ومن حقك أيضًا أن تسمح لمن تريد بمزيد من الاقتراب منك، وتفتح له الباب لو شئت، وتُدخِله البيت، ومن حقك أيضاً أن تبني سوراً فاصلاً وسياجاً منيعاً بينك وبين شخص آخر. حتى داخل بيتك ومجالك النفسي، هناك من تكتفي باستضافته فى حجرة الاستقبال، وهناك من تدعوه لحجرة الأكل، وهناك من تتركه يتجول فى المكان بحرية، وكأنه أحد أصحابه.
ما هي الحدود النفسية الصحية الخاصة؟
قد تسمع كلمة "الحدود النفسية" وتتخيل جدرانًا تفصلك عن الآخرين بمعنى ما؛ فإن هذا صحيح لكن الحدود ليست بالضرورة شيئًا سيئًا. في الواقع؛ إنها عنصر مهم في العلاقات الصحية المتوازنة، كما أنها جزء أساسي من الحفاظ على هويتك وصحتك النفسية والجسدية.
يمكن أن تشمل الحدود قيودًا على الأفعال مثل الطلب من الزوج أو الزوجة عدم النظر في الهاتف أثناء الحديث معك، أو عدم مقاطعتك عندما تعمل من المنزل. يمكن أن تكون الأفعال نفسية أيضًا مثل مطالبة زوجك بقبول أن أهدافك وأحلامك قد لا تكون دائمًا مثل أهدافه وأحلامه. تخدم الحدود النفسية الصحية الخاصة في:
- تشجيع الاستقلال والحد من العلاقات الاعتمادية المتبادلة.
- تحديد التوقعات عند التعامل مع الآخرين.
- منحك شعورًا بالتمكين واحترام الذات.
- ضمان راحتك الجسدية والعاطفية.
- توضيح المسؤوليات الفردية في العلاقة.
- فصل رغباتك واحتياجاتك وأفكارك ومشاعرك الخاصة عن رغبات واحتياجات وأفكار ومشاعر الآخرين.
لماذا حماية الحدود النفسية الخاصة؟
لأنك ستجد فى حياتك من يهوى اقتحام الآخرين، فيقترب منك، ويقترب أكثر، فيجد حدودك مفتوحة فيدخل ويتجول، ويشعر بأن المكان مكانه فيجلس، ويبدأ فى استهلاك مشاعرك، فتحزن مكانه وتتألم بدلاً منه، وتحمل همومه بالنيابة عنه، ثم يبدأ فى إنهاء أفكارك، فتحتار في مشاكله، وتتردد في قراراته، وتعاني فى كل خطوة يقوم (هو أو هي) بتخطيها، ثم يبدأ بعدها في توجيه تصرفاتك لحسابه، ورسم سلوكك لصالحه، ثم تشعر بالضياع ولا تجد نفسك.
وستقابل أيضاً من يحترف الاستحواذ، من يحب أن يمتلك الآخر، ويحتل مساحته النفسية، يريدك أن تكون موجوداً ومتاحاً طوال الوقت، يريد أن يستحوذ على انتباهك، واهتمامك، وتفكيرك، ومشاعرك، ثم حياتك، نعم سيرغب بعدها فى أن تعيش له، لا لنفسك، وتصبح ملكاً له، لا لنفسك، وكم تمتلئ بذلك بعض قصص الحب، وهو ما يؤدي لتدمير الطرفين أو أحدهما تماماً، وكم من علاقات زواج فاشلة يكون هذا هو سبب فشلها، وكم من أمراض نفسية تصيب الأطفال والشباب فى مقتبل العمر لا يكون وراءها إلا أن الآباء والأمهات يتصورون ويتعاملون مع ابنهم أو ابنتهم على أنهم مشروع حياتهم (وليس مشروع حياته هو أو هي)، وأنه يجب أن يفعل ما لم يقدروا هم على فعله، لا أن يفعل ما يريده هو أو هي، وهكذا.
وهناك أيضاً من هم مثل مصاصي الدماء، يريدون أن يمصوا دمك، ويأخذوا منك كل ما يستطيعون، فتكون أنت صاحب العطاء الدائم الذى لا ينقطع، تعطي، وتعطي، وتعطي، تنزف، وتنزف، وتنزف، تحب وتقبل وتسامح، وتسمع وتفهم وتقدر، وتعذر وتتحمل، تقتص من نفسك كل يوم جزءاً تقدمه لهم قرباناً، وتدفع لهم من نفسك كل يوم ثمناً غالياً في سبيل رضاهم، ولا يشبعون، ولن يشبعوا.
وهناك من هو أخطر من هذا وذاك، هناك من يذيب الحدود النفسية، ويزيل الفواصل، حتى لا تعرف حدودك من حدودهم، وتفقد الخط الفاصل بينك وبينهم، فتتوه داخلهم أو يتوهوا داخلك، ولا تعلم هل ما تشعر به، يخصك أو يخصهم، وهل ما تراه، تراه بعيونك أم بعيونهم، فتتخبط، وتحتار، ثم تضيع، نعم تضيع.
وعلى النقيض, هناك من ستجده واقفاً عند حدودك في انتظار الإذن، في انتظار الإشارة الخضراء، في انتظار فتح الباب. وهناك من يروح ويجيء حائماً حولك في هدوء، كل أمله هو أن تلتفت إليه، مجرد أن تلتفت إليه. وهناك من يقف بعيداً، بعيداً جداً، لا يعرف هل يقترب أكثر أو يبتعد للأبد.
كيفية حماية الحدود النفسية الخاصة؟
في حين أنه من الأفضل عادةً البدء في وضع الحدود النفسية الخاصة في وقت مبكر من العلاقة، فإن وضع قواعد وقيود صحية يمكن أن يساعد في تعزيز العلاقة في أي مرحلة. في كثير من الحالات قد لا تدرك حتى أن هناك حاجة إلى وضع القيود النفسية الخاصة حتى تتعرفان على بعضكما البعض بشكل أكبر. على سبيل المثال، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتدرك أن زميلًا في العمل يشتت انتباهك بانتظام أثناء العمل، أو أن الاهتمام الرومانسي يبدو مسيطرًا للغاية. يمكن أن تساعدك النصائح التالية في وضع الحدود إذا كنت تواجه مشكلة في التواصل أو الاتصال بشخص في حياتك.
- اعرف ما تريده في العلاقة، حدد قيمك واحتياجاتك في العلاقة من خلال التفكير في الصفات والسلوكيات التي تفضلها وما يزعجك فيها، وإن تقييم مشاعرك بعد التفاعل مع الآخرين يساعدك في تحديد الحدود النفسية الضرورية.
- تحدث عن احتياجاتك بوضوح, اختر التوقيت المناسب وكن مستعدًا للنقاش، واستخدم عبارات تبدأ بكلمة "أنا" لتوضيح مشاعرك، وتجنب العبارات الاتهامية، وكن محددًا في طلباتك لتجنب سوء الفهم.
- فرض الحدود بفعالية عن طريق تكرار احتياجاتك بوضوح إذا تم تجاوز الحدود، وضع عواقب واضحة ومعقولة على تجاوز الحدود، والتزم بتطبيقها واستمع وتقبل حدود الآخرين، وتجنب الرد الدفاعي، مع الاعتذار عند الضرورة.
نهايةً، اطمئن على حدودك النفسية الخاصة، راجع المسافات بينك وبين الناس، اكتشف مَن هو موجود وأين؟ مَن القريب؟ من القريب جداً؟ من القريب لدرجة الخطر؟ من المقتحم؟ من المستحوذ؟ من هنا ومن هناك؟ ثم قم بعمل التعديلات اللازمة، وضع كل أحد فى مكانه. انظر أيضاً من يقف على الباب؟ ومن يحوم حولك في هدوء؟ ومن هناك على البعد، في انتظار إذنك، وإشارتك.