لا تلقى الأذن الاهتمام اللازم أثناء الحرب، مع أنها كغيرها من أعضاء الجسم الأخرى يمكن أن تتأثر وتتضرر، فالصواريخ والقذائف المدفعية والقنابل، التي تنهمر كالمطر على العباد في غزة، يمكنها أن تُلحق أشد الأذى بالبنية التشريحية الداخلية الدقيقة للأذن، خاصة القوقعة والعصب السمعي، وقد تؤدي إلى الإصابة بالطنين ونقص السمع، وربما إلى فقدان السمع نهائيًا.
الحرب تدمِّر السمع
ليس العسكر وحدهم فقط يعانون من مشكلات في السمع أثناء الحرب، فعامَّة الناس تعاني أيضا. وفقًا لمعلومات مستقاة قام بها متطوعون من البرازيل وبلاد العم سام على اللاجئين الأوكرانيين، فإن نحو نصف الذين تم فحصهم كانوا يعانون من فقدان في السمع، ويمكن القول إن هذه النتيجة تنطبق بشكل كبير على أهالي غزة، ويمكن أن تؤثر الحرب على السمع بعدة طرق:
-
الانفجارات والصدمات الصوتية
الأذن هي من أكثر الأعضاء تأثّرًا بالانفجارات والصدمات الصوتية، وإذا أخذنا بنتائج دراسة نشرت فيreports scientific فإن الانفجارات يمكن أن تؤدي إلى:
- طنين الأذن.
- احتداد السمع.
- فقدان السمع.
- تمزق غشاء الطبلة.
-
نقص الرعاية الطبية الروتينية
في الحرب؛ لا يتم تحديد مواعيد واستشارات وقائية روتينية كما هي الحال في السِّلْم، من هنا فإن مشكلات الأذن القابلة للعلاج، مثل عدوى الأذن والسَّدادة الصِّملاخية، تبقى من دون علاج.
-
فقدان أو تلف المُعينات السمعية
في وقت الحرب قد تضيع أو تتلف المُعينات السمعية لدى حامليها (الأجهزة المساعِدة على السمع)، هنا تكمن الكارثة، فهذه المُعينات باهظة الثمن، ولا يمكن استبدالها، ويكلف إصلاحها غاليًا إذا ما تعطلت، حتى في وقت السِّلْم، فما بالكم في زمن الحرب؟
تدمير السمع جزء من آلة القمع الإسرائيلية
في مقالة نشرتها الفلسطينية رجا شرف، مختصة السمع وأمراض النطق واللغة، في المجلة الأميركية "العلم من أجل الشعب" Science for people، نوهت فيها إلى أن الإعاقة السمعية وتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة هما جزء من آلة القمع الإسرائيلية الممنهَجة ضد الفلسطينيين، الذين ظل فقدان السمع لديهم مشكلة متنامية تتفاقم سنة تلو الأخرى منذ فرض الحصار على القطاع في عام 2007، فالقصف والغارات الجوية المدوية والمتتالية، أدت إلى تزايد أعداد الفلسطينيين الذين يعانون من فقدان السمع الحسي العصبي الذي ينتج عن تعرض المستقبلات الحسية السمعية إلى ضوضاء قوية تجعلها تتوقف عن العمل ربما لبعض الوقت، أو إلى أمد طويل، أو مدى الحياة.
وإلى جانب القصف والغارات الجوية، هناك أسلوب الضرب المبرح الذي أكَّدته الأحداث، والذي يُعتبر هواية مفضلة لسلطات الاحتلال، مارسَته وتمارسه عن سابق قصد وتصميم خلال التحقيقات في السجون ولقمع المظاهرات، فقد ذكَر الشباب والمراهقون بأن الجنود الصهاينة كانوا ينهالون بالضرب المتكرر على رؤوسهم خاصة على المنطقة التي يوجَد فيها عظم الخشّاء، الأمر الذي أدى إلى تأذي العصب السمعي بشكل لا يمكن إصلاحه. عدا هذا وذاك، فقد تم تسجيل حالات من ثَقب غشاء الطبلة وتأذي العظيمات السمعية جراء الضرب المتكرر على الرأس ومنطقة الأذن، وأن العديد من الذين تلقوا الضرب على الرأس أصيبوا بالصمم التام، وأن أولئك الذين لم يصابوا بالصمم التام كانوا بحاجة إلى مُعينات سمعية يصعب تأمينها بسبب سعرها الباهظ وعدم القدرة على شرائها. وحتى لو تمكن البعض من تأمين المعينات السمعية، فهيهات أن تصل إليهم إلا بمشقة، وبعد أشهر طويلة من الانتظار بسبب ما تفرضه إسرائيل من قيود صارمة وفحوصات أمنية على الأجهزة السمعية.
أما عن أطفال غزة فحدّث ولا حرج، فالضوضاء الصاخبة الصادرة عن مختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية التي يستعملها جيش الاحتلال أثَّرت بشكل مباشر على حدة السمع لديهم، وتُعتبر هذه الأخيرة مهمة للتواصل الاجتماعي وتطوير المهارات اللغوية والمعرفية، خاصة على الصعيد الدراسي والمدرسي.
كيف تحمي سمعك بسبب ضوضاء الحرب؟
تجنُّب الضوضاء الحربية هو السبيل الأمثل لحماية السمع، وإذا كان هذا الأمر متعذّرا، فإنه يجب استخدام الأجهزة المناسبة لحماية السمع من تداعيات الضوضاء العالية الشدة، خاصة الضوضاء الحربية.
تعمل أجهزة حماية السمع على تقليل مستوى الصوت الذي يصل إلى الأذن، ولكنها لا تحجبه كليًا. ويعتمد اختيار جهاز حمايةٍ كثيرًا على التفضيلات الشخصية، وتضم أجهزة حماية السمع عدة أنواع هي:
-
سَدادات الأذن
وهي نوع يتم إدخاله في قناة الأذن الخارجية بحيث توفّر إحكامًا مغلَقًا للهواء الموجود في داخل القناة الأذينة. وعمومًا؛ فإن هذه السدادات بخسة الثمن وسهلة الاستعمال، وتؤمّن حماية جيدة.
-
أغطية الأذن
وهي أغطية مصمَّمة لتُناسِب غالبية الأشخاص، وهي تعمل على حجب الضوضاء بتغطية الأذن الخارجية بالكامل. وقد تضم بعض أنواع أغطية الأذن على أجزاء إلكترونية لمساعدة مستخدميها على التواصل، أو من أجل حجب النبضات الصوتية والضوضاء، ومع ذلك فإنها قد لا تعمل بشكل جيد مع الأشخاص من ذوي اللحى الكثيفة أو حاملي النظارات، لأنها تخلق فجوات بين الغطاء والجمجمة، تسمح للصوت بالعبور من خلالها.
-
أجهزة مصنوعة خصيصاً
وهي أجهزة مصنوعة ومصمّمة لتتطابق مع أذن الشخص الفردية، ويمكن تزويدها بأجهزة اتصال أو أجهزة راديو تسمح بالسماع ضمن مستوى آمن، وتحمي من الضوضاء في الخارج.
أفضل الممارسات في الحياة اليومية للمساعدة على منع فقدان السمع بسبب الضوضاء العالية:
- خفض مستوى أصوات الراديو والتلفزيون والموسيقى.
- استخدم الأجهزة التي تُصدر أقل ما يمكن من الضجيج.
- قم بصيانة الأجهزة والمعدات التي تعزف أصواتًا عالية.
- ابتعد وأبعِد أطفالك عن المصادر التي تصدر ضوضاء أو أصواتًا عالية.
- حدد مدة التعرض للضوضاء.
- استخدم أجهزة حماية السمع عندما لا تستطيع تفادي الضوضاء العالية.
- لا تنس أن تُحْضر معك أجهزة الحماية السمعية عند الذهاب لحضور مناسبات عامة، وحاول وضعها في السيارة أو أي مكان آخر يسهل الوصول إليه.
ختاماً:
إن الضوضاء الحربية الناجمة عن الصواريخ والقذائف والقنابل تلقي بثقلها على جهاز السمع في الأذن، وقد تدمّره كليًا، فكل شخص، سواء كان مدَنيًا أو عسكريًا، يمكن أن يتأثر بتلك الضوضاء، فيشكو من تغيّر مؤقت أو دائم في السمع، ومن الطنين، ونقص السمع، وربما فقدان السمع نهائيًا، خاصة عندما تكون الضوضاء عالية وتستغرق فترات زمنية طويلة.
من هنا تبدو أهمية حماية السمع من الضوضاء باستعمال الوسائل المتاحة، مثل سَدادات الأذن، وأغطية الأذن المخففة للصوت، واستعمال أجهزة الحماية من الصوت المصنوعة خصيصًا فهي الأفضل، إن كانت هذه الأجهزة في متناول اليد، ولكن قد ينبري أحد الغَزِّيّبن ليقول: "ومن وين يا حسرة".
المصادر