صحــــتك

هل يمكن تبديل جزء من القلب بمضخة صناعية؟

جهاز مساعد للبطين الأيسر
مخطط الجهاز الصناعي المساعد للبطين الأيسر

اقترح بعض الأطباء منذ أكثر من ثلاثة عقود فكرة مساعدة القلب بآلة أو بجهاز صناعي ميكانيكي يقوم بعمل أهم أجزاء القلب، وهو البطين الأيسر، بدلاً من استبدال القلب كله بقلب صناعي كامل. وبالفعل تم تصميم أجهزة مساعدة للقلب، كانت في بداياتها تشبه النصف الأيسر من القلب الصناعي، ولكنها بشكل عام كانت كبيرة الحجم، واعتمدت في دعم عمل القلب باستخدام مضخة هوائية كبيرة موجودة خارج الجسم وموصولة إلى القلب الصناعي الجزئي داخل الجسم.

مساعَدَةُ البطين الأيسر

كان جراح القلب الأمريكي الشهير مايكل دبغي في زيارة لأحد المهندسين الذين يعملون في وكالة الفضاء الأمريكية NASA سنة 1988، وبعد حوار طويل عن المصاعب التي يواجهها الأطباء في تصميم الأجهزة التي تساعد القلب، قررا أنْ تتعاون وكالة الفضاء الأمريكية مع جامعة بيلور للعمل معاً على تصميم جهاز جديد يستند إلى تصميم مضخة الوقود التي تستخدمها وكالة الفضاء في تصميم الصواريخ والمركبات الفضائية.

صُنعت المضخة الأولى من معدن التيتانيوم، واعتمدتْ على مبادئ المحركات التوربينية الكهرومغناطيسية، فلا يوجد بداخلها صمامات ولا أجزاء كثيرة متحركة، بل تتألف من توربين (عنفة) تدور بسرعة 7500 إلى 12500 دورة في الدقيقة داخل اسطوانة معدنية دون أي يمس سطحها الداخلي. يوصَل أحد أطراف هذه الآلة الاسطوانية إلى البطين الأيسر من القلب، ويوصَل طرفها الآخر إلى الشريان الأبهر. وعندما يدور التوربين، يتحرك الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر، ومن ثم إلى كافة أنحاء الجسم في تيار مستمر غير نابض.

كانت تلك الفكرة ثورة في تصميم الأجهزة الصناعية التي تقوم بعمل القلب، لأنها صغيرة وبسيطة وتعمل بالبطارية، ولا تحتاج إلى وصلها بمضخة كبيرة ولا بأسلاك وأنابيب إلى خارج الجسم، بل يمكن زرعها بكاملها داخل الجسم، ويمكن تزويدها بالكهرباء عبر الجلد، وبذلك لا تحتاج إلى استئصال القلب الطبيعي في عملية جراحية كبيرة، كما أنها تسمح للمريض بحرية كبيرة في الحركة بعد العملية. ولها سمة جديدة فريدة، وهي أن المريض الذي يعتمد عليها في دعم الدورة الدموية في جسمه لا يكون لديه أي نبض مجسوس ..! لأن تدفق الدم الذي يضخه هذا الجهاز هو تدفق مستمر، ولا يوجد فيه تغير مع نبضات القلب، بل تكون عروق المريض ممتلئة دائماً!

وبالطبع، أثار ذلك فوراً تساؤل الأطباء وقلقهم لأن الدورة الدموية المستمرة غير النابضة قد لا تكون مناسبة لعمل أعضاء الجسم المختلفة، خاصة الكُلية، التي اعتادتْ على تدفق الدم بشكل نبضاني وليس بشكل مستمر..! إلا أنّ هذا القلب الصناعي الجزئي أثبت نجاحه بالفعل في حيوانات التجربة، وكذلك نجح أيضاً عند زرعه في الإنسان.

بعد عشر سنوات من التصميم والتطوير، وبعد نجاح تجربته في الحيوانات، أُجريت أول عملية لزرع هذا الجهاز في برلين سنة 1998. وقد تم استخدامه بنجاح في علاج أكثر من 500 مريض منذ ذلك الحين، كما تم تطويره وتحسينه باستخدام تقنيات الكومبيوتر الحديثة، وتصغير حجمه حتى أمكن استخدامه عند الأطفال أيضاً، وأصبح تطبيقه ممكناً بشكل عملي في كافة أنحاء العالَم.

أجهزة أصغر

في محاضرة علمية سنة 2000 فاجأ جارفيك الأطباء بتقديمه نموذجاً لآلة كهربائية صغيرة يمكن أن تقوم بعمل البطين الأيسر (جزء من القلب). وضع الآلة الصغيرة في راحة كفه وعرضها على مجمع الأطباء. أطلق على هذا الجهاز الصغير اسم جارفيك 2000. استخدم هذا الجهاز الصغير في مئات من المرضى أيضاً.

في البداية، كان الغرض الأساسي لزرع هذه الأجهزة هو مساعدة البطين الأيسر عند المريض المصاب بقصور القلب الشديد ريثما تتاح له الفرصة للحصول على المتبرع المناسب والقيام بعملية زرع القلب الطبيعي. إلا أن مفاجأة سارة كانت في مواجهة الأطباء عندما لاحظوا أن حالة القلب المريض قد تحسنت في بعض المرضى بينما كانوا على لائحة الانتظار للحصول على قلب طبيعي جديد. بل وتمكن كثير منهم من التخلي عن الجهاز بعد فترة من المساعدة الصناعية والأدوية.

كما أن بعضهم الآخر لم تتح له الفرصة النادرة في الحصول على متبرع، فاستمر في الحياة بالجهاز الصناعي الصغير الذي ثابر على مساعدة القلب المريض في ضخ الدم بكفاءة جيدة. أطول فترة عاشها إنسان بمثل هذه القلوب الصناعية الجزئية الصغيرة حتى هذه الأيام هو بيتر هاوتون Peter Houghton (1938-2007) الذي عاش أكثر من سبع سنوات بعد أن زُرع له قلب صناعي جزئي مساعد من نوع جارفيك 2000 في انكلترا، قام خلالها بنشر كتابَين، وتسلَّق جبال الألب السويسرية، وتبرَّع بالمشي مسافة 91 ميلاً دعماً للعمل الخيري، وقاد طائرة خفيفة، وتجوَّل في كثير من أنحاء العالَم بقلبه الصناعي الصغير.

قلب صناعي صغير بلا متاعب ؟!

على الرغم من النتائج الجيدة التي حققتها الأجهزة المساعدة للبطين الأيسر، إلا أنها لم تكن بلا متاعب، فهي تحتاج لاستخدام الأدوية المسيلة للدم دائماً لمنع تخثره داخلها، إذ يتعرض الدم الذي يمر داخل هذه الأجهزة المعدنية الصغيرة إلى التخثر. وإذا حدث ذلك يضطرب عملها لأن الخثرات تعيق حرية دورانها، كما يمكن أن تنطلق الخثرات مع تيار الدم إلى مواضع أخرى في الجسم، مثل الدماغ والكُلية وتسبب كثيراً من الاختلاطات والحالات الخطيرة التي قد تشكل تهديداً للحياة. ومن ناحية أخرى قد تزيد هذه الأدوية من سيولة الدم بحيث تؤدي إلى حدوث النزف الخطر. ولذلك يحتاج هؤلاء المرضى إلى تناول أدوية سيولة أو تمييع الدم بدقة تامة ومراقبتها مدى الحياة.

وكما هو الحال في الحالات التي يحتاج فيها المريض لاستخدام أجهزة، أو لوضع مواد غير طبيعية في جسمه، تكون هذه المواد الصناعية معرضة للالتهابات الجرثومية التي يصعب القضاء عليها، ويمكن أن تسبب حالات شديدة قد لا يمكن علاجها إلا بإزالة هذه الأجهزة من الجسم. كما نُشرت بعض التقارير الطبية القليلة التي كَشفت حدوث انحلال في كريات الدم الحمراء بسبب احتكاكها المستمر مع هذه المواد الصنعية الموضوعة داخل الدورة الدموية. ولذلك كله يحتاج المرضى الذين زُرعتْ لهم القلوب الصناعية الكاملة أو الجزئية إلى مراقبة طبية دائمة عالية التكاليف، تزيد من المصاعب المالية التي تنشأ عن غلاء ثمن هذه الأجهزة أصلاً، مما يجعلها صعبة المنال لكثير من المرضى، خاصة في البلاد النامية.

 

مخطط عمل الجهاز المساعد للقلب الأيسر LVAD الذي يعتمد على التوربين الدوار وطريق تدفق الدم فيه

 

نموذج حقيقي للجهاز المساعد للقلب الأيسر LVAD من نوع جارفيك 2000 يوضح صغر حجمه

 

الجراح الشهير مايكل دبغي Michael Debakey (1908-2008) يحمل في يده اليمنى نموذجاً لقلب صناعي كهربائي كامل حديث، وفي اليسرى نموذجاً للجهاز الجزئي المساعد للقلب الأيسر الذي ساهم في تطويره باعتماد طريقة ضخ الدم بشكل مستمر عبر توربين (عَنَفَة) كهرومغناطيسية دوارة.

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.