صحــــتك
25 يونيو 2018

التحرش في الصغر ودفن النفس

كنت طفلة سمينة، تعرضت للتحرش والنبز، فعوضت ذلك بالتفوق الدراسي طوال حياتي، وسماع كلام أمي خصوصا لأني كنت أرغب في حبها. كل عمري حتى الآن وأنا زوجة أظهر غير شخصيتي الحقيقية، أخشى أن أقول رأيي في أحد أو أفكاره، أخشى قول لا، أخشى من الألم النفسي، أخشى أن أعبر عن أفكاري ومعتقداتي، أخشى أن يكرهني أحد. اريد ان اشفى من هذا خصوصا أني أريد أن أصبح أما إن شاء الله، وأريد تربية نفسية سوية لأولادي.
التحرش في الصغر ودفن النفس
أهلا وسهلا بك يا صديقتي؛
ما أقسى أن ندفن عن عمد "نفسنا الحقيقية"؛ فنحن نضطر لذلك في الصغر إضطرارا؛ لأننا نكون غير مدركين وخائفين، ولا نملك أية حيلة تجاه ما هو موجود، ولا نعلم أن احتياجاتنا أصلا حقوق، وليست فضلا أو تسولا، أو نتصور خطأ أننا نحتاجها لأننا ضعاف عن غيرنا.



كل هذا صدقناه؛ لأن من حولنا من الرعاة كانوا جهلاء على المستوى النفسي والتربوي، أو لأنهم هم كذلك لم يعرفوا أن احتياجاتهم النفسية حقوق لهم، وهكذا تغلق الدائرة؛ فنتصور أن غض الطرف، وتحمل العراك الداخلي بين ما نحتاجه ونريده، وبين ما نضطر لفعله أمر سهل، أو الأقل خسارة.

والحقيقة أننا نستطيع تحمل خسارة أي شيء مهما كان كبيرا، ولا نتحمل خسارة أنفسنا؛ لأننا وكأننا نقبل بألا نتنفس؛ فهل يستطيع إنسان أن يظل بلا تنفس. وهل نتصور أن نفسنا الحقيقية بتفاصيلها التي تميزها من حرية وإبداع وحركة وهوايات واهتمامات، وحب أمور وكره أمور أخرى.. هل هذه النفس ستقبل بالدفن حية طوال العمر؟.. لا يا صديقتي لن تقبل وستظل تمور تحت السطح مطالبة بالخروج والتحرر.



وحتى تتحرر فأنت تحتاجين أن تتعرفي على احتياجاتك، وتصدقي أنها حقوقك الفطرية تماما، وتسمحي لها بالحصول على الحقوق، وتذكري أنك في الماضي كنت مضطرة؛ لتحصلي على حب وقبول ورضا، لكن الآن لماذا؟ من الذي يمنعك من التعبير عن مشاعرك، وعن رفض ما لا ترضين، أو أن تقولي "لا" لمن يتعامل معك مثلا بسياسة الحقوق المكتسبة، أو الاستغلال، أو الإساءة لمشاعرك، أو العقاب الآن؟

حان الوقت الآن لتبدئي رحلة التنفس الصحي لحقيقتك بقرار واعٍ مسؤول، وهذا ليس أمرا سهلا، ولكنه غير مستحيل؛ وتعالي لنرى ما هي العوائق التي قد تجدينها في طريق التغيير؛ لنتفهمها سويا ونتحسب لها:
- الخوف
الخوف من حكم الآخرين؛ كيف سيستقبلون التغير في تصرفاتك؟ أو الخوف من أن تخسريهم، أو الخوف من خروج غضب لا تعلمين حجمه؟ وأقول لك.. إن الخوف كان هو البطل في عمرك الفائت، ولم يحقق لك راحة، ومشاعر خوفك تلك مشاعر "دنيا الأمل الصغيرة"، وليست "دنيا الأمل الكبيرة"، وغضبك مشاعر من المهم قبولها بدون الاستسلام لها أو كبتها، أو الشجار معها؛ حتى تتمكني من التعبير عنها بشكل صحي يبعد عن تصرفات التهور أو الصغار، ولا يوجد أنضج من الحديث عن مشاعرك مع من تجدين تجاهه مشاعر أيا كانت.



- التعرف على احتياجاتك؛ لتستمتعي بالحصول عليها، وإقرار وجودها كحق خاصة مع والديك؛ لأنهما أول مسؤول عن إعطائها لك؛ كاحتياجك لأن تحبي بدون شروط.. حتى لو كنت غير متفوقة، أو تعرضت لتجارب سيئة، واحتياجك للاهتمام والاحترام دون أن تقدمي ثمنا، واحتياجك أن تكوني موجودة كما أنت وليس كما يجب أن تكوني، أو كما يتوقع منك، واحتياجك أن تقولي "لا"، واحتياجك أن تعبري عما تشعرين به من كل أنواع المشاعر وأنت متطمئنة، واحتياجك لعدم الحكم عليك، والكثير الكثير، وتلك الاحتياجات لا ترتبط بسن، أو مرحلة في الحياة؛ بل هي حقوق دائمة لنا، فقط نحتاج لممارستها دون أفراط أو تفريط، ومهم جداً أن نمارس تلك الاحتياجات؛ لأنها احتياجات كل البشر وأولهم أنت، ومن ستنجبين بإذن الله.



- العلاقات الصحية الآمنة لا تقوم على روابط الخوف أو الشك أو الحكم، ولكنها تلك العلاقات التي تقوم على القبول والإنصات والحب وعدم الحكم؛ فأي علاقة تنتهي بسبب التعبير عن وجودك الحقيقي لم تكن علاقة أصلا، والعلاقات المهمة كالوالدين والأزواج والأبناء والأصدقاء... الخ، أكثر علاقات تحتاج للبوح والحب والقبول، وكلما كانت حقوقنا مستقرة بداخلنا؛ كلما صدقها من حولنا، ووصلت لهم رسائل حقيقية؛ لأنها ببساطة تخاطب نفس احتياجاتهم؛ فقط تحتاجين لاستخدام لغة جيدة.



- التحرش من أسوأ التجارب النفسية التي يمكن أن يمر بها إنسان، ورغم أنك لم تتحدثي عنها ولو ببعض التفاصيل؛ إلا أن التحرر من مشاعر الذنب - إن وجدت - أو الغضب أو القهر هو ما يقلل أثر واقعة التحرش، ويساعد في ذلك أنك كنت صغيرة لا تعي شيئا أصلا، وأنك كنت خائفة ربما، وأن من تحرش بك هو اللص الذي يسرق في الظلام ما لا يخصه، وأن الدرس المهم هو أن الفتاة تحتاج أن تتيقظ لقول لا بشجاعة، وصوت، وثقة ؛ لأنها الضحية وليست الجاني، وكلما صدقت ذلك فعلا؛ كلما تحررت من خوفك على تكرار ذلك مع أطفالك في المستقبل دون إفراط، أو تفريط أيضا.. دمت بخير
آخر تعديل بتاريخ
25 يونيو 2018
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.