يبدأ الهضم الكيميائي في المعدة.. صح أم خطأ؟ عملية هضم الطعام هي سلسلة من التغيرات الفيزيائية والتفاعلات الكيميائية التي تهدف إلى تفكيك الطعام من البروتينات والدهون والسكريات، إلى مكوناتها الأصلية ... وذلك لكي يتمكن الجسم من امتصاصها والاستفادة منها. تتم هذه العمليات في جهاز الهضم الذي يتألف من الفم، والمريء (أنبوب البلع)، والمعدة، والأمعاء الدقيقة، والقولون، والمستقيم، والشرج.
نعلم جميعًا أن الطعام يدخل أجسامنا عندما نتناوله عن طريق الفم. يمر الطعام بتغيرات فيزيائية وكيميائية خلال سيره عبر جهازنا الهضمي، ويختلط بالعصارات الهاضمة التي يفرزها الجسم في اللُّعاب وعُصارات المعدة والأمعاء والبنكرياس والصفراء ... حتى تتفكّك جميع مكونات الطعام إلى عناصرها الأساسية التي يستطيع الجسم امتصاصها، والاستفادة منها في عملياته الحيوية التي تشمل الحركة والنمو والمحافظة على حرارة الجسم ...
هل يبدأ الهضم الكيميائي للطعام في المعدة؟
يعتقد كثير من الناس أن هضم الطعام يبدأ في المعدة، وهذا خطأ شائع، لأن عملية الهضم تبدأ في الحقيقة خلال عملية مضغ الطعام في الفم. تَحدث تغيرات فيزيائية مهمة عندما تقوم الأسنان بطَحن الطعام، كما تبدأ في الفم تفاعلات كيميائية مهمة عندما يمتَزج الطعام في الفم مع اللُّعاب الذي تفرزه الغدد اللُّعابية. يحتوي اللُّعاب على خمائر الأميلاز التي تفكّك النشويات والسكريات المركّبة إلى سكاكر بسيطة، مثل الغلوكوز الذي يمكن امتصاصه مباشرة عبر مخاطية الفم. تتم نحو 30 بالمئة من عملية هضم السكريات والنشويات في الفم. كما يحتوي اللُّعاب على خمائر اللايباز التي تبدأ عملية هضم الدهون.
الهضم في المعدة
تتم في المعدة خطوات مهمة في عملية الهضم تشمل تغيرات فيزيائية تقوم بها حركات المعدة لمزج الطعام مع بعضه بشكل جيد، وخَلطه ومَزجه مع عُصارة المعدة لكي تزيد كفاءة التفاعلات الكيميائية التي تجري في المعدة أثناء عمليات الهضم الكيميائي فيها.
يبدأ الهضم الكيميائي في المعدة حيث تحتوي عصارة المعدة على حمض كلور الماء الذي تفرزه خلايا مختصّة بذلك في جِدار المعدة. يَمنح وجود هذا الحمض درجةَ الحموضة المناسبة لتنشيط الخمائر الهاضمة في عُصارة المعدة، كما يساعد على تفكيك بعض مكونات الطعام إلى عناصرها البسيطة التي يمكن امتصاصها. تُفرز المعدة خمائر هاضمة تساهم في التفاعلات الكيميائية اللازمة لهضم البروتينات (الببسين)، والدهون (اللايباز)، كما تُفرز بعض الهرمونات الهضمية (الجاسترين والسوماتوستاتين والهيستامين)، ومادة ضرورية لامتصاص الفيتامين ب 12، ومواد تَمنحنا الشعورَ بالشبع.
عصارة الصفراء
تُفرز الكبد عُصارة الصفراء التي تُضاف إلى عملية الهضم في بداية الأمعاء الدقيقة بعد خروج الطعام من المعدة مباشرة. وعُصارة الصفراء قلوية التركيب، وهي ضرورية بشكل خاص لهضم الدهون لأنها تحتوي على الحموض والأملاح الصفراوية التي تُساهم في عملية هضم الدهون.
عصارة البنكرياس
تُفرز غدة البنكرياس عُصارة هاضمة تتميز بتركيبها القلوي لأنها غنية بالبيكربونات، وبسبب احتوائها على خمائر ضرورية في الهضم الكيميائي للبروتينات والدهون. كما يُفرز البنكرياس هرمونات ضرورية لعملية هضم وامتصاص بعض المواد الغذائية وتنظيمها في الجسم مثل هرمون الإنسولين.
عصارة الأمعاء الدقيقة
يَمر الطعام عبر الأمعاء الدقيقة التي يبلغ طولها نحو سبعة أمتار عند الإنسان البالغ، وتساعد حركة الأمعاء الدقيقة في مَزج الطعام ومروره بسهولة عبر هذا الأنبوب اللين الطويل. تُفرز الخلايا الموجودة في جدار الأمعاء الدقيقة عُصارة هاضمة مهمة جدًّا في عملية الهضم الميكانيكي والكيميائي للطعام لأنها غنية بخمائر تقوم بتفكيك البروتينات والدهنيات والنشويات والسكريات ...
يتم امتصاص معظم مكونات الطعام وعناصره المفيدة في الأمعاء الدقيقة، يستطيع الإنسان أن يحيا بدون أسنان، وبدون المعدة، وبدون القولون والمستقيم، ولكنه لا يستطيع أن يحيا دون وجود جزء مناسب سليم من الأمعاء الدقيقة لا يقلّ طوله عن حوالي المتر، وذلك لأهمية الدَّور الذي تلعبه الأمعاء الدقيقة في عملية هضم الطعام وامتصاصه.
امتصاص الماء في القولون والمستقيم
لعل أهم دَور يقوم به القولون والمستقيم في عملية هضم الطعام هو امتصاص الماء، ونقل فضلات الطعام التي لم يتم هضمها وامتصاص مكوناتها المفيدة، لكي يتم طَرحها بشكل البراز عن طريق الشرج. كما أن هناك دَور مهم للقولون في احتوائه على الجراثيم المفيدة التي توجَد في داخله، إذ تقوم هذه الجراثيم المفيدة بدور حيوي مهم في المحافظة على سلامة الجسم وإمداده ببعض الفيتامينات والمواد المناعية.
ما هو الفرق بين الهضم الميكانيكي والهضم الكيميائي؟
عرفنا من هذا السَّرد المبسَّط لعملية هضم الطعام أن الهضم الميكانيكي هو التغيرات الفيزيائية التي تَحدث للطعام في جهازنا الهضمي، مثل التقطيع والتمزيق والطَّحن والمَزج والخَلط ... وهي تغيرات ضرورية لكي يتم مرور الطعام في جهاز الهضم، وتساعد كثيرًا في زيادة كفاءة التفاعلات الكيميائية التي تحدث فيه.
أما الهضم الكيميائي فهو التفاعلات الكيميائية التي تَحدث للطعام في جهازنا الهضمي، مثل تفكيك البروتينات (اللحوم)، والدهون (السمن والزبدة والدهون الحيوانية)، والسكريات والنشويات ... إلى عناصرها الأساسية، مثل الحموض الأمينية التي تشكّل البروتينات، والحموض الدهنية التي تشكّل الدهنيات، والسكاكر البسيطة التي تشكّل السكريات والنشويات المركّبة الموجودة بشكلها الطبيعي في الغذاء.
الخلاصة
عرفنا في هذا السَّرد السريع ما هو دور عملية الهضم الكيميائي والميكانيكي في تفكيك المواد الغذائية إلى عناصرها التي يستطيع الجسم امتصاصها والاستفادة منها، وعرفنا أجراء جهازنا الهضمي، والدور الذي يقوم به كل جزء منه في عملية هضم الطعام، وأنه ربما كانت الأمعاء الدقيقة هي الجزء الذي لا يمكن الاستغناء عنه من الجهاز الهضمي عند الإنسان.