري القرود من نوع DNA الأكثر استقراراً والأقل تغيراً.
- يبدو أن لقاح الجدري الذي استعمله الإنسان منذ القرن التاسع عشر يمنح حماية ضد جدري القرود بنسبة 85 بالمائة، بينما لم تكن هناك أي مناعة في المجتمعات الإنسانية ضد فيروس كورونا الجديد ومتحوراته الكثيرة.
- ينتشر فيروس الجدري بالتلامس المباشر وانتقال المفرزات من جلد وجسم المصاب إلى الإنسان السليم بالمعاشرة الوثيقة على فترة من الزمن، أو عن طريق التعامل مع الحيوانات المصابة ومفرزاتها ومنتجاتها. بينما ينتقل فيروس كورونا بشكل أسرع عن طريق الهواء، وينتشر في الأماكن المزدحمة المغلقة.
- ظهر مرض جدري القرود بنسبة أكثر عند المثليين من البشر، بينما هو أقل انتشاراً بكثير عند غيرهم من البشر.
- يبدو أن هناك نسبة انتشار مرتفعة من جدري القرود عند الأطفال والشباب أكثر من انتشاره عند البالغين والكهول، ربما لأن معظم البالغين والكهول قد أخذوا لقاح الجدري عندما نشطت دول العالم ومنظمة الصحة العالمية في إعطاء لقاح الجدري في كافة أنحاء العالم في الفترة 1958 – 1977 وتم القضاء التام على انتشار جدري الإنسان لدرجة أن هذا المرض قد اعتبر منتهياً، وتوقفت حملات التطعيم ضده منذ عام 1980. وربما أدى ذلك إلى عدم وجود مناعة ضد فيروس جدري القرود عند الأطفال والشباب حالياً، وبالتالي زادت إمكانية الانتشار بينهم. لا يوجد الآن مخزون للقاحات الجدري إلا في الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية، ولكن يمكن تصنيع اللقاح بسرعة إذا احتاج الأمر.