متعلقة بأمي وأهل زوجي يقفون بيننا

تحياتي لأهل زوجك يا ابنتي؛
فرفضهم هو الأمر الصحي الوحيد في كل ما ذكرتيه في رسالتك؛ ولقد رأينا مئات الأشخاص الذين تأذوا نفسياً بسبب علاقتهم الغير صحية بأنفسهم، أو بآخرين، أو بالحياة، أو بالموت، دون أن يدروا.

منهم من يكره نفسه، ومن يغرق في مشاعر الذنب، ومن يحتقر ذاته، ومن يؤذي نفسه بعلاقات تشوهه، وعلاقات "تبلعه"، وعلاقات تسيطر عليه، ومنهم من يخاف من الحياة ومسؤولية وجوده، ومن يخاف الموت ولا يستوعب أنه جزء من الحياة، الخ، ولقد قلت لك دون أن يدروا؛ فهم بالفعل لا يدركون حجم ألمهم ومعاناتهم التي تصل بهم لدرجة الموت رغم أنهم يأكلون، ويشربون، ويتعلمون، ويتزوجون، ولكن بلا حياة. وهم عادة لا يدرون؛ ﻷنهم يسمون ما يعايشونه من علاقات غير صحية بأسماء "شيك"، أو أسماء "تستنزف المشاعر"، منها ما يعرف في المساحة النفسية بعلاقات "الحبل السري"؛ وفيها يلتصق شخصان نفسياً وكأنهما واحد، ويكتفي كل منهما بالآخر عن باقي البشر، فالحب شكل واحد، طريقة واحدة هي التي بينهما، وما دون ذلك ليس حباً، والاهتمام بجرعة معروفة لديهما تماماً، وفي كل مساحات حياة كل منهما بعمق يتفقان، ويتدربان عليه سوياً بطول العشرة، وما دون ذلك عدم اهتمام، ويصبحان وكأن لهما رئة واحدة، وكل منهما يمثل "النفس" للآخر؛ فلا يستطيع أحدهما أن يعيش بدون الآخر.

وبمرور الوقت إن حدث جزء من الوعي لأحدهما يشعر بمدى فداحة ما يحدث من علاقة خانقة جعلته هشاً ضعيفاً متوتراً بدون الشخص الآخر؛ فلا يمكنه التواصل مع الحياة بتحدياتها المتنوعة بشجاعة، ولا يمكنه الاستفادة من فرص التعلم من الخطأ، والضعف، والفشل؛ وعلى مر الأزمنة والعصور كانت تلك العلاقة تسمى إسماً براقاً لتظل كما هي، فنطلق عليها الحب، والاهتمام، والأمومة، والإحسان، الخ، وهي غير ذلك تماماً، ببساطة لأنها تعيق كبران ونضوج طرفي العلاقة.

والآن أنت تحتاجين وبشدة أن "تكبري"، ووالدتك الكريمة تحتاج أن تمارس أمومة صحية مرنة؛ تسمح لك فيها أن تخوضي حياتك بكل ألوانها، وأن تستقلي نفسياً من الاعتمادية النفسية التي ترهقكما، ويدفع ثمنها معكم كل من يقترب من الشرنقة، واقتراح زوجك اقتراح غير صحي تماماً؛ وﻷنك لم تحدثينا عن تفاصيل تخص شخصه ؛ فأتصور أنه بسبب احباطه، وعدم قدرته على الاقتران بك فكر فيما قد يتمكن من تحمله أكثر فرجحت في تلك اللحظة عنده كفة استقبالها لديكما في فترة خاصة جداً جداً لكل زوجين؛ فيها يقتربان نفسياً، وجنسياً بهذا العمق في بداية حياتهما.

ولا تخافي على والدتك، فهي أيضاً تحتاج أن تكبر، وأن تكف عن خوفها من الوحدة حتى لو كان على حساب "كبرانك"، وعلى حساب ما تحتاجينه بشدة من استقلال نفسي تكتشفين فيه ذاتك الحقيقية بلا تعلق، وبلا حبل سري يمتد معك حتى هذه السن؛ ولم أقصد أبداً أن تتعكر علاقتكما؛ فعلاقتك بأمك علاقة رئيسية ومهمة، ولكنها علاقة مرضية تحتاج جهد، ودأب، ونضوج، ومسؤولية منك أنت وهي حتى تحيين بصدق، وتنضجين بصدق؛ وحتى تتمكني من عمل علاقات صحية في حياتك مع كل آخر حتى لو كان ابنك، أو زوجك، أو أي شخص.

استجمعي شجاعتك الحقيقية لتتم ولادتك الحقيقية بقطع حبلك السري؛ ﻷنه فقد وظيفته منذ خرجت من رحم أمك، ومنذ ولدتك أمك دون أن يعني ذلك فقدان القرب، والونس، والحب، والرعاية من أمك إطلاقاً؛ فالفارق عظيم بين الاعتمادية النفسية التي تجعلك وتجعلها أطفال هشين أمام الحياة وتحدياتها، وتجعلكما تخسرون كل شيء مقابل أن تظل الشرنقة، وبين علاقة أمومة طبيعية تدعم، وتحنو، وتدرب دون زج مخاوف، وضعف، وعجز في علاقة الأمومة زيفاً.

أعلم صعوبة ما قلته، ولكن الحقيقة دوماً هكذا، ويكفي أنها الحقيقة التي لن تخفيها أي كذبات.

اقرأ أيضاً:
الفطام النفسي.. أزمة في الطفولة والمراهقة
نصف حياة

استشارات ذات صلة:
تعلقنا أنا وأمي تعلق مرضي.. الانفصال حتمي
علاقة البلع والتفرقة بين الأبناء.. مشكلاتنا المزمنة
توحدت مشاعري به وعشت له.. نفسك أمانة
أنا وحبيبي.. علاقة الحبل السري