بعد الولادة يتم عادة التركيز على التغيرات الهرمونية والبدنية التي تتعرض لها الأم، ولكن دخول طفل جديد إلى حياة كلا الوالدين –رغم الفرح والسعادة– يمثل مرحلة انتقالية صعبة، يشوبها التعب والتوتر الذي ينجم عن رعاية المولود، والتفكير بالعمل والمسؤوليات الجديدة والحالة المادية، ولهذا السبب أجرى باحثون من جامعة ستوكهولم ومعهد كارولنسكا دراسة لكشف مدى تأثير إجازة الأمومة على الصحة النفسية للأم، وتوصلوا إلى أن الإجازة، وخصوصاً ذات المزايا الكبيرة تسهم حقاً في حماية الحالة النفسية، وأن هذا التأثير يستمر لمراحل لاحقة من الحياة.
ما أهمية الحديث عن الولادة والصحة النفسية؟
ذكرنا أن الولادة وما يتبعها من مسؤوليات جديدة تكون عادة مرحلة صعبة على الوالدين، والحقيقة أن عدداً ليس بالقليل ممن رزقوا بمولود جديد، وخصوصاً الأمهات، تتطور لديهم مشكلات نفسية في هذه المرحلة، ومن أبرز هذه المشكلات ما يُعرف باكتئاب ما بعد الولادة.
تشعر كثير من الأمهات بالحزن بعد الولادة، وعادة ما تذهب هذه المشاعر بعد مرور أسبوعين، ولكنها تستمر عند البعض فتصبح اكتئابَ ما بعد الولادة، وهي حالة تتميز بتقلبات المزاج، والبكاء دون سبب وبكثرة، وسرعة الغضب، والشعور بالإرهاق، بالإضافة إلى الشعور بعدم القدرة على رعاية المولود الجديد. ومن هذا المنطلق تكمن أهمية التركيز على الصحة النفسية للأم بعد الولادة.
كيف أجريت الدراسة؟
أجرى القائمون على الدراسة بحثاً في 5 قواعد بيانات على الإنترنت حتى تاريخ 29 أغسطس 2022، وشملت مراجعة أكثر من 45 دراسة سابقة، لتكون أكثر مراجعة منهجية من حيث الشمولية أجريت حتى الآن في هذا الموضوع.
ركز الباحثون هنا على العلاقة بين مزايا إجازة الأمومة، سواء كانت مدفوعة الأجر أم لا، وطول الإجازة، وعلاقتها بالصحة النفسية. لم تقتصر الدراسة على الأمهات فحسب، بل نظرت أيضاً في تأثير الإجازة التي تمنح للآباء على صحتهم النفسية كذلك، وتحرّت أيضاً تأثير أخذ أحد الأبوين لإجازة على الصحة النفسية للشريك.
ما نتائج الدراسة؟
توصلت الدراسة إلى أن إجازة الأمومة تلعب دوراً وقائياً يحمي من تدهور الحالة النفسية بعد الولادة، بما في ذلك الحماية من الأعراض المتعلقة بالاكتئاب والصحة النفسية بشكل عام، والإرهاق، وتقلل من اللجوء إلى وسائل الرعاية الصحية النفسية، ولكن ترتبط هذه النتائج بإجازة أمومة ذات مزايا مهمة، مثل إجازة الأمومة الطويلة. لم تقتصر التأثيرات الإيجابية -حسب الدراسة- على الصحة النفسية في مرحلة ما بعد الولادة مباشرة، ولكنها تستمر إلى مراحل لاحقة من الحياة عند الأمهات.
أما بالنسبة لنتائج الدراسة فيما يتعلق بالآباء، فهي تشير أيضاً إلى أن الإجازة ذات المزايا الجيدة قد تحمي الصحة النفسية لديهم، ولكن النتائج ليست قطعية هنا، وذلك بسبب قلة الأبحاث السابقة التي أجريت على الآباء.
المصادر: