صحــــتك

حدودك النفسية.. أين ترسم خطوطها؟

الحدود النفسية
بعضنا ليست لديه مشكلة في قول "لا"؛ فإذا طلب أحد الجيران استعارة أي من أغراضه فإنه سيقول بوضوح وبأدب أنه لا يحب إقراض أدواته، وإذا طلب منه صديقه أن يخرج معه فسيرفض لارتباطه بموعد آخر، كما سيعترف بأنه يميل للخصوصية، ولا يحب أن يلتقط الناس صوره أو ينشروها أو ينشروا أخباره على الفيسبوك.

البعض الآخر يصعب عليه أن يقول "لا"؛ ستقبل إحداهن أن ترعى أطفال شقيقتها رغم إرهاقها، أو سيعمل هو مكان زميله أثناء الإجازة بناء على طلب مديره، وهؤلاء الأشخاص من المرجح أن يقولوا نعم في 97.5٪ من المواقف التي يتعرضون لها.

هذه الأمثلة قد تجعلنا نتصور أن البشر ينقسمون إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى أفرادها جيدون في وضع الحدود وتوكيديون، والمجموعة الثانية أفرادها غير قادرين على ترسيم ووضع حدود، ولكن في الحقيقة لا يمكن تقسيم الأمر بهذه الحدّة، ولكن لكل منا موقعه على  خط متصل أحد طرفيه يمثل الجمود والسيطرة، والطرف الآخر يمثل الطراوة والضعف.

* أصحاب الحدود الجامدة
الناس في المجموعة الأولى مؤكدون بشكل واضح، ويميلون لأن يكونوا أكثر جموداً، أنهم الذين يخططون إلى الأمام، والذين يطورون سياساتهم وقوانينهم الخاصة بشأن الأمور المختلفة في حياتهم (مثل إقراض الأدوات، أو الانتظام في ممارسة الرياضة وجعلها أولوية قصوى)، وهم الذين يتبعون مجموعة روتينية من القواعد التي نادراً ما يسمحون بكسرها، وقد يقدر الآخرون لهم قدرتهم على التوكيد، ولكن أيضاً قد يرون أنهم يتصفون بالجمود، وأنهم لا يتمتعون بالمرونة ولا بالقدرة على الاستيعاب.

والحقيقة أن القلق هو ما يدفع هؤلاء لهذه الصرامة في القواعد والروتين ورفض التغيير غير المخطط له، وفي حين أن هذا النظام قد يسكن قلقهم في كثير من الأحيان، إلا أن تغير الأوضاع يمكن أن يسبب المشكلات، وعلى سبيل المثال بعد الزواج مثلاً؛ قد يضطر هؤلاء لتغيير روتينهم وترك العمل لاستيعاب الأطفال المرضى، أو قد تجدهم مضطرين لإدارة عطلة نهاية الأسبوع عندما يذهب شريك الحياة في رحلة عمل، ولأن هذا التغيير في روتين حياتهم ساحق جداً بالنسبة لهم ولا يمكنهم تحمله، فإنهم قد يتركون شركاء حياتهم يشعرون بالاستياء، وقد يتهمونهم بأنهم من النوع الذي لا يكف عن الطلب؛ وفي كلتا الحالتين النتيجة ليست جيدة.

* أصحاب الحدود اللينة
الخوف من المواجهة عند هؤلاء أقوى من أي ضرر أو مشاعر غاضبة، وذلك عندما يطلب منهم الآخرون أي طلب فإنهم يستوعبون الطلب ويسارعون في التنفيذ، ولكنهم لا يسمحون لمشاعرهم الداخلية أن تظهر مما قد يؤدي لتراكمها، ثم تنفجر على شكل نوبات من الغضب، ثم يشعرون بالأسف الشديد بعدها، وفي كل مرة لا يجدون أي سبب لإنفجار نوبات الغضب على هذا النحو، ويتعهدون للآخرين بعدم تكرار هذا الأمر، ولكنهم بالطبع لا يستطيعون.

* كيف يمكن كسر النمط السائد؟
لكل منا نمطه السائد والمنطقة التي يجد فيها راحته، ويتضح من الكلام السابق أن القلق هو المحرك لكلا الفريقين، هذا القلق الذي يدفعهم للبقاء في منطقة الراحة الخاصة بهم، والتي تمثل لهم عبئاً يكبلهم ويعيق علاقاتهم الاجتماعية، وكلا الفريقين في احتياج لرؤية أن الطريقة التي تعلموها للتعامل مع الأمور لم تعد مجدية ولم تعد تعمل، وأنهم الآن في احتياج لتغيير خطوط حدودهم، ويمكن فعل ذلك كالتالي:

- أولاً: لأصحاب الحدود الجامدة جداً
هؤلاء سجنهم القلق داخل عالم صغير وروتيني ساعدهم على الشعور بالأمان وجعلهم أقل قلقاً، فقلقهم يدعوهم لتحجيم عالمهم حتى يشعروا أنهم أفضل حالاً، وهذه هي رسالة القلق ومهمته.. الحفاظ على الإنسان داخل سجنه وداخل منطقة راحته، ولكن الإنسان به أجزاء متعددة، والجزء الحدسي بداخل الإنسان القلوق يرى الأمور من منظور آخر، وعنده استعداد أن يرى المشكلة من منظور آخر، ويحتاج إلى الخروج خارج حدوده.

ما يعنيه هذا هو أن هؤلاء يحتاجون إلى زيادة منطقة الراحة لهم لتصبح أكثر مرونة، فقد يختار أحدهم أن يذهب مع صديقه، أو أن يقرض جاره أدواته وهو يتوقع الأسوأ، ولكنه يهدف للخروج خارج منطقة الراحة الخاصة به، ثم يكتشف مثلاً أن أدواته تعود سليمة ومعها كعكة تعبيراً عن تقدير جاره، أو أن الخروج مع صديقه كان مثمراً جداً على مستوى توطيد علاقاتهم.

- ثانياً: لأصحاب الحدود اللينة جداً
هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى إدارة قلقهم، ونقطة الانطلاق بالنسبة لهم هي أن يأخذوا وقتاً للتفكير قبل الرد على الآخرين، وبدلاً من الرد سريعاً بنعم.. عليهم أن يطلبوا مهلة لمراجعة جدولهم، وهذا المهلة ستسمح لهم أن يختبروا مشاعرهم حقاً تجاه هذا الأمر؛ أي أن هذه المهلة ما هي إلا محاولة لمساعدتهم على فرز ما يريدون أن يقوموا به، وما يتصورون أنه يجب عليهم القيام به.

خطوتهم التالية هي التحدث مع الأخت، أو المشرف، أو الصديق، أو شريك الحياة؛ ولأنهم الآن يتحركون عكس نمطهم السابق فمن المتوقع أن يشعر هؤلاء بالصدمة، ومن المتوقع أن يحاولوا دفعهم للعودة لنمطهم السابق، ومن المهم أن يكونوا على وعي بذلك، وأن يطمئنوا أنفسهم، وألا يسمحوا للشعور بالذنب أن يتسلل لهم، ومن خلال اتخاذ هذه الخطوات الجريئة سيكونون قادرين على اكتشاف أن ما يخشونه ويتوقعونه لن يحدث؛ فالشقيقة لن تغضب وتتركهم، وحتى لو غضبت قليلاً فإنها ستدرك أن شقيقتها أهم، وأنهم لن يفقدوا وظيفتهم، ولن يتركهم أصدقاؤهم أو شركاء حياتهم.

وأخيراً، كما يحتاج أصحاب الحدود الجامدة جداً أن يتحركوا أكثر نحو ذوي الحدود اللينة، وأن يتعلموا كيفية التخفيف من هذه الحدود، فإن أصحاب الحدود اللينة جداً عليهم أن يخلقوا لهم بعض الحدود، وأن يخلقوا سياساتهم الخاصة بهم.
آخر تعديل بتاريخ
23 نوفمبر 2017
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.