وقبل أن نستعرض هذه الحالات، سنضرب مثالا على حالة السيدة "م"، وهي امرأة في التسعينات من عمرها دخت المستشفى لتلقي علاج "الخرف"، رغم أنها كانت سليمة تماماً حتى الأسبوع السابق، وتدهورت حالتها بعد عملية إصلاح إعتام عدسة العين، وبعد العملية مباشرة حدث تغير في سلوكها بسرعة وبشكل كبير، وأصبحت شخصيتها الجميلة عصبية وغاضبة، وأصبحت لغتها مسيئة، حتى إنها خدشت أحد مقدمي الرعاية في دار المسنين الذي كان يحاول مساعدتها على ارتداء ملابسها.
في الواقع، كانت السيدة "م" تعاني من الهذيان أو "متلازمة الدماغ العضوية الحادة" التي تؤدي إلى تغير سريع في الحالة العقلية، وتسبب الارتباك وتغييرات في السلوك، لكن السيدة "م" عادت لحالتها العقلية الصحية السابقة بسرعة كبيرة بعد إزالة الضمادات عن عينيها واستمر تعافيها بعد الجراحة.
الهذيان يمكن أن يخدع حتى الأطباء المتمرسين، والذي يُسمى الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي (Major Neurocognitive Disorder MaND)، وفي هذه الحالات يبدو الهذيان مختلفًا جدًا، حيث يحدث بسرعة، وغالبًا بعد حدث طبي أو جراحي أو مزيج من الأدوية، ويصاحبها تغير في اليقظة، مما ينتج عنه لحظات من النعاس بالتناوب مع لحظات من الهياج، وغالبًا ما يرتبط الهذيان بالهلوسة البصرية أو الأوهام الذهانية أكثر من مرض النسيان، والأهم من ذلك، يمكن في كثير من الأحيان عكس الهذيان بمجرد اكتشاف السبب وعلاجه.
هذا النوع من الهذيان أسبابه عديدة وتشمل العدوى، واضطرابات التمثيل الغذائي، وردود الفعل السامة للأدوية، والانسحاب من الكحول، وآثار إصابة الرأس، على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الحالة يمكن أن تضلل الأطباء وتؤدي لتشخيص خاطئ، حيث يتوقف البحث عن الحالات القابلة للعلاج في وقت مبكر جدًا، ويمكن أن يبدأ اليأس، وقد يتم وصف الدواء الخاطئ، وقد تضيع فرصة تحسين صحة المريض ونوعية حياته، ربما إلى الأبد، وما يجعل هذا الأمر مأساويًا بشكل خاص هو أن التمييز بين الخرف والاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي ليس صعبًا، ويتطلب فقط الانتباه الدقيق للتاريخ والأعراض وفحوصات الحالة الجسدية والعقلية ونتائج الاختبارات المعملية الشائعة.
* الاضطرابات الطبية العديدة التي يمكن أن تتداخل مع الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي
-
صدمة الرأس
تتصدر إصابات الرأس أعلى القائمة؛ حيث يمكن أن يتبع السقوط مشاكل إدراكية كبيرة، وعندما يكون هذا بسبب الارتجاج، تتحسن الأعراض عادةً بمرور الوقت من خلال الرعاية الداعمة، ويمكن أن يتداخل النزيف المحدود اللاحق للصدمة داخل الجمجمة مع الأداء الإدراكي من خلال التسبب في تجمع الدم أو الورم الدموي تحت الجافية.
-
استسقاء الرأس ذو الضغط الطبيعي
حالة أخرى يمكن أن تسبب ضعفًا إدراكيًا هي استسقاء الضغط الطبيعي normal pressure hydrocephalus NPH، وهو اضطراب يتراكم فيه السائل النخاعي في البطينين (تجاويف) الدماغ ويتداخل مع التفكير والذاكرة والمشي والتحكم في التبول.
-
مشاكل الرؤية والسمع
يمكن أن تخلق القيود الحسية أيضًا صورة مثل الضعف الإدراكي الذي يزداد سوءًا عندما يصبح الشخص المصاب معزولًا بشكل متزايد نتيجة لمشاكل السمع أو الرؤية، وأكدت الأبحاث الحديثة أن هناك علاقة بين فقدان السمع وخطر الإصابة بالضعف الإدراكي.
-
اضطرابات القلب والرئتين
يزود القلب والرئتان الدماغ بالأكسجين والمواد المغذية الضرورية لعمله بشكل سليم، وغالبًا ما يصاحب العمر مرض الأوعية الدموية (الأوعية الدموية) الذي يتعارض مع النتاج القلبي أو أمراض الرئة التي تتداخل مع توصيل الأكسجين إلى الدماغ، ويمكن أن تتسبب هذه الأمراض الكامنة في الإصابة بالاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي بالإضافة إلى ما يُعرف باسم الخَرَف الوعائي (والذي يمكن أن يحدث أحيانًا مع الخرف المرتبط بمرض الزهايمر)، ويمكن أن تؤثر أيضًا على اليقظة والذاكرة والوظيفة التنفيذية.
-
أمراض الكبد والكلى
أمراض الكلى والكبد يمكن أن يؤدي إلى تراكم نفايات التمثيل الغذائي السامة في الدم، مما يؤدي إلى تبلد العقل أو تسمم النشاط العقلي وأحيانًا يؤدي إلى الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي.
-
اضطراب الهرمونات
تعتبر اضطرابات أعضاء الغدد الصماء، المسؤولة عن إنتاج الهرمونات التي يتم نقلها عبر مجرى الدم من أجل التحكم في العديد من الأنشطة الأيضية، ومن الأسباب الإضافية لأعراض تشبه أعراض الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي، ويتعارض فرط أو نقص هرمون الغدة الدرقية مع التفكير، والاضطرابات في التأثيرات التنظيمية للأنسولين، وهي سمة مميزة لمرض السكري، وتضر بالإدراك إلى جانب وظائف الجسم الأخرى.
-
الالتهابات
تنتج بعض أنواع العدوى تغيرًا طويل الأمد في الأداء العقلي يفتقر إلى العلامات المرتبطة بوضوح بالهذيان.. مثل مرض لايم، والزهري، أو فيروس نقص المناعة البشرية على سبيل المثال ، قادرون على إحداث أعراض تشبه الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي.
-
السرطانات
ترتبط بعض أنواع السرطان بالتغيرات المعرفية والسلوكية، ويمكن أن تحدث هذه من خلال التأثيرات الموضعية للورم (على سبيل المثال عن طريق غزو أو ضغط أنسجة المخ) أو نتيجة لتأثيرات الورم على جهاز المناعة حيث تتشكل الأجسام المضادة ضد الدماغ.
-
المعادن السامة
يمكن أن تؤدي سمية المعادن الثقيلة أيضًا إلى تغييرات أكثر ثباتًا قد لا يتم التعرف عليها دون اختبار محدد.
* كيف يقوم الأطباء بإجراء تشخيص دقيق؟
لحسن الحظ، يمكن علاج العديد من هذه الحالات الطبية وبعضها قابل للشفاء، ويجب أن يتضمن تقييم الاضطراب العصبي المعرفي الرئيسي دائمًا اختبارات للبحث عن هذه الحالات القابلة للعلاج حتى لا يعاني أي مريض بلا داع من حالة غير معالجة ومنهكة، ويجب أن يعطي فحص الحالة العقلية والبحث عن الاضطرابات الطبية الأخرى، ويتبع هذا الفحص فحص جسدي واختبارات للدم والبول.يعد تعداد الدم، واختبارات الغدة الدرقية، ووظائف الكلى، وإنزيمات الكبد، وفحص التمثيل الغذائي، وتحليل البول من الإجراءات الروتينية لتشخيص هذه الحالة، وقد تكون اختبارات لايم أو الزهري، والبزل القطني، والأشعة السينية للصدر، ومخطط كهربية الدماغ، أو التصوير العصبي باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني.
* الخلاصة
يمكن علاج الاضطراب المعرفي الحاد بشكل فعال، ومهمة الطبيب هي التفكير فيما هو أبعد والنظر في الأسباب المحتملة الأخرى للأعراض، والتي قد يكون بعضها قابلاً للعلاج، واكتشاف السبب يفتح الباب أمام العلاج والشفاء، مما يؤدي لتحسين نوعية الحياة للمرضى وأولئك الذين يعتنون بهم.
المصادر:
Medical Conditions that Can Mimic Dementia
Dementia-like symptoms: What else could it be?
What's Causing Your Memory Loss?