متلازمة أقزام أمستردام، أو متلازمة كورنيليا دي لانج (CdLS) Cornelia de Lange syndrome، هي حالة وراثية نادرة تؤثِّر على نمو وتطوّر الأطفال، ويمكن أن تتراوح حالاتها من خفيفة إلى شديدة، ويمكِنها أن تؤثِّر على أعضاء متعددة، وهي واحدة من مجموعة من الحالات التي تُسمّى بالاعتلالات المترافقة Cohesinopathies، والتي تَنتُج عن تغيّرات في جينات معيّنة قبل الولادة.
يعاني الأطفال المصابون بهذه الحالة من قِصَر القامة، والإعاقة الذهنية من متوسطة إلى شديدة، ومشكلات سلوكية، ومن التوحّد أيضًا. غالبًا ما يكون لدى الأطفال الذين يعانون من متلازمة كورنيليا دي لانج ملامح وجه مميّزة، وتشوّهات في اليدَين والذراعَين والأصابع.
سنتعرَّف في هذا المقال على كلِّ ما يتعلّق بهذه الحالة التي تُصيب الأطفال، وطرق علاجها الممْكنة.
معدّل الانتشار
على الرغم من أنّ معدل انتشارها الدقيق غير معروف، فمن المحتمل أن تُصيب متلازمة كورنيليا دي لانج طفلًا واحدًا من كل 10000 إلى 30000 مولود جديد. ربما لا يتمّ تشخيص الحالة بشكل كافٍ، لأن الأطفال المصابين بسمات خفيفة أو غير شائعة قد لا يتم التعرف عليهم أبدًا على أنهم مصابون بمتلازمة كورنيليا دي لانج.
ما هي أعراض متلازمة كورنيليا دي لانج؟
تَتسبّب متلازمة كورنيليا دي لانج في ظهور ملامح وجه معيّنة، وتباطؤ نمو الجسم، ومشكلات معرفية، وتشوّهات أخرى، سنأتي على ذكر تفاصيلها فيما يلي.
-
الإعاقة الذهنية وأعراض النمو الأخرى
غالبًا ما يعاني الرضّع المصابون بمتلازمة كورنيليا دي لانج من تأخّر النمو الكلي (GDD)، ولا يصل الرضيع الذي لديه تأخّر النمو الكلي إلى مراحل النمو المتناسبة مع النطاق العمري المتوقع. غالبًا ما ينطوي تأخر النمو الكلي على تأخير كبير في مجالَين أو أكثر من مجالات النمو لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات أو أقل. عادةً ما يعاني الأطفال المصابون بمتلازمة كورنيليا دي لانج من الإعاقة الذهنية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يواجِه الأطفال المصابون بمتلازمة كورنيليا دي لانج مجموعة من الصعوبات السلوكية، والتي قد تشمل:
- العدوانية.
- الإصابة الشخصية.
- سلوك التنبيه الذاتي، مثل حركات الجسم المتكررة أو غير العادية أو الضوضاء.
غالبًا ما تَظهَر متلازمة كورنيليا دي لانج جنبًا إلى جنب مع حالات الصحة العقلية الأخرى، مثل:
- اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD).
- اضطرابات اكتئابية.
- اضطرابات القلق.
- اضطراب الوسواس القهري.
-
تشوّه ملامح الوجه والرأس
غالبًا ما يظهر لدى الأطفال المصابين بمتلازمة كورنيليا دي لانج العديد من سمات الوجه والرأس الشائعة، بما في ذلك:
- حواجب كثيفة ومقوّسة تلتقي في المنتصف.
- أنف قصير مقلوب.
- حدود قرمزية رقيقة من الشفاه.
- حنك مشقوق.
- تأخر بزوغ الأسنان.
- أسنان متباعدة على نطاق واسع.
- رموش طويلة قد تكون مجعدة.
- نثرة طويلة (النثرة هي الأخدود بين الأنف والشفة العليا).
- جمجمة صغيرة.
- آذان منخفضة.
أعراض جسدية أخرى
قد تؤثّر العديد من الأعراض الجسدية المحتَملة الأخرى على الأطفال المصابين بـمتلازمة كورنيليا دي لانج، بما في ذلك:
- الشَعر الزائد: يعد وجود الشَعر الزائد في الجسم من الأعراض الشائعة لـمتلازمة كورنيليا دي لانج.
- مرض الارتجاع المعدي المريئي (GERD): يحدث ارتجاع المريء عندما يتدفق حمض المعدة بشكل متكرر إلى مريء الطفل. ارتجاع المريء هو أحد المضاعفات الشائعة لـمتلازمة كورنيليا دي لانج.
- مشكلات الجهاز الهضمي الأخرى (GI): قد يعاني الأطفال المصابون بـمتلازمة كورنيليا دي لانج من مشكلات في الجهاز الهضمي، مثل:
- شكاوى عامة من الغثيان.
- التقيؤ.
- الإسهال.
- الإمساك.
- صعوبة التغذية.
- ضعف الشهية.
- تضيّق البواب (مخرج المعدة إلى الأمعاء).
- دوران الجهاز الهضمي.
- فتق الحجاب الحاجز.
- مشكلات في القلب: قد يعاني الأطفال المصابون بـمتلازمة كورنيليا دي لانج من مجموعة من المشكلات القلبية، بما في ذلك:
- نفخات في القلب.
- تضيّق في الشريان الأورطي.
- تضيق رئوي.
- عيوب الحاجز الأذيني أو البطيني.
- الجَنَف: وهو انحناء جانبي للعمود الفقري، يصيب ما يقرب من 39٪ من الأطفال المصابين بـمتلازمة كورنيليا دي لانج.
- مشكلات الهيكل العظمي الأخرى: تشمل المشكلات الهيكلية المحتَملة الأخرى لدى الأطفال المصابين بـمتلازمة كورنيليا دي لانج ما يلي:
- اندماج أصابع القدم الجزئي.
- نقص تنسج شعاعي.
- عظمة قَص قصيرة.
- عظمة قَص غائرة.
كما تشمل الأعراض الأخرى:
- تشوهات في اليدَين والذراعَين.
- صِغَر الرأس.
- النوبات.
- اضطرابات طيف التوحد.
- تخلف الأعضاء التناسلية.
- فشل الخصيتَين في النزول إلى كيس الصَفَن (الخصية الخفية).
- الحاجبان المرتفعان المقوسان، أو الحاجبان اللذان يلتقيان في خط الوسط.
- فقدان السمع.
- نمو الشَعر الزائد.
- قصر النظر.
في حالات متلازمة كورنيليا دي لانج الخفيفة، قد تكون بعض الأعراض المذكورة أعلاه أقل خطورة، أو حتى غائبة.
ما الذي يُسبِّب متلازمة كورنيليا دي لانج؟
متلازمة كورنيليا دي لانج هي حالة وراثية ناتجة عن حدوث طفرات في خمس مورثات (جينات) على الأقل، وهي: NIPBL و RAD21 و SMC3 و HDAC8 و SMC1A.
يمكن أن تختلف شدة الحالة اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على نوع الطفرة والمورثة المصابة، أكثر من نصف المصابين بمتلازمة كورنيليا دي لانج لديهم طفرات في مورثة NIPBL، ويرتبط هذا بدوره أيضًا بمرض أكثر خطورة.
نادرًا ما تُورّث متلازمة كورنيليا دي لانج، وعادةً ما تحدث بشكل متقطّع، خصوصًا في حالة عدم وجود تاريخ عائلي للمرض. يحدث هذا بسبب طفرات جديدة.
تم العثور على مورثات HDAC8 و SMC1A في أحد الكروموسومات الجنسية، وتحديدًا الكروموسوم X. يكفي وجود نسخة واحدة فقط من المورثة المتحورة للتسبب في هذا الاضطراب، وهي تؤثّر في كل من الإناث والذكور. يختلف هذا عن العديد من الاضطرابات الأخرى المرتبطة بالكروموسوم الجنسي المؤنث X، إذْ يتأثّر الذكور في الغالب.
كما تم العثور على مورثات NIPBL و RAD21 و SMC3 الكروموسومات غير الجنسية، ولا يلزم سوى نسخة واحدة من المورثة المتحوّرة لإحداث الاضطراب.
تُنتِج المورثات الخمس المرتبطة بمتلازمة كورنيليا دي لانج بروتينات تشارك في تطور الجنين قبل الولادة، وعلى وجه التحديد، فهذه البروتينات هي المسؤولة عن توجيه نمو الوجه والأطراف وأجزاء أخرى من الجسم.
كيف يتم تشخيص متلازمة كورنيليا دي لانج؟
لتشخيص متلازمة كورنيليا دي لانج، سيراجع طبيبك التاريخ الطبي لطفلك، ويُجري فحصًا بدَنيًا، قد يطلب طبيبك أيضًا إجراء اختبار جيني لاختبار الطفرات المحددة في المورثات الخمس المرتبطة بمتلازمة كورنيليا دي لانج (NIPBL و RAD21 و SMC3 و HDAC8 و SMC1A)، والمورثات الأخرى ذات الأهمية.
قد يلاحظ الأطباء وجود تأخر في نمو الجنين أثناء الفحص بالموجات فوق الصوتية. بعد الولادة، قد يصاب المولود بفشل في النمو وانخفاض الوزن.
غالبًا ما يكون وزن المواليد الجدد الذين يعانون من متلازمة كورنيليا دي لانج أقل من 2.2 كغ. عندما يكبر الأطفال المصابون بهذه الحالة، فمن المحتمل أن يتأخّر نموهم، وأن يكونوا أقل من النسبة المئوية الخامسة للوزن.
قد يعاني الأطفال المصابون بـمتلازمة كورنيليا دي لانج من مجموعة متنوعة من الأعراض التي يمكن أن تختلف في شدتها. يمكن أن تَتسبّب هذه التأثيرات في تشابه الحالة إلى حدٍ كبير مع بعض الحالات الوراثية الأخرى، مثل:
- اضطراب طيف التوحّد.
- متلازمة ريت.
- متلازمة روبرتس.
لذلك، غالبًا ما يُجري المختصّون الطبيون اختبارات جينية لتأكيد تشخيص متلازمة كورنيليا دي لانج. سيأخذ الاختصاصيّ الطبي عينة من الدم أو البصاق، ثم يبحث عن تغييرات معينة في الحمض النووي للطفل، لتأكيد تشخيص متلازمة كورنيليا دي لانج.
كيف يتم علاج متلازمة كورنيليا دي لانج؟
قد يوصي الطبيب ببعض الأدوية لعلاج مشكلات الجهاز الهضمي. يحدث الارتجاع المعدي المريئي (GERD) عندما يتدفق حمض المعدة راجعاً إلى المريء. يختلف علاج الارتجاع المعدي المريئي حسب العمر، ولكن يمكن أن يشمل بعضَ الأدوية لتقليل حموضة المعدة، أو لتسريع تفريغ المعدة.
قد يوصي الطبيب أيضًا بإجراء عملية جراحية في الحالات الأكثر خطورة، مثلما يحدث إذا كانت الأمعاء ملتوية. إذا لم يتم تلبية الاحتياجات الغذائية، فقد يصف الطبيب حمية غذائية إضافية، أو تدخّلًا لتوصيل التغذية مباشرة إلى المعدة.
قد يصف الطبيب أيضًا أدوية لعلاج النوبات. ويمكن علاج فقدان السمع بأدوات المساعدة على السمع، أو عملية زرع القوقعة الصناعية في الأذن. قد يوصي الطبيب أيضًا بإجراء جراحة أو علاجات أخرى لعيوب القلب، أو لتحسين حركة اليدين أو الذراعين، أو الساقين أو القدمين.
قد يحتاج طفلك أيضًا إلى العلاج الطبيعي، أو علاج النطق، أو العلاج المهني لتحسين النمو على المدى الطويل. قد يقترح طبيبك أيضًا طرقًا بديلة للتواصل، مثل لغة الإشارة، إذا كانت المهارات اللفظية لطفلك متأخرة.
غالبًا ما يساعد علاج متلازمة كورنيليا دي لانج في علاج الأعراض ودعم الطفل.
في بعض الحالات، قد يخضع الطفل المصاب بـمتلازمة كورنيليا دي لانج لعملية جراحية لمعالجة الأعراض الجسدية الآتية:
- الحنَك المشقوق.
- تشوهات القلب.
- فتق الحجاب الحاجز.
- ارتجاع المريء.
قد يخضع الطفل أيضًا لعملية جراحية تجميلية للمساعدة في تقليل الشَعر الزائد. قد تكون بعض تقنيات تقويم العظام فعالة في المساعدة في حل مشكلات الأطراف. تشمل الخدمات الأخرى التي قد تكون مفيدة للأطفال الرضّع الذين يعانون من متلازمة كورنيليا دي لانج ما يلي:
- العلاج الطبيعي.
- علاج النطق.
- العلاج بالممارسة.
- برامج التربية الخاصة.
قد يرغب أحد الوالدين أو مقدِّم الرعاية لطفل رضيع مصاب بمتلازمة كورنيليا دي لانج في استشارة اختصاصي تغذية لمعالجة بعض صعوبات التغذية. قد يوصي الأطباء أيضًا بإجراء فحوصات منتظمة للسمع والرؤية لجميع الرضّع المصابين بحالات نمو عصبي.
التوقّعات
غالبًا لا تؤثّر متلازمة كورنيليا دي لانج على متوسط العمر المتوقّع للطفل. إذا أصيب طفلٌ ما بأي مضاعفات تتعلق بالحالة، فإن تشخيصه سيعتمد على شدة تلك المضاعفات وإدارتها.
الخلاصة
متلازمة كورنيليا دي لانج هي حالة وراثية نادرة، قد تُسبِّب مجموعة من الأعراض، بما في ذلك الإعاقة الذهنية وتشوهات الرأس والوجه المميزة. تشمل الأعراض الجسدية المحتملة الأخرى للحالة: كثافة الشَّعر، ومشكلات الهيكل العظمي، ومشكلات الجهاز الهضمي، والتشوّهات القلبية.
غالبًا ما يقوم الطبيب المتخصص بإجراء التشخيص بناءً على الأعراض السريرية، ثم استخدام الاختبارات الجينية لتأكيد التشخيص.
غالبًا ما يهدف علاج متلازمة كورنيليا دي لانج إلى إدارة الأعراض. قد يخضع الرضيع لعملية جراحية لمعالجة بعض الأعراض الجسدية. قد يستفيدون أيضًا من العلاج الطبيعي والعلاج المهني وعلاج النطق.
المصادر