توجد داخل أمعاء الإنسان، خاصة في القولون، بلايين الجراثيم التي تتعايش مع جسم الإنسان، وتحقق له بعض الفوائد التي تزايد اهتمام العلماء بدراستها منذ الربع الأخير من القرن العشرين. تطلع علينا المجلات العلمية بمقالات متتالية عن ملاحظة وجود علاقة بين تغيرات تصيب هذه الجراثيم المفيدة في القولون، وحدوث بعض الأمراض عند الإنسان. يصعب التأكد أحيانًا بأن التغيرات في مكونات جراثيم الأمعاء هي سبب حدوث هذه الأمراض، أم أن هذه التغيرات هي نتيجة أو مؤشر لهذه الأمراض.
العلاقة بين ترسّب بعض البروتينات في الدماغ، وحدوث الخَرف
لاحظ العلماء في دراسات متعددة وجود علاقة بين ترسّب أنواع معينة من البروتينات غير الطبيعية، مثل بروتينات تاو Tau وبعض بروتينات الداء النشواني Amyloidosis، وحدوث أنواع من الخَرف، مثل الخَرف الشيخي وداء ألزهايمر. كما سَجلت دراسات سابقة وجود تغيرات معينة في مكونات جراثيم القولون لدى المرضى المصابين بداء ألزهايمر، فهل يمكن التنبؤ بحدوث هذا المرض بدراسة التغيرات في مكونات جراثيم القولون؟
دراسة جديدة عن جراثيم القولون
في 14 يونيو 2023، نُشرت نتائج بحث جديد تم في مركز نايت لأبحاث مرض ألزهايمر بجامعة واشنطن في أمريكا تحت عنوان "مكوّنات جراثيم الأمعاء ربما تكون مؤشّرًا مبكرًا على مرض ألزهايمر". تمت الدراسة على 164 شخصًا طبيعيًّا من حيث المَلَكات العقلية، وليس لديهم أي علامات سريرية على إصابتهم بمرض ألزهايمر. تراوَحت أعمار المشاركين في الدراسة بين 68 إلى 94 سنة، وكان 45 بالمئة منهم ذكورًا.
خضع المشاركون في الدراسة للتصوير الشعاعي بطريقة PET، وتصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي، وتحليل السائل النخاعي الشوكي، وتحليل البراز، والتقييم السريري المتكرر لفحص الخَرف والذاكرة، وقياس الخَرف السريري بطريقة CDR التي تدلّ درجة الصفر لنتيجة القياس فيها على حالة ذهنية طبيعية. كما تم كشف وجود بروتينات الداء النَشَوني بتصوير الدماغ بطريقة PET وفحص السائل النخاعي الشوكي. اعتمادًا على هذه النتائج، تمّ تصنيف 115 من المشاركين بأنهم "طبيعيين"، بينما صُنِّف 49 منهم بأنهم مصابون بحالة قَبل السريرية من داء ألزهايمر.
لم تسجَّل فروق مهمة بين هاتَين الفئتَين من المشاركين من ناحية تناول السعرات الحرارية، أو مَصدرها، أو وجود أي اختلاف مهمّ في مكونات الغذاء الرئيسية بين جميع المشاركين.
سُجل وجود فروق مهمة بين أفراد هاتَين الفئتَين من حيث وجود علاقة بين تغيرات معينة في جراثيم القولون وزيادة ترسبات البروتينات غير الطبيعية في الدماغ من نوع تاو أو بروتينات الداء النشواني، مما يدل على احتمال حدوث تغيرات معينة في مكونات جراثيم القولون في مراحل مبكرة من هذا المرض.
أظهر تحليل عينات البراز وجود اختلافات عامة وخاصة مهمة في مكونات جراثيم القولون لدى أفراد هاتَين الفئتَين. كان أقوى ارتباط بين وجود مرض ألزهايمر المبكر هو وجود نوعَين معينَين من البكتيريا في البراز: Dorea formicigenerans، و Oscillibacter. كما سُجل نشاط زائد في استهلاك البكتيريا لمواد مثل الأرجِنين والأورنيثين (حموض أمينية) عند المصابين بعلامات مبكرة لداء ألزهايمر.
هل تساعد هذه الدراسة في الاكتشاف المبكر لداء ألزهايمر؟
تفترض هذه الدراسة أن معرفة وجود تغيرات معينة في جراثيم القولون ربما تساعد في الكشف المبكر عن الاستعداد لحدوث مرض ألزهايمر عن طريق هذا الفحص البسيط نسبيًّا الذي يمكن تطبيقه لدى عدد كبير من الناس. كما تشير إلى احتمال وجود دَور ما لنشاط جراثيم الأمعاء في تطور داء ألزهايمر.
تحتاج متابعة هذه النتائج لإجراء مزيد من الدراسات على فترة طويلة من الزمن، وقد يكون لها نتائج مفيدة في تطوير علاجات مختلفة لمَنع أو تأخير تطور هذا المرض عن طريق إحداث تغيرات مفيدة في مكونات جراثيم الأمعاء عند الإنسان.
المصادر:
Early Alzheimer's Linked to Gut Microbiome Changes | MedPage Today